اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

حكاية القصّة التي ولَّدت حكاية

عمر أبو القاسم الككلي

يوم 26/ 12/ 1978 كنّا، أنا ومجموعة من الكُتّاب والمثقفين (الشباب حينها)، نحضرُ أسبوعا ثقافيا في مدرسة شهداء يناير في بنغازي، بمناسبة ذكرى وفاة الشاعر علي الرقيعي، نظّمته جمعية نسائية بالمدينة، لا يحضرني اسمها الآن، وكنّا مدعوين للمشاركة في فعاليات هذا الأسبوع.

أظنّه كان اليوم الثالث في هذا الأسبوع، وكان يوم ثلاثاء، ومخصّصا للقصة.

لكن حدثت قصّة أخرى.

إذ احتلّ حشد من جماعات اللجان الثورية، حسب خطّة موضوعة سلفا، قاعة مسرح المدرسة الذي كانت تجري فيه النشاطات، وصعد أحمد إبراهيم منصور ومصطفى الزائدي إلى المسرح وطردا المذيعة، التي كانت ستقدّم الأمسية (كان فرع الإذاعة الليبية في بنغازي يسجّل وقائع الأسبوع الثقافي). وبما أن ذلك اليوم كان مخصّصا للقصة، قال مصطفى الزائدي متفكّها:

“- احنى عندنا قصّة أخرى بنحكوها”.

وكانت “القصّة”، أنَّهم “اكتشفوا أنَّ معظم المشاركين في نشاطات ذلك الأسبوع، يشكّلون تنظيماً ماركسيا شيوعيا سرّيا، ويريدون سرقةَ الثورة”.

سأتجاوز هنا عن نقل تفاصيل الحدث، وأشيرُ فقط إلى أن أحمد إبراهيم منصور قال مخاطبا إيّاي بالاسم:
“- تو بيرفسك الحصان الي كنت بتقرا قصته اليوم!”.

كان يشير إلى قصتي “القفزة”، المكتوبة نهاية سنة 1976 ونُشرت في مجلة “الثقافة العربية” سنة 1977.

وكان في إطار الاستعدادات للاحتفالات بمناسبة “السابع من أبريل” من تلك السنة، وضمن حملة من اللجان الثورية بالجامعة، لترويع بعض الطلبة “المشتبه” بهم، اضطررت إلى الدخول في صدام معه، أشار فيه إلى هذه القصة عينها، معتبرا إيّاها معاديَةً للثورة!. فأجبته بأنّها منشورةٌ في مجلّة تصدرُ عن مؤسسة رسميّة من مؤسسات الدولة الليبيّة. فقال: نعم. هي تصدر عن مؤسسة رسميّة من مؤسسات الدولة!.
يعني أنّه يفرِّقُ بين الدولة والثورة، وأنَّ الدولة غير ثوريّة!.

في التحقيقات سألني وكيل نيابة أمن الثورة آنذاك بشير تامر، الذي كان يتولى ملفّ قضيّتنا عن مقالي الذي عنوانه “القفزة”. قلت له “القفزة” قصّة وليست مقالا!.
*

علاقتي بالخيولِ في الواقع شبه منعدمة. أذكُر أنّني في صغري (ربما في السادسة من عمري) ركبت جوادا وكانت تجربة غير سارّة، لأن الجواد جمح بي، وهي حالة قريبة مما هدّدني به أحمد إبراهيم!.

لكن في فترة من شبابي، صرت مأخوذا بالمناظر التي تحتوي لقطات لخيول جامحة، وكنت أحتفظ بعدد معقول من هذه الصور. كما أنّني كنت أهتمّ بملاحظة حركات الخيول التي تظهر في ما أشاهده من أفلام.

ذات مرّة قلت لصديقي القاصّ المتميّز محمد الزنتاني، أثناء جلسة في مقهى، إنّني منذ مدّة مسكونٌ بهاجس الرغبة في كتابة قصّة تكون البطولة فيها لجواد. عدا ذلك، ليس في ذهني أيّ تفصيل.

بعد أشهر قليلة كتبتُها!.
أحد الأصدقاء ممن قرؤوا القصة حينها علّق قائلا:
“- تقول توصف فيهم قدامك!”. (يقصد المهر والمهرة، وبقية الخيول في الحظيرة).

صديق آخر قرأ القصة في التسعينيات قال:
“- نعرف أنك ما عندكش علاقة بالخيول. انى عندي علاقة قوية بالخيول”.

وأضاف ما معناه أنَّ من يقرأ القصّة يتصوّر أنّني قد عايشت الخيول، عن قرب لفترة طويلة!.

المستعربة الإيطاليّة إيلاريا أديو، التي كان مشروعُ تخرّجها من معهد استعراب في نابولي مجموعتي القصصية “صناعة محلية”؛ دراسة وأطروحة، سألتني بعد أن قرأتُ عليها القصّة في جلسة في أحدِ مقاهي طرابلس، عمّا إذا كنت أنقل في القصة مشاهد وأحداثا فعلية!.

*

لكن ما حرّك مشاعر أحمد إبراهيم منصور، ومن والاه، ليس الجانب الجماليّ للقصة، بكل تأكيد، إنّما استثارت مشاعرَه العدوانيّةَ نحوي شحنةُ التمرّد، والرغبة في اجتراح التحرّر، المحتشدتان في القصة، فاعتبرَها منشورا سياسيّا تحريضيّا. إنّها حالة مماثلة لما أسماه الشاعر محمود درويش في قصيدته “على هذه الأرض”:

“خوف الطغاة من الأغنيات”!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى