حياة

تقرير خاص: بعد 3 سنوات من التحقيق.. رأس امرأة في غابة لا يزال يحير أمريكا

يرقد رأس مقطوع لامرأة في غابة على بعد عشر ياردات من طريق ريفي في ولاية بنسلفانيا الأمريكية. كان فمها مفتوحا وعيناها مغلقتين وشعرها الرمادي ناعما.

اكتشف الرأس أحد المراهقين بعد قليل من ظهر يوم 12 ديسمبر كانون الأول 2014. وبعد دقائق اتصل بخط الطوارئ في الولايات المتحدة (911) وقال بهدوء “عثرت على رأس بشري” وفقا لرواية الشرطة.

واليوم ورغم مرور ما يقرب من ثلاث سنوات على اكتشافها لا تزال هوية المرأة مجهولة.

لم تحدد السلطات كيف ومتى توفيت ولا عمرها ولا سبب قطع رأسها ولا كيف وصل رأسها لتلك المنطقة قرب طريق ماسون في تلك البلدة التي يقطنها 12 ألف نسمة ولا تبعد كثيرا عن مدينة بيتسبرج.

وعلى الرغم من تدفق خيوط الأدلة في البداية تقول الشرطة إنه لا يوجد مشتبه بهم حتى الآن. لكن لديها نظرية تبدو مرجحة.

تعتقد الشرطة أن الرأس ربما قطع على يد من يسمى بسمسار الجثث وهو شخص يبيع أجزاء من جثث يتم التبرع بها من أجل العلم.

وقالت ميشيل فيتالي أستاذة التشريح في جامعة إدنبورو قرب إيري والتي فحصت الرأس بدقة “قطعت بشكل احترافي… هذا جزء من تجارة الأعضاء”.

واتفق الطبيب الشرعي المخضرم سيريل ويكت الذي أجرى أكثر من 20 ألف عملية تشريح خلال مسيرته المهنية مع فكرة أن القطع لم يتم على يد هاو. وقال بعد أن فحص صورا من مسرح الجريمة “نرى شقا جراحيا محكما… شخص ما أخذ وقته في الأمر”.

ومن أحد الأسباب التي تشير إلى أن الرأس ربما جاء من تجارة الأعضاء هو أن تلك التجارة ارتبطت بانتهاكات مماثلة من قبل.

فقد حددت رويترز آلاف الأعضاء البشرية التي تعرضت لإساءة استخدام أو انتهاكات منذ 2004. وفي قضية سمسار الجثث آرثر راثبورن في ديترويت تقول السلطات إنه “كدس رؤوسا بشرية بعضها فوق بعض دون أي فواصل بينها”. ويمثل راثبورن في محاكمة في يناير كانون الثاني بعد أن وجهت له اتهامات بالاحتيال على عملاء الرعاية الصحية من خلال تضليلهم بشأن بقايا بشرية ملوثة واتهامات بالكذب على ضباط اتحاديين.

لكن عادة ما تصادف السلطات مثل تلك القضايا عرضا. واكتشف موظف في إحدى شركات الطيران في أركنسو 40 رأسا مقطوعا يتم شحنه في حاويات بلاستيكية عام 2010. وقبل نحو عامين في تكساس عثرت الشرطة على جثة كاملة على جانب الطريق بعد أن سقطت من عربة فان كانت في طريقها لسمسار جثث وأعضاء في كولورادو. ولم يلحظ السائق أن الجثة مفقودة وفقا لما روته رويترز في ذلك الوقت.

صعوبة التتبع

 

ما يعقد قضية بنسلفانيا هو أن الجثث وأجزاءها يمكن أن تباع وتشترى وتؤجر في أنحاء أمريكا بسهولة نسبية مما يجعل من تحديد الموقع الأصلي الذي جاءت منه تلك الأشلاء أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا مثل الرأس الذي عُثر عليه في بلدة إكونومي.

وقالت فيتالي “هناك الكثير من الأماكن التي يمكنك الحصول منها على تلك الأجزاء… لكن تعقب مصدرها أمر صعب”.

وتقول الشرطة إنها ستحتاج على الأرجح مساعدة الناس لحل ما تصفه بأغرب قضية تعاملت معها.

وقال أندرو جال كبير المحققين في مكتب الادعاء العام في مقاطعة بيفر “عامان ونصف العام ونحن نعمل بجد على هذا الشيء. لم نصل لأي شيء. الأمر يدفعني للجنون… أقوم بهذا العمل منذ فترة طويلة. لم أصادف أمرا كظهور جزء من جثة بهذا الشكل”.

وفي الأيام التي تلت العثور على الرأس استعانت السلطات بالكلاب المخصصة للعثور على الجثث لتمشيط المنطقة. كما حاولوا استخلاص عينة لإجراء اختبار للحمض النووي (دي.إن.إيه) للمرأة التي تحنط رأسها. لكن تلك الجهود لم تسفر عن شيء. لم يعثروا على أدلة في الغابة ولم يكن في الرأس عينة صالحة للحمض النووي إذ تقول السلطات إن كيماويات تستخدم في التحنيط دمرت أي عينة ممكنة.

واستعانت الشرطة بفيتالي، وهي أيضا خبيرة فنية في الطب الشرعي، فنشرت رسما ومنحوتة من الصلصال لما قد يكون عليه شكل المرأة وهي على قيد الحياة. وأتاح المحققون خطا للهاتف واعتقدوا في البداية أن نابش قبور قد يكون هو المسؤول عن الأمر. وقال جال “شعرت أننا أنهينا الأمر وفي أي لحظة سيدق الهاتف وتأتينا معلومات… لكن ذلك الاتصال لم يرد أبدا”.

وسريعا فقدت قضية المرأة دون جسد، والتي أطلقوا عليها جين دو، زخمها فيما بدت الأدلة المتبقية محيرة.

كرات مطاطية حمراء

عثرت السلطات في المشرحة المحلية على أغطية للعين، يستخدمها متعهدو الدفن لإبقاء جفون الموتى مغلقة، في عيني الرأس لكن تحتها كانت المفاجأة: كرتان مطاطيتان لونهما أحمر في محجري عيني الرأس الفارغين.

وحيرت تلك الكرات المحققين وخبراء حفظ الجثث الذين يقولون إنهم لم يسمعوا أبدا باستبدال الأعين المستأصلة بكرات مطاطية حمراء. وهناك شركة واحدة على الأقل تصنع كرات تستخدم أيضا كأغطية للعين لكنها تختلف كثيرا في اللون والملمس عن الكرات التي عُثر عليها في محجري عيني المرأة.

ربما انتزعت عيناها عن طريق التبرع بالأعضاء. وقال ويس كالب نائب مدير القسم الصحفي في إدارة الصحة في بنسلفانيا إنه لو كانت جين دو قد توفيت حديثا فمن المحتمل أن “بنكا للعيون أو مؤسسة لتوفير الأعضاء كانت ستزيل القرنية فحسب من العين”.

لكن سمسارا للجثث قد يستأصل العين بأكملها ويبيعها لأغراض بحثية. وتختلف القوانين التي تحكم التبرع بالأعضاء وتلك التي تحكم مجال الوساطة في توفير الجثث والأعضاء اختلافا كبيرا.

تخضع مؤسسات زراعة الأعضاء لقواعد تنظيمية صارمة فيما لا يخضع سماسرة الجثث لذلك.

لكن ما سبب ملء المحجرين الخاويين بكرات مطاطية حمراء؟ فاستخدام القطن لملء هذا الفراغ أرخص. ويقول كيفين موران وهو مدرب على التحنيط في (أمريكان أكاديمي مكاليستر إنستيتيوت) لخدمات الجنائز في نيويورك إن الكرات المطاطية الحمراء “لا تستخدم في مجال تحضير الجنائز ولا في شبكات التبرع بالأعضاء”.

وأضاف “خلال 40 عاما قمت فيها بذلك لم أر شيئا مشابها”.

وأشار موران إلى أن استخدام أغطية العين في محجري جين دو كان “احترافيا للغاية… لكن مع ذلك استخدمت كرتين مطاطيتين مثل تلك التي تجدها في الألعاب… ليس هذا منطقيا”.

ويحير الموقف أيضا المحقق جال الذي لم يستبعد بعد فرضية أخرى. وقال “أثبتوا لي أن الأمر ليس جريمة قتل.. أنها كانت حية وقتلها شخص ما وعبث بالجثة… بما يشمل وضع الكرتين هناك”.

أشبه بالترقيع

إذا كان بوسع أي أحد الكشف عن هوية جين دو فسيكون على الأرجح طبيب أسنان.

واكتشفت السلطات أسنان المرأة كاملة في فمها وأجرت أشعة سينية. وفحص أطباء الأسنان من جامعة بافالو الرأس وخلصوا إلى أن كل سن في فم المرأة خضعت لعمليات بينها سن خضعت لما يصل إلى سبع عمليات.

وباستخدام سن من ثلاث أسنان اقتلعوها عثر أطباء الأسنان أيضا على ما يعتقدون أنه مركب حشو لم يكن متاحا لأطباء الأسنان قبل عام 2004 الأمر الذي يعني أن المرأة توفيت على الأرجح بعد ذلك. وبناء على الفحوص تمكن طبيبا الأسنان رايموند ميلر وبيتر بوش من وضع تصور محتمل عن جين دو: امرأة محدودة الدخل كانت تعاني من تسوس شديد في أسنانها وربما نشأت في منطقة لم تكن المياه فيها معالجة بالفلور.

ويقول ميلر إنها على الأرجح لم تكن تتمتع بتأمين صحي ممتاز على أسنانها ليغطي تكلفة أغطية الأسنان لكن ربما كان لديها خطة تأمين صحي أقل تكلفة أتاح لها حشو أسنانها. ويصف ميلر العمل على أسنانها بأنه أشبه بالترقيع حيث تعالج المشاكل فقط عندما يكون ذلك ضروريا. لكن الطبيبين اتفقا على أن العمل كان متقنا.

وقال ميلر “اعتنى شخص ما بها جيدا. كل سن محشوة أو جرى إصلاحها في فمها. نطاق هذا العمل سيجعل من السهل التعرف عليها لو كان لدينا أي معلومات عنها”.

قطع “دقيق جدا”

استبعد المحققون تقريبا نظرية سرقة القبور. ولم تقع حوادث في الآونة الأخيرة تشمل رأسا مفقودا مما ترك المحقق جال يتساءل “من أين أتى الرأس؟”

ولجأت السلطات إلى أستاذة التشريح وفنانة الطب الشرعي فيتالي.

وقطع جلد جين دو بشكل غير منتظم حول الجزء الأمامي من رقبتها لكن القطع تحت الجلد كان مستويا ودقيقا. كما لاحظت فيتالي أيضا شقين على الجهة الخلفية للرقبة بالإضافة لاختفاء عمودها الفقري العنقي. وتقول فيتالي وآخرون إن القطع يشير إلى أن العمود الفقري أزيل بشكل واضح في مؤشر على أن رأس جين دو استخدم في تجارة الأعضاء.

وقالت فيتالي “عندما رفعنا جزءا من الجانب الخلفي للرقبة استطعنا أن نرى أن الغرض من ذلك هو الوصول إلى مفصل رئيسي يحافظ على الرأس والعمود الفقري مما يزيد من ربحية الاثنين”.

وتظهر الأشعة السينية على الرأس بوضوح أن الفقرات مفقودة.

وقالت فيتالي “هذا ليس شخصا نفذ عملا بسكين مطبخ أو شيء من هذا القبيل. هذا عمل متقن ونفذ بشكل مثالي”.

ورفعت ملاحظات فيتالي أسهم نظرية سماسرة الجثث والأعضاء وفتحت مسارا جديدا للتعامل مع اللغز. وقال مايكل أوبرين قائد شرطة إكونومي “أحد الأشياء التي فكرنا في القيام بها شراء رأس بشري”.

وستقود فيتالي هذه المساعي. وتساءلت قائلة “إذا ذهبنا واشترينا رأسا بشري أخرى. ما الذي سنكتشفه؟ الأمر بهذه البساطة”.

رؤوس للبيع

يأمل المحققون أن يكتشفوا أمرين. وقال أوبرين “كنا نتطلع لمعرفة مدى سهولة أو صعوبة شراء هذا الرأس.. ثم رؤية كيف يبدو هذا الرأس فعليا من حيث المنطقة التي قطع منها”.

لكن السلطات قررت عدم المضي في الأمر. وبعد تفكير ملي توصلت إلى أن أي سمسار أعضاء سيحاول التحقق من فيتالي سيكتشف بسهولة التقارير الإعلامية التي تذكر صلتها بالقضية وبالتالي سيمتنع عن البيع لها لاعتقاده بأن عملية البيع كمين.

وبعد أن علمت رويترز بهذه الجهود التي تم التخلي عنها قررت أن تمضي قدما لبعض من الأسباب ذاتها التي ألهمت سلطات بنسلفانيا. هل يمكن شراء رأس بسهولة من سمسار أعضاء؟ وهل سيكون القطع بشكل مشابه؟ وهل ستكون الفقرات العنقية مزالة؟

وكان سمسار في تنيسي ليس له صلة بالقضية ويدعى جيمس بيرد قد باع للوكالة بالفعل فقرات عنقية قبل بضعة أشهر. وأبلغ بيرد مراسل رويترز برايان جرو أن بوسعه أن يوفر رؤوسا بشرية بتكلفة حوالي 300 دولار للرأس بالإضافة لمصاريف الشحن. وفي يناير كانون الثاني اشترى جرو رأسين وطلب من باحث طبي أن يقارن الطريقة التي قطع بها الرأسان بصور تظهر كيفية قطع رأس جين دو في قضية بنسلفانيا.

ووفقا لخبير في التشريح استشارته رويترز فإن الطريقة التي قطع بها الرأسان اللذان اشتراهما جرو تدعم نظرية أن سمسارا للجثث والأعضاء في مكان ما تعامل يوما ما مع رأس جين دو. وتقول أنجيلا ماكآرثر التي تقود برنامج وصايا التشريح في جامعة مينيسوتا إن الملحوظة الأهم كانت أوجه الشبه بين القطع الداخلي في الرأسين اللذين اشترتهما رويترز والرأس الذي عثر عليه في بنسلفانيا.

وفحصت ماكآرثر الرأسين اللذين أحضرتهما رويترز واطلعت على صور لرأس جين دو.

واستنادا لصور الشرطة لاحظت ماكآرثر أن “القطع الجراحي على الجزء الخلفي من رقبتها إلى جانب الشريان السباتي والقصبة الهوائية والمريء تجعلني أعتقد أن هذا كان شراء لفقراتها العنقية”.

وبعيدا عن أوجه الشبه تقول ماكآرثر إنها شعرت بالانزعاج لأن أيا من الرأسين اللذين اشترتهما رويترز لم يكن يحمل علامات تعريف تميز الرأس نفسه. وعلى الرغم من أن هذه العلامات ليست مطلوبة بموجب القانون فإن ماكآرثر تعتبرها ضرورية لتتبع هوية المتبرع. ومن دون هذه العلامات فإن رأسا عثر عليه بجانب الطريق مثل رأس جين دو قد لا يتسنى التعرف عليه أبدا.

“لن أفقد الأمل”

حاولت السلطات أن تجرب طرقا أخرى لحل القضية.

وفحصت النظائر من جزيئات الأكسجين التي بقيت في أسنان المرأة وشعرها لتحديد المكان المحتمل الذي قضت فيه جين دو الأشهر القليلة الأخيرة. ولم يكن مستغربا أن يشمل الجواب المنطقة القريبة من مكان العثور على رأسها كما يمتد إلى ولايات مجاورة مثل وست فرجينيا.

لكن تحليل النظائر أشار أيضا إلى أنها لم تكن تعيش في مقاطعة بيفر في الأشهر التي سبقت وفاتها. وتشير اختبارات السموم أيضا إلى أن المرأة ربما عانت من آلام مزمنة وأن مسعفين حاولوا إنعاشها قرب وقت وفاتها. وتعتقد السلطات أنها كانت أكبر من 50 عاما عندما توفيت.

ويقول جال وهو رجل قانون مخضرم يبلغ من العمر 40 عاما ويفخر بحل القضايا التي قد يفقد البعض الأمل في حلها إنه سيظل يعمل على تلك القضية.

وقال جال “لن أفقد الأمل لأني ما زلت على قناعة بأن شيئا ما سيحدث انفراجة لنا. شخص ما سيفكر في شيء ما سيساعدنا في حل تلك القضية”.

عن: (رويترز)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى