أخبار ليبيا

المكتبة (45 )

نُخصص هذه المساحة الأسبوعية، كل يوم أحد، للحديث عن العلاقة بين المبدع وكتبه، والقراءة، والموسيقى.

علاء محمد زريفة كاتب وشاعر سوري، من مواليد مدينة حمص عام 1985م،

صدرت له أربع مجموعات شعرية وهي (المسيح الصغير- شوكولا- شيطان- عازف الكلاشنكوف الضرير) كذلك له مشاركة في انطولوجيا الشعر العربي المعاصر باللغة الإسبانية عن دار أبجد العراقية. وترجمت مجموعته المسيح الصغير إلى اللغة الصربية وستصدر قريباً عن دار الدراويش للترجمة والنشر في ألمانيا.

 

ـ ما الذي جاء بك إلى عالم الكتابة؟

ـ ببساطة، كان الحب هو دافعي الأول لدخول عالم الكتابة، في تلك المرحلة كنت مراهقاً تغزو وجهه بثور الرغبات الجامحة. وكان الشعر ملجأي وملاذي لمحاولة وصف وتحليل ما أشعر به، كنت متأثراً حينها بالشاعر السوري الكبير نزار قباني فحاولت النسج على مناول قصائده وأسلوبه الشعري في كتابة قصيدة التفعيلة، إضافة لمحاولات عديدة في نظم قصائد عمودية كرست أغلب مواضيعها للتعبير عن ذلك الهياج العاطفي المجنون الذي كان يجتاحني. فيما بعد أي بعد عدة سنوات، أحرقت كل ما كتبته في تلك الفترة دفعة واحدة ربما انتقاماً من الشخص الذي كنته، محاولاً إغلاق باب الكتابة نهائياً ولكني وجدت نفسي أعود إليها في سنوات الحرب الأولى وكأنني بنفسي أكتب بهدف اتقاء العواصف ومديح جحيمها.

 

ـ ما الكتاب الأكثر تأثيراً في حياتك؟

ـ لا أعتقد أن هناك كتاباً آثر بي أكثر من آخر. فالقراءة هي فعل تراكمي لا نلبث أن نكتشف بعد أن نغلق كتاباً بجوع ونهم شديدين، إضافة إلى جهل موجود بداخلنا يؤرقنا ويدفعنا نحو قراءة المزيد. وهناك أيضاً كتب أشبه بالمحطات الخالدة في ذاكرتنا ومنها بالنسبة لي (خفة الكائن) لكونديرا و(العنف والمقدس) لرينيه جيرار. يمكن نسميها “كتباً تخريبية” لأنها تعمل عمل الصدمة في تحطيم ما هو قائم وثابت بالنسبة لنا.

وأستطيع أن أذكر لكي حادثة طريفة مع كتاب (سأخون وطني) للكبير محمد الماغوط والذي كان آخر كتاب قرأته قبل التحاقي بالخدمة العسكرية في عام 2011م، محملاً بالكثير من الأوهام والتصورات عن ضرورات الافتداء والموت في سبيل قضية وطن سوري يجمعنا. لم ألبث بعد مدة زمنية أن اكتشفت حجم الفارق بين وطن الماغوط وبين الوطن الذي دعا لخيانته وضرورة خيانته.

 

ـ أول كتاب قرأته؟

ـ كانت بداياتي مع الكتب على مقاعد الدراسة حيث كنت مهووساً بجمع المعلومات ومعرفة كل شيء، كنت مغرماً بالأطالس الجغرافية والخرائط. ولكن أول رواية استعرتها من المكتبة المدرسية كانت رواية (قصة مدينتين) للكاتب الإنكليزي تشارلز ديكنز كان تحدياً شخصياً أن أنهي كتاباً كاملاً، وسرعان ما انسجمت مع حكاية الدكتور مانيت الذي خرج من سجن الباستيل ليلتقي مع ابنته أخيراً، وصراع الرجال على حب امرأة ليقعا أخيراً في الظل المميت.

 

ـ علاقتك بالكتاب الإلكتروني؟

ـ تعلمين صديقتي العزيزة بحكم الوضع الموجود حالياً في سوريا نتيجة الحرب، وغياب المعارض الدولية وبالتالي استعصاء وصول الإنتاج الأدبي الجديد، والأهم ارتفاع أسعار الكتب الورقية بحيث أصبح مطلب الرغيف والحاجات المادية اليومية هاجساً حقيقاً. وبالتالي يصبح الكتاب الإلكتروني بمثابة طوق النجاة، ولا أبالغ إذا قلت أن معظم قراءاتي في السنوات الأخيرة كانت إلكترونية ورغم السمات المميزة في سرعة الوصول للكتاب الإلكتروني وتحميله وتخزينه إلا إن للورق ورائحته إحساساً خاصاً لا يعرفه إلا من تذوقها ولا يغني الكتاب الإلكتروني عن متعة ملامسة الورق والحميمية التي نشعر بها أثناء مطالعة الورقي.

 

ـ الكتاب الذي تقرؤه الآن؟

ـ آخر كتاب وقع بين يدي هو رواية المئذنة البيضاء للصحفي والكاتب الصديق يعرب العيسى، والذي وصل للقائمة الطويلة في جائزة البوكر للرواية العربية وآمل أن يحصل عليها.

 

ـ الموسيقى المفضلة لديك؟

ـ علاقتي مع الموسيقى هي علاقة مزاج بالدرجة الأولى، وهي تتراوح بين تلك الأنغام الهادئة الشفافة التي تتسرب إلى دواخلنا كالنسيم، وبين ذلك الصخب الذي يُعبّر عما يعتمل فينا من غضب وحماسة وجنون، الموسيقى بالنسبة هي رحيل وحنين نحو داخل يعج بالصور الماضية واستغراق بها حد الثمالة.

 

ـ علاقتك بمؤلفاتك؟

ـ هي علاقة فيها من التناقض بين الحب والنفور. الرضا والإحساس بأنني استعجلت في هذا الموضع في هذا الكتاب أو ذاك، وقد قمت بالتعديل في نسخ شيطان وشوكولا الثانية. ولكني أنظر إليهم جميعاً كأي كاتب كأبناء وفلذات أكباد قد لا نرضى عنهم دائماً ونتمنى لو كانوا أفضل ولكني لا أتبرأ عن أي منهم مهما كلفني الأمر، فما نكتبه هو الجزء الأصيل والحقيقي الذي يشبهنا، فما كتبته يشبه احتراقي العبثي في واقع لا أستطيع تغييره ولا أمتلك منه إلا وجودي المهمش، إنه صراخي المفرد الذي لا أستطيع الخلاص منه أبداً. أما كتابي الأخير عازف الكلاشنكوف الضرير فلا زلت أعتبره طفلي المدلل على أمل أن أستطيع تجاوزه يوماً ما.

 

ـ هل ستغير الكتابة العالم؟

ـ كل كاتب يتملكه هذا الاعتقاد، من الضروري أن يظل مؤمناً به وإلا لم يكن لوجوده أو كتابته أي معنى أو أثر، حتى لو كان الأمر برمته مجرد “كذبة كبيرة”، فعليه أن يكون أول من يصدقها حتى يصدقها الناس.

 

ولكن هل الكتابة حقاً تغير العالم؟ كتبت مرة أن القصيدة تزيد من قتامة هذا العالم، ولكنها قتامةٌ وظلمة تعكس الضوء أو الجوهر الموجود بداخلنا. والبريق الذي يرفع شيئاً ما إنسانيتنا أمام توحش وجحود هذا العالم الذي نعيش به.

 

ـ ماذا تحتوي مكتبتك؟

ـ لا أدعي أنني أمتلك مكتبة كبيرة وعامرة، ولكنني أسعى دائما لأحظى بـ “جنتي” الخاصة وفقاً لتعبير بورخيس. لكن ما تحتويه اليوم من كتب متنوعة من الانثروبولوجيا والفلسفة والأدب والشعر اعتبرها قيّمة والتي بدأت بجمعها منذ عدة سنوات.

 

ـ ما الذي يشغلك اليوم؟

ـ كسائر السوريين يشغلني أن تنتهي هذه الحرب اللعينة المستمرة منذ عام 2011، وأن تعود هذه البلاد العظيمة لأهلها الحقيقيين بدون سموم طائفية أوعرقية وبدون تسلط حزبي فاشي ينهب خيراتها باسم الأوهام، تلك الأوهام التي تقتل في السوري أجمل ما فيه وتجعله وقوداً رخيصاً لحرب خاسرة سلفاً.

 

زر الذهاب إلى الأعلى