حياة

المكتبة (29)

نخصص هذه المساحة الأسبوعية، كل يوم أحد، للحديث عن العلاقة بين المبدع وكتبه، والقراءة، والموسيقى.

فتحي عبد السميع: شاعر وكاتب مصري (1963)، رئيس تحرير سلسلة الإبداع الشعري (سلسلة كتب تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب)، شغل منصب أمين عام مؤتمر أدباء مصر دورة (المشهد الشعري ـ 2009)، تُرجمت بعض نصوصه للإنجليزية، والفرنسية، كما تُرجمت بعض نصوصه للألمانية عن طريق الورشة الإبداعية في برلين بالاشتراك مع معهد جوتة ضمن مختارات للشعر العربي.

حصل على عدة جوائز منها:ـ 

ـ جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية ـ 2015.

ـ جائزة أفضل بحث في مؤتمرات هيئة قصور الثقافة ـ 2015.

ـ القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد ـ 2016.

صدر له: 

(الخيط في يدي ـ هيئة قصور الثقافة ـ 1997)، و(تقطيبة المحارب ـ كتاب حتحور ـ 1999. ط2 مكتبة الأسرة ـ 2002)، و(خازنة الماء ـ المجلس الأعلى للثقافة ـ 2002)، و(فراشة في الدخان ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ 2002)، و(تمثال رملي ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ 2012)، و(الموتى يقفزون من النافذة ـ هيئة قصور الثقافة ـ 2013)، و(أحد عشر ظلا لحجرـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ 2016)، و(الجميلة والمقدس ـ نقد ـ دار الهلال ـ 2014)، و(القربان البديل ـ طقوس المصالحات الثأرية ـ الدار المصرية اللبنانيةـ 2015)، و(الشاعر والطفل والحجر(سيرة ذاتية)،الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ 2016).

ـ ما الذي جاء بك إلى عالم الكتابة؟

ـ لا أعرف على وجه التحديد، لكنني أعتقد أن كل إنسان يذهب إلى عالم الكتابة، وهناك من يرجع وهناك من يستمر ككاتب أو كقارئ، وعالم الكتابة أكبر من عالم التدوين، فهناك نصوص شفاهية تحولت إلى كتب فيما بعد، وبهذا المعنى الواسع أنظر إلى الشعر مثلا فأجده في كل مكان، في الحقول على لسان الفلاحين، في الصحراء مع حداء الإبل، في الأفراح والجنائز مع غناء النساء و”عديدهم”، وهكذا يمكنني القول إن الفطرة الإنسانية هي التي دفعتني إلى عالم الكتابة، أما الذي جعلني أستقر في هذا العالم بينما رجع معظم أندادي، فيرجع إلى أسباب كثيرة، منها ما ظهر في البداية، مثل الرغبة في التعبير عن نفسي ولفت الانتباه لوجودها، ومنها ما يظهر أثناء الرحلة مثل مقاومة ضغوط الواقع، أو ممارسة دور تنويري، أو النظر إلى الكتابة بوصفها رسالة حياة، أو أمانة أحملها وعليَّ أن أسلمها لأصحابها، لقد أتيت إلى عالم الكتابة مدفوعا بالفطرة، ثم الرغبة في التعبير عن الذات، وفي الطريق ظهرت دوافع أخرى.

ـ ما الكتاب الأكثر تأثيرا في حياتك؟

ـ لقد أحببت في بداياتي كتبا كثيرة، وأعتقد أنها لعبت دورا مؤثرا في تكويني، وقد توزعت تلك الكتب على حقول مختلفة، وعلى سبيل المثال أحببت في الفلسفة “هكذا تكلم زرادشت”، وسلسلة المشكلات للدكتور زكريا إبراهيم، وفي الشعر أحببت تجربة الماغوط وعفيفي مطر، وفي التصوف أحببت “المواقف والمخاطبات” للنفري، وفي الرواية أحببت “كائن لا تُحتمل خفته” لكونديرا.  في التاريخ القديم أحببت موسوعة سليم حسن، وفي الجغرافيا أحببت “شخصية مصر” لجمال حمدان، وأعتقد أن التأثير لا يتلازم مع الكتب العظيمة، فهناك كتب عظيمة نقرؤها دون أن تكون مؤثرة في حياتنا، وغالبا ما تكون الكتب الأولى مؤثرة بشكل أكبر مهما كانت قيمتها ربما بسبب الذاكرة البكر، والشغف الشديد، وضعف الوعي النقدي.

ـ أول كتاب قرأته؟

ـ كتاب عرائس المجالس للثعالبي، لأنه كان من الكتب القليلة التي يقتنيها والدي، وكان بهامشه كتاب “روض الرياحين في مناقب بعض الصالحين”، وكان الكتاب شيقا بالنسبة لي لأنه يحكي قصص الأنبياء كما جاءت في القرآن الكريم إضافة إلى حكايات أسطورية وفلكلورية كثيرة.

ـ علاقتك بالكتاب الإلكتروني؟

ـ أعيش في جنوب الصعيد، ولا يوجد في مدينتي منفذ واحد لبيع الكتب، باستثناء منفذ لدار المعارف، وبائعي الجرائد، وقد عشت سنوات طويلة متعطشا للكتب التي تصدر خارج مصر على وجه الخصوص، وكان ظهور الكتب الإلكترونية فتحا عظيما بالنسبة لي، لقد أتاح لي كنوزا بمعنى الكلمة، وصرت أعتمد عليها بشكل أساسي، وأشعر أنني أكثر إنسان يعرف قيمتها.

ـ الكتاب الذي تقرؤه الآن؟

ـ أبدأ يومي في العادة بالقراءة الإبداعية لمدة ساعة، ثم أنتقل إلى كتاب فكري لمدة ساعتين، وأقرأ الآن مجموعة “البشر والسحالي” لحسن عبد الموجود، كما أقرأ كتاب “مذكرات توماس رسل” وهو ضابط إنجليزي عمل في الشرطة المصرية من سنة 1902 حتى سنة 1946، وترقى من منصب إلى آخر حتى تولى مقعد حكمدار القاهرة في مارس  سنة 1918، وقد شاهد أحداث ثورة 1919 من الداخل بحكم عمله، لكن تأتي أهمية الكتاب بالنسبة لي من خلال اهتمامه بحياة الناس وتركيزه على المجتمع بخلاف الكتب التاريخية التي تركز على النظام السياسي والحُكَّام، خاصة أن الكاتب عمل في كل أقاليم مصر، وعاش سنوات طويلة في الأرياف، ويعجبني اهتمام الكتاب بأمرين، الأول هو تناول العالم السفلي لمصر، عالم  المجرمين وقطاع الطرق، وتجار المخدرات وبيوت الدعارة، والقمار. والأمر الآخر، هو الطابع الاستكشافي للكاتب، المتمثل في رحلات الصيد التي قام بها، أو متابعته لبعض المهارات الخاصة كما تتجلى عند الغجر، أو الحواة، أو قصاص الأثر، وغيرهم، الأمر الذي يجعل الكتاب في نقطة بينيِّة بين الأدب والأثنوجرافيا، وهي النقطة التي توحد بين الكتاب وبين اهتماماتي.

ـ علاقتك بمؤلفاتك؟

ـ مؤلفاتي هي هُويتي ككاتب، وأعتز بها كما أعتز بنفسي، وهي في جوهرها ناقصة لا تكتمل أبدا، وهذا الجزء الناقص هويتي أيضا، وعليٌ أن أبذل المزيد من الجهد كي يتجلى، ومن الطبيعي أن يكون الجزء الأهم، لأنه يراجع هويتي السابقة ويحاول أن يتجاوزها أو يثريها.

ـ هل ستغير الكتابة العالم؟

ـ الكتابة جزء من العالم ولا تلعب بمفردها، هناك الجيوش، ورجال الأعمال، والسياسيون، ومع ذلك فالكتابة هي التي تغير العالم، صحيح أن قوة الكتابة لا تقارن بالقوة العسكرية، أو الاقتصادية أو السياسية، لكن تلك القوى لا تغير شيئا، إنها تكرس لأشياء موجودة بالفعل، وتعمل على استثمارها لتحقيق مكاسب مادية غالبا، وكثيرا ما تتورط في أمور غير إنسانية بالمرة، أما الكتابة فهي التي تغير العالم، لأنها تستثمر في المخزون الباطني للبشرية، وتكتشف الإنسان باستمرار، وتعدل نظرته للعالم، وغايتها الإنسان في أحسن تقويم.

ـ ماذا تحتوي مكتبتك؟ 

ـ لدي مكتبة كبيرة مصدرها الأكبر بائعي الكتب القديمة خاصة في سور الأزبكية، وأعتز بكثير من الكتب الورقية، خاصة ركن السير الشعبية العربية التي عشت معها سنوات، وركن الكتب التي نقلتها بخط يدي في بداية حياتي، عندما كنت أستعير الكتب وأردها.

ـ ما الذي يشغلك اليوم؟

ـ يشغلني الحلم بكتابة قصيدة جديدة، تضيف إلى ما كتبته سابقا، ويشغلني العمل في كتاب عن الممارسات الثأرية في صعيد مصر، وهو عمل شاق جدا على المستوى الميداني، والمستوى المكتبي، حيث ينبغي عليٌ القراءة في حقول معرفية مختلفة.

زر الذهاب إلى الأعلى