اهم الاخبارمقالات مختارة

المكاشفة.. الوجه الآخر

بقلم علي محمد سالم

(نائب المحافظ)
2022.1.7م

مما لا شك فيه أن الأرقام هي اللغة الوحيدة التي لها وجه واحد، وقدرة كاملة على التعبير عن الحقائق الواقعية بكل وضوح عندما يتم تناولها بعيداً عن أدوات التجميل والتحسين الذي للأسف يُفقدها معناها، ويخرج بها عن الإطار والمؤشرات المستهدفة منها ويجعل من أولئك الذين يعرضونها بهذا الشكل ما يطلق عليه في علوم المال والنقد (الخداع والاحتيال المالي) مما يجعل من ذاك الذي يحاول أن يخرج الأرقام من شكلها ومضمونها مجرد بهلوان في سيرك فاشل.
إن التحليل الواقعي والحقيقي الذي نتناوله هنا يعتمد على البيانات الصحيحة التي تعكس الإنفاق الفعلي في الماضي والحاضر من خلال مبدأ (التكلفة التاريخية) الذي يعكس الأرقام الصحيحة التي تعبر عن الواقع وما حدث فعلاً، ولعلنا ونحن نخوض في هذا الشأن أن نضع أمام القارئ بعض الحقائق البديهية التي يجب أن يعرفها حتى يكون على بينة ووضوح:
⦁ الوحدة النقدية في الدولة الليبية هي الدينار الليبي وكل الأرقام ومؤشراتها المالية يجب تناولها من خلال تلك الوحدة.
⦁ إن الدولة الليبية وبفعل كل من المحافظ الصديق الكبير والمجل الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة قد أصدروا قرار (9 لسنة 2018م) بتطبيق (رسم على العملة) في تجاهل كامل لمجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي في ذلك الحين مما ترتب عليه وقوع الدولة في فخ (السعر المزدوج) وهو السعر الاسمي والسعر الأخر يضاف إليه رسم العملة.
⦁ إن الأسعار المتعلقة بسعر الصرف تعاني أيضاً من وجود سوق موازية نشطة لازالت تفرض وجودها حتى الان.
⦁ إن تداول النقود بما في ذلك النقد الأجنبي تحكمه قاعدة الطلب الكلي في الاقتصاد وهي ببساطة ومن بديهيات الاقتصاد الكلي تتمثل في الأطراف التالية:
⦁ الأفراد … المستهلكون.
⦁ رجال الأعمال … التجارة والاستثمار والخدمات.

⦁ القطاع الحكومي … المستلزمات والدعم.
⦁ القطاع الخارجي … التصدير وبشكل رئيسي النفط.

⦁ وإن الإنفاق الكلي تملكه الحكومة من خلال الميزانية العامة بالدينار الليبي التي تمثل الخطة العامة لإنفاق الدولة والتي يفترض أن تكون السند القانوني لها (قانون الميزانية).
⦁ وإن الإنفاق الذي يتطلبه (النقد الأجنبي) يتم من خلال المصرف المركزي الوحيد المخول ببيع النقد الأجنبي في الدولة الليبية.

ومن خلال هذه التعريفات الدقيقة يمكننا التوصل إلى ما يلي :

⦁ النقد الأجنبي المصروف لصالح الحكومة :

وفقاً لبيان مصرف ليبيا المركزي (مرفق 2) يتضح لنا ما يلي :

⦁ قيمة النقد الأجنبي المصروف خلال العام (2021م) 24.5 مليار دولار

⦁ كشف المبالغ المصروفة بالنقد الأجنبي للأطراف
الأخرى خارج الحكومة 18.7 مليار دولار
___________
الفرق = إنفاق حكومة الوحد الوطنية من النقد الأجنبي 5.8 مليار دولار

ومن المعروف لدينا من خلال بيانات السنوات السابقة أن هذا هو متوسط مستقر لإنفاق الحكومة من النقد الأجنبي.

⦁ بيانات الإنفاق الفعلي خلال السنوات (2020-2021م) مرفقاً البيانات الفعلية الصادرة عن المصرف المركزي:
بيان 2021

⦁ تم تجاهل بيانات الحكومة المؤقتة رغم التسليم والاستلام الرسمي.

⦁ بيان خلاصة الإنفاق :

من خلال ذلك يتضح أن الإنفاق الكلي خلال العام (2021م) قد ارتفع بنسبة (104%) وهذا يعكس حقيقة (التوسع المالي) وغياب كل سياسات (الانضباط المالي) التي يمكن استخدامها في مسار الإصلاحات المالية والنقدية للوصول إلى استقرار الوضع المالي بشقيه المالي والنقدي، وهذا النهج ستكون عاقبته وخيمة على الاقتصادي الليبي.

وأيضاً مما يجدر التنبيه إليه رغم أن هذه حكومة وحدة وطنية إلا أن :

⦁ تم تجاهل البيانات المالية للحكومة المؤقتة وهي الحكومة الشرعية التابعة لمجلس النواب.
⦁ إن الإنفاق العام خلال العام تم بدون ميزانية معتمدة مما يجعل شرعية الإنفاق محل تساؤل ومساءلة.
⦁ لازال القطاع العام رغم فشله الذي أمتد لأكثر من خمسين عاماً هو المستفيد من الإنفاق الرئيسي.
⦁ يبدو رغم ارتفاع الإنفاق العام لازال القطاع الخاص ينتظر زمناً لم يحن أوانه.
⦁ لازال المصرف المركزي يمارس المكاشفة بشكل أكثر ضبابية من خلال غياب معايير العدالة والشفافية في توزيع النقد الأجنبي.
⦁ إن قيام المصرف المركزي ببيع ما يقارب (8) مليار دولار أمريكي للأغراض الشخصية يؤكد الإفراط في استخدام أموال النفط في غير مسارها الصحيح.
⦁ لقد أظهر تقرير المراجعة الدولية (شركة ديلويت) بعد فحص دفاتر مصرف ليبيا المركزي (طرابلس) من حيث الإنفاق والموارد ما يلي (مليون دينار) (صــ 21، صــ 34) :
السنة الموارد الإنفاق الدخل من النفط بالدولار

ومن الواضح رغم الظروف الصعبة خلال تلك الفترة إلا إن حالة (التوازن المالي هي السائدة)، في حين كان الانحراف في الإنفاق العام (104%) سنة (2021م) يعكس حقيقة المكاشفة المرعبة.
ندعو الله لبلدنا العزيز عيوناً تنظر بعين الأمل في الغد، وعقولاً تدرك حجم المخاطر في استمرار النهج الاقتصادي الحالي الذي بات مرمى حجر من السقوط في الهاوية.

المرفقات :
⦁ كشف المبالغ المباعة للمصارف التجارية (2021).
⦁ بيان مصرف ليبيا المركزي (موارد وإنفاق) (2021).
⦁ بيان إجمالي الإنفاق (ح و ط) (2021).

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى