مقالات مختارة

المعارضة المريضة.. ورحيل الأسد «المنتصر»!

محمد الحسن

لا ينتظر السوريون كثيراً من مؤتمرات المعارضة السورية، التي تعقد في الرياض وأستانا وجنيف خلال الفترة المقبلة، إلا أن أعينهم موجهة إلى ما يجري من مفاوضات بين المجالس المحلية على الأرض والجيش الروسي في «حميميم»، وذلك بعد أن فقدوا أمل التوصّل إلى إيقاف الحرب التي مزقت سوريتهم منذ ست سنوات مضت، وكذلك فقدوا الأمل بالوصول إلى حل سياسي يفضي إلى عودتهم على أقل تقدير إلى مدنهم التي هجّروا منها، وباتوا يمنون النفس بمفاتيح منازلهم التي أخذوها معهم علهم يعودون يوماً ليعيش أبناءهم على تراب بلادهم.

المعارضة بكل أطيافها قد تخرج «منتحرة سياسياً» خلال وقت قريب إذا لم تصدر عنها نتائج مصيرية قادرة على أن تبقيها على الأقل صامدة في وجه عاصفة دولية مفادها أن لـ«داعش» أولوية الحرب التي لا بد أن يخوضها العالم للانتصار فيها، متناسين مصير الأسد الذي يبدو أن روسيا وإيران ستواصلان اللعب بورقته حتى النهاية.

لكن في الوقت ذاته، يعاني النظام السوري هو الآخر، كما المعارضة، فمن جهة هو لا يستطيع الإتيان بحركة ما على الأرض من دون العودة إلى الحليف الروسي، الذي يبدو أنه حصل على ما يريد منه «النظام»، وبات يمسك برقبته – كما يرى معارضون تحدثت إليهم خلال الفترة الماضية – فالمحلل لما يجري على الأرض لا يزال يفصل بين ما يجري من مفاوضات على طاولة جنيف وأستانا (سياسياً)، وبين ما يجري من تقدم على الأرض (عسكرياً)، آخذين في الاعتبار الاتفاق الروسي – الأميركي الذي تم في لوزان السويسرية حول ضرورة محاربة «داعش» أولاً، وبكل الأدوات السورية الممكنة (معارضة ونظام)، مع تقسيم مناطق النفوذ، ثم التفاوض على مستقبل سورية ودستورها وهيكلية الحكم. سيناريوات هذا التفاوض ستكون قائمةً على ما قرره «الروسي والأميركي»، وكيفية تقسيمهما الكعكة السورية، وحصة كل طرف منها، وأهمها:

أولاً: روسيا تعتقد أن الأسد يجب أن يرحل وهو «منتصر»، لذا لن يكون كما كان سلفه من القادة العرب الذين خرجوا مذلولين خلال فترة الربيع العربي. وعندها سيصدر بياناً يقول فيه إنه قاد سورية إلى بر الأمان وحررها من الإرهاب وأنه يتنحى لبداية جديدة في مستقبل سورية.

ثانياً: روسيا ضمنت للأسد عدم محاسبته ومن معه (بعد الانتهاء من مرحلة داعش)، ولذا سيحسب له أنه الرئيس الذي قاتل حتى النهاية لمحاربة «داعش»، وهذه الصورة زرعتها موسكو لدى الغرب والولايات المتحدة ولو نسبياً.

رابعاً: روسيا رسخت وجودها في سورية لقرن من الزمان، وذلك من خلال القواعد العسكرية التي أقامتها، والحصانة الدبلوماسية لأصغر جندي لديها في سورية، حتى لو ارتكب مجازر على أرضها، وبذلك تكون لهم السيطرة المطلقة على مفاصل الجيش، الذي سيبني مستقبلاً لسورية.

خامساً: بقاء النظام السوري ومؤسساته، وهذا يعني أن ما سيحدث هو عملية تجميل روسية تقضي برحيل الأسد (إن تم ذلك)، والإتيان برجل مرحلة تابع لها، ولنا في التاريخ دروس، كما حدث في أفغانستان أو العراق أو الشيشان.

سادساً: سيكون على إيران البحث عن نصيبها بعيداً عن اللعب مع الكبار (عسكرياً)، لأنها تراهن على حصان خاسر، وذلك من خلال الحصول على بعض الامتيازات الاقتصادية للعودة إلى شعبها بمظهر المنتصر، وخصوصاً بعد ست سنوات حرب لا ناقة للإيرانيين فيها ولا جمل.

سابعاً: ضمن الأتراك ألفي كيلومتر لهم في سورية، وخرج أردوغان بمظهر الإمبراطور العثماني، الذي وسع نفوذ إمبراطوريته ووقف بوجه «الكورد» الذين يحلمون بدولتهم في سورية، لكن يبقى للأميركي والروسي كلمة في المنطقة مستقبلاً، فوجود الأتراك سلاح ذو حدين، وله نتائج سلبية كبيرة عليهم أنفسهم، فيما لو تغيرت ظروف السياسة المتقلبة في شكل مستمر في الشرق الأوسط، ومن جهة، يُفترض أن يكون هدف تركيا على المدى الطويل – الذي تدعمه الولايات المتحدة وغيرها من الأصدقاء – متمثلاً بتعزيز العلاقة مع «كورد سورية»، بما يشبه الروابط الودية جداً، التي تجمع بين أنقرة و«حكومة إقليم كردستان» التي تتمتع بالحكم الذاتي في العراق، علماً بأن تركيا وأكراد العراق كانوا من ألدّ الأعداء منذ أقل من عقد مضى.

ثامناً: على رغم أن عملية إعادة الإعمار تتيح فرصةً لتصحيح أوجه الإجحاف في فترة ما قبل الحرب، فإن أية عملية من هذا القبيل ستكون طويلة ومكلفة ومتجذرة في مبدأ اللامركزية.

إلا أن سكان المناطق التي همشها مفهوم الليبيرالية الاقتصادية على مدى السنوات الـ20 الأخيرة سيكونون في أمس الحاجة إلى هذه التعديلات. ويشكّل شمال شرق سورية، الذي يضم وادي الفرات والجزيرة، خير مثال في هذا الصدد.

على المدى القريب، سيكون على المعارضة السورية اتخاذ قرارات مصيرية قد تؤدي بكثير من مشاركيها إلى العبور إلى منطقة السواد أو البياض في مواقفهم، التي طال ما وقفوها في مناطقهم الرمادية، ومن يدري، فقد نشهد على عشرات منهم وقد عادوا إلى «حضن الوطن» قبل أن يكون هناك حل سياسي تعلنه الدول الكبرى، ووحده سيكون الشعب السوري «كبش فداء» في أية مرحلة قد تنتج مستقبلاً.

…………………

الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى