مقالات مختارة

المحرضون: دعاة وقنوات

محمد آل الشيخ
كان بإمكاننا التخلص من دعاة الإرهاب، وتكميم أفواههم الشريرة الشيطانية، لو أن كل من تجرأ ونادى إلى الجهاد دون أن يأذن له ولي الأمر، قمنا بمحاكمته، وتعزيره شرعًا، انطلاقًا من أنه قام بالافتئات على سلطات ولي الأمر الشرعي الحصرية، التي لا يجوز لأحد أن ينازعه عليها.
هؤلاء الدعاة الخوارج المفتئتون كانوا طوال العقدين الماضيين يدعون إلى الجهاد البدعي الإرهابي علنًا، ويضعون أنفسهم في موضع لا يجوز لهم وضع أنفسهم فيه؛ وهذا شرعًا يُعد تعديًا على ولاية شرعية لا ولاية لهم عليها، بل قد يصل إلى الانشقاق، ومنازعة الأمر أهله؛ وكان في رأيي يجب تحميلهم جزءًا من مسؤولية ما وصلت إليه البلاد من عنف وإرهاب.
كما أن أغلبهم أصحاب مآرب مشبوهة، ولديهم أجندات حركية حزبية متأسلمة؛ إضافة إلى أنهم يُحرضون أبناء وشباب السعوديين على الرحيل إلى بؤر الفتن، في حين أن أبناءهم يتلقون علومهم في أرقى جامعات الغرب، والبعض الآخر يُرافقون عِلية القوم في التمتع بالتزلج على الثلج في منتجعات سويسرا وفرنسا كما يفعل أبناء أحدهم؛ وهم يمارسون هذا التحريض التخريبي عن سابق تصور وتصميم، لأن لديهم قناعة تامة – وإن لم يعترفوا بها – أن نهاية التأسلم السياسي هي نهاية قيمتهم الاجتماعية، ومنهل ثرائهم. وهم يدركون تمام الإدراك – أيضا – أن انفتاح المجتمع، وتسامحه، وانشغال الشباب بوسائل الترفيه البريء والفنون الجميلة، سيقضي عليهم، ويصرف الناس عن متابعتهم، والخضوع لهم، واستفتائهم في كل صغيرة وكبيرة، لذلك تجدهم بكل ما أوتوا من قوة ومن نفوذ، يعملون بكل طاقاتهم لوأد أي تحرك اجتماعي نحو الترفيه وإشغال الناس عنهم وعن ضلالاتهم، لأنهم يعرفون أن انفتاح المجتمع يعني نهايتهم، ونهاية قدراتهم على الحشد والتعبئة وفي النتيجة تحريض الشباب على التغيير بالقوة والثورة والإرهاب.
صحيج أن كثيرين بدأوا يكتشفون ألاعيبهم، واستغلالهم للدين، إما للإثراء غير المشروع، أو للحيل السياسية بغرض السيطرة على المجتمع وعلى زعامتهم له؛ غير أننا يجب ألا ننخدع بمن اكتشفوهم رغم تزايدهم في السنوات الأخيرة، فما زال – مع الأسف – كثيرون من عامة الناس، خاصة البسطاء والسذج، يعتبرونهم (الجسر) الذي يؤدي بهم إلى الجنة، وما زال مناصروهم يمسكون بمفاصل كثير من المواقع المؤثرة في المجتمع، فضلاً عن أن قنواتهم التلفزيونية الفضائية تعمل بكل قوة وإصرار لا يعرف الملل، لإجهاض كل الفعاليات المتجهة نحو الانفتاح والتنمية، ويُشارك في هذه الجهود أناس كنا نظن أنهم (متسامحون)، وإذا هم أشد المتشددين المتكلسين، الذين يسعون بجهد جهيد لوضع العصي في دواليب عربة الانفتاح والرقي الاجتماعي والترفيه.
والسؤال الذي يؤرقني، ويؤرق كثيرين مثلي: لماذا يُترك دعاة الجهاد دون إذن ولي الأمر دون محاسبة، رغم أن أسماءهم الصريحة تكتظ بها مواقع الإنترنت؟.. وكذلك لماذا تترك قنواتهم الفضائية التي تعمل منتهجة كل الطرق والأساليب، المشروعة والتحايلية، لإعاقة مشاريع التنمية الاجتماعية، والانفتاح على الفنون الجميلة بشتى أنواعها، والتي أصبحت من حقوق الناس الثقافية في كل دول العالم، إضافة إلى أنها خير من يعبر عن أمزجة الناس وملامح ثقافتهم، والمتحدثة بألسنتهم، لا يجادل في ذلك إلا أهبل أو جاهل، أو من قيّدت الأغلال الأيديولوجية قدراته على التفكير المستقل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الجزيرة” السعودية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى