اخترنا لكمقالات مختارة

المتنبي والقذافي وأنا

عبد الرحمن شلقم

شاعر العرب، قدر لاحقني ولاحقته لأكثر من نصف قرن. لم يفارقني ديوانه في حلي وترحالي. حفظت قصائده الطويلة على مدى سنوات. تعلمت منها وأسرتني بكل ما فيها من بلاغة وإبداع وتصوير وعروبة.

أول لقاء عن قرب مع الأخ العقيد معمر القذافي قبل أن يرتقي إلى رتبة القائد كان سنة 1974. كنت أعمل بمكتب الإعلام بمجلس قيادة الثورة بباب العزيزية. مهمتي أن أقدم ملخصاً لما تورده وسائل الإعلام الأجنبية عن ليبيا.

طلب مني يوماً أن أحمل ملفاً إلى الأخ العقيد وهو خارج طرابلس بوادي زمزم. رافقت سائق اللاندروفر إلى المكان. وصلنا عند المغرب. كان مع الأخ العقيد، المهندس عبد المجيد القعود والضابط خليفة احنيش، وعلى مسافة بعض الجنود. كان بين الجمع رجل متوسط العمر بعمامة بيضاء على رأسه. انطلق يلقي شعرا شعبيا. كان الرجل له سمت الوقار وفي شعره بلاغة وحكمة وحضور طاغٍ. سألني القذافي: هل تحب الشعر الشعبي؟. قلت إلى حد، أهلنا في منطقتنا يرددون بعض حكم الشيخ قنانه.

وأضفت، أنا أحب الشعر العربي باللغة العربية الفصحى قديمه وحديثه. سألني مثل ماذا؟ قلت المتنبي. استمر ماذا تحفظ منه؟. استحضرت قصيدة، أرق على أرق، كنت أحفظها كلها، وألقيت:
أرق على أرق ومثلي يأرق وجوى يزيد وعبرة تترقرق
أبني أبينا نحن أهل منازل أبدا غراب البين فيها ينعق
نبكي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
أين الجبابرة الأكاسرة الأولى كنزوا الكنوز فما بقين وما بقوا
من كل من ضاق الفضاء بجيشه حتى توى فحواه لحد ضيق
والموت آت والنفوس نفائس والمستعز بما لديه الأحمق
علق الأخ العقيد عن المتنبي بإعجاب وكذلك عن المعلقات والشعر العباسي وأظهر إكباره للقصائد التي بها فخر عروبي مثل قصيدة عمر بن كلثوم. سألني عن بعض رفاقه بالدراسة بسبها وعن بعض العاملين بالقسم الداخلي.

غادرت المكان بصحبة السائق وجندي يجلس إلى جانبه. استلقيت في الكرسي الخلفي وأخذتني سنة من النوم. فجأة صحوت واسترجعت ما قلت من شعر للمتنبي. قلت: ماذا فعلت؟ هل سيفهم الأخ العقيد أنني تعمدت أن ألقي إليه برسالة عن الحكام وسلوكهم وغرورهم ونهايتهم؟. وصلت إلى بيتي ولم يفارقني التوجس لأيام. لكن بعد أربعة أو خمسة أيام، انفتح الباب فجأة بمكتبي بالدور الأول بالقيادة، وإذا بالأخ العقيد أمامي بلباس رياضي. جلس وطلب شاهي له ولي، وبدأ الحديث عن الأدب والشعر والعرب. رأيت أمامي شخصية استثنائية في السياسة والأدب والتاريخ .. قلت في نفسي، هذا هو البطل الذي سيكون سيف الدولة وباني مستقبل أمتنا معمر القذافي. إنه المتنبي الذي لم يفارقني. بدأت مسيرة طويلة عبره مع الأخ العقيد ثم القائد معمر القذافي.

المصدر
صفحة شخصية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى