اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

المبعوث الأممي لتكرير الكلام

أنيس فوزي

تبدو وظيفة المبعوث الأممي مرهقةً للغاية. يكثر فيها السفر من دولة إلى أخرى، ويملتئ جدولها بالمؤتمرات الصحفية واللقاءات الشخصية المعلنة وغير المعلنة، مع سياسيين محليين وإقليميين ودوليين ومع قادة ميليشيات وزعماء قبائل وزعماء شوارع، وتطول فيها المفاوضات أكثر من اللازم، وأحيانا كثيرة بلا جدوى حتى. وهي على عكس وظيفة الأمين العام للأمم المتحدة، التي يجلس فيها الرئيس على الكرسي المريح في “نيويورك” ويعبر عن قلقه فقط.

المبعوث الأممي وظيفة دبلوماسية بحتة، لا ينجح فيها قليلي الصبر ولا كثيري الصدق، هي تقريبا بحاجة إلى سياسي بدم بارد ومن الأفضل أن تكون له تجارب حافلة من الصراعات، حتى يتعود على خلق صراعات جديدة والخروج منها بنفَسٍ هادئ، لكن هذه الوظيفة في أغلب الدول التي تعيش حروبًا الآن –مثل ليبيا- تُعتبر حساسة للغاية، ولذلك تحمل معها طقمًا من الكلمات المحددة والموّحدة، مثل : “نسعى، نطمح، نأمل، ندعم، أو على الجانب الآخر نندد ونستنكر ونرفض”. وقد سمعنا هذا في كل المؤتمرات الصحفية التي أقامها “سلامة”، وربما الشيء الوحيد الذي يجعل كلماتهِ مهمةً هذه المرة، هو أنها قيلت في طرابلس، للمرة الأولى.

هي مهنة في كل العالم تطالب بنفس الأشياء، وربما تأتي المطالبة في نفس الوقت أيضًا، إذا ما اطّلعنا على أيّ خطاب للمبعوث الأممي لدى دولة مثل سوريا، أو اليمن أو حتى السودان، بل وحتى المبعوث الأممي لدى بروما، ترد فيها هذه الكلمات : “دستور، انتخابات، نزع السلاح وفرض الحوار، ضرورة لقاء الفرقاء وضرورة تفكيك المليشيات، محاربة الإرهاب وبسط الأمن، ومكافحة الفساد والهجرة غير الشرعية، الاتفاق على المؤسسة العسكرية والمؤسسة التشريعية والتنفيذية والدستورية، والدعوة لإيقاف الإنتهاكات في نفس الوقت الذي يجلس مع قادة متورطين فيها. شيء يشبه “أقول ما عليَّ قوله، وأفعل ما يريدون فعله”، والكلمات المستخدمة في هذا المقام كثيرة للغاية. الجود بالموجود يعني.

تبدو هذه الوظيفة أكثر صعوبة – في ليبيا وفي غير ليبيا – من ناحية إيجاد الحلول المرجوة منها، فهي تفاوض غالبا أطرافا غير مهمة، لأن الأطراف الأقوى على الأرض لا تحتاج للتفاوض. وإذا استعملت بناءً على قرار من الأمم المتحدة خطابا شديد اللهجة، فهذا ربما يجعل الأطراف تفاوض لكن أيضًا من منطقة المنتصر والقوي، وليس من منطق الضعف أبدا.

هي وظيفة مرهقة جدا، لكنها بالطبع؛ أسهل لنا كصحافيين، لدرجة أنه يمكننا سماع خطابات المؤتمرات الصحفية القادمة منذ الآن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى