أخبار ليبيا

الفيلم الوثائقي الليبي.. منجز فردي بلا دعم مادي أو تشجيع رسمي

خاص 218| خلود الفلاح

شباب ليبيون يدفعهم الحب لإنجاز أعمال وثائقية ترصد أحداث مر بها الوطن، في غياب جهة رسمية ينتمون إليها. لذلك كانت مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة قناة للعرض وقياس نسبة تفاعل المشاهد مع ما يقدم.

في هذا التقرير تحدث بعض صناع الفيلم الوثائقي الليبي عن طموحهم الكبير، وغياب دور العرض السينمائي، ومدى الاستفادة من التكنولوجيا في الإعلان عن أعمالهم.

يقول الناقد السينمائي طارق الشرع إن المشكلة الأساسية التي تواجه الفيلم الوثائقي في ليبيا تقوم على الثقافة الإنتاجية في كل الأجناس البصرية، فالعمل التصويري الوثائقي أو السينمائي يتوقف أولاً على حجم الإنفاق.

إن محاولة مجاراة المنتج العربي بعيداً عن تخصيص ميزانيات مشابهة لن يؤسس لعمل حقيقي، لهذا اكتفت التجربة الليبية بالقليل من الأعمال القصيرة غير المكلفة أو المغامرات الفردية المحدودة أو تلك المدعومة باستحياء من ميزانيات الإعلام والثقافة، فالشروع في الحديث عن السيناريو والإخراج والتمثيل وغيرها من عناصر العمل الأخرى يتوقف على توافر إنتاج جيد.

ونسأله، الجمهور يعتبر السينما مكانا للترفيه. كيف ترى تفاعل الجمهور الليبي مع الأفلام المحلية؟ فيقول: ربما يستخدم السؤال مفهوما إشكاليا، فإن كنا نعني بالترفيه تلك الأمور التي تحدد نوعية الحياة التي يعيشها الإنسان أو الطبقة فإن السينما لا تستهدف شريحة دون أخرى وإن كنا نقصد تأثيرات الفنون على الحالة النفسية وتعميق التجارب الإنسانية فإنها بالفعل أفضل مكان للترفيه. من جانب آخر لن يكون بمقدورنا رصد تفاعل الجماهير في ظل غياب السينما المحلية فإنتاج بعض الأشرطة قطعاً لا يعني تشكل تجربة سينمائية والحديث عنها.

ويؤمن طارق الشرع بفاعلية الشبكة العنكبوتية العالمية، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تعد من المصادر الأساسية في ترويج وتداول الأعمال الفنية في جميع أنحاء العالم. فكيف ببلاد لا تمتلك دور عرض مخصصة للعروض السينمائية. في دولة مثل ليبيا لم تكتفِ المواقع الإلكترونية بترويج الأعمال فقط وإنما بمنح فضاء لعرضها وتقديمها للعالم وتوفير إمكانية تقديمها للمهرجانات والمحافل والمناشط الدولية، إلا أن هذا الأمر تنحصر إيجابياته في حدود المنجز الفردي فقط بسبب غياب العمل الجماعي المحلي داخل صالات العرض والمسارح والفعاليات الثقافية.

مجهود ذاتي

خديجة العمامي قامت بكتابة وإخراج عدد من الأعمال الوثائقية. هي: حكاية صمود،

ميراد رضية، محمد مخلوف في عيون بنغازي، ومعزوفة الموت: قصة مدينة تحاصرها الألغام، والعدو الخفي. في الفيلمين الأخيرين تناولت العمامي قضية الألغام وخطورتها وما تسببه من خسارة في الأرواح. ونسألها، ما سبب هذا الاهتمام؟ فتقول: هذه توابع الحرب التي دفع فيها المدنيون أكبر ضريبة من أرواح أزهقت وأجساد تقطعت دون أي ذنب.

كما أن هذه الأفلام أتت من أجل تسليط الضوء على إمكانات فرق الهندسة العسكرية التي هي معدومة تمامًا لاقتلاع هذا العدو الخفي، فحرب الألغام عرفت عبر التاريخ بأنها أطول أنواع الحروب، وليبيا التي ما زالت تعاني من مخلفات الحرب العالمية الثانية ها هي اليوم تبتلع في باطنها بقايا الموت المؤجل.

من جانبه، أوضح المخرج والمصور طارق الهوني أن إنتاج الفيلم الوثائقي في ليبيا هو بمثابة المجهود الذاتي الذي يقوم به المنتج والطاقم المصاحب له دون وجود أي جهة رسمية تدعم الأفلام الوثائقية. مع الأسف حتى القنوات الفضائية لا يعتمد عليها في تبني هذه الأعمال إلا البعض من هذه القنوات التي تتعاون مع المنتج بشكل محدود. إضافة لعدم وجود قناة ليبية خاصة بالأفلام الوثائقية. وهناك العديد من الأفلام الوثائقية التي تم إنتاجها وظلت حبيسة الأدراج ولم تصل إلى الجمهور رغم أهمية هذه الأفلام وخاصة الأفلام ذات المضمون التاريخي والثقافي التي توثق لتاريخ الوطن وتبين مسيرة الثقافة والفن فيه. ومن ثم تقوم هذه القناة بمهمة جمع وأرشفة الأفلام الليبية وعرضها بين الحين والآخر والتعريف بهذه الأعمال. ولذلك أصبحت الأفلام الوثائقية مقتصرة على الأفلام القصيرة الخاصة بالمهرجانات التي تقام بدون تخطيط مسبق لها. هذه المهرجانات ليس لها دعم مادي أو تشجيع رسمي.

تشير خديجة العمامي إلى أن الصعوبات التي تواجهها صناعة الفيلم الوثائقي كثيرة ومعقدة جدا، فالكاميرا أصبحت في يد حاملها أخطر من فوضى حاملي السلاح في نظر بعض الجهات المسؤولة، غير ذلك تواجه صناع الوثائقيات مشكلة الإنتاج والتسويق والعرض، مثال على ذلك القنوات الليبية تفضل أن تعطيها المادة مجانًا على أن تشتريها منك، وهذه مشكلة للكثير من الزملاء كون المادة كلفته كثيرًا من الناحية المادية.

تمويل وتسويق

يعد الفيلم الوثائقي (بنغازي ملح الحكاية)، أول عمل يقوم طارق الهوني بإخراجه، كتب وأعد مادته التاريخية القاص محمد العنيزي، وبحسب الهوني: هذا العمل بمثابة الانطلاقة لأعمال أخرى وقد لاقى هذا الفيلم نجاحا كبيرا وحظي بنسبة مشاهدة عالية. حيث يتناول تاريخ نشأة المدينة عبر الحقب الزمنية التي مرت بها. وجاء بعد ذلك فيلم (الجلوة) الذي يحكي عن مأساة تهجير أهالي هون أثناء العهد الإيطالي. وفيلم (بين أمس واليوم) الذي يطرح عدة أسئلة منها، لماذا تغير الليبيون إلى الأسوأ؟ ولماذا تغول فينا الفساد المالي؟ ولماذا استطاع الآباء أن يؤسسوا دولة في ظروف صعبة بينما فشلنا اليوم في تشكيل حكومة.

يقول طارق الهوني: أفلامي التي أخرجتها ليست روائية ولكن تعتبر تسجيلية. والجمهور الذي يشاهد أفلامي التقى بها عبر قناة 218 وقناة الوسط.

وأفادنا بالقول: لا توجد لدينا سينما مثل باقي دول العالم وهذا أمر معروف للجميع. والحمد الله الأفلام التي أخرجتها لاقت نسبة مشاهدة عالية وتفاعل من الجمهور وذلك من خلال الرسائل التي تصلني عبر المكالمات الهاتفية والماسنجر. هذا المتلقي أعتبره داعما كبيرا لي ومشجعا على مواصلة إنتاجي في هذا المجال.

لا ينكر طارق الهوني أهمية التمويل والتسويق لاستمرار الإنتاج. وأضاف: يشكلان عائقا كبيرا أمام إنتاج الفيلم الوثائقي. وفي ليبيا لا تزال مسيرة الفيلم الوثائقي متعثرة لعدم وجود جهة رسمية للتسويق والدعم. إضافة إلى عدم تعاون معظم القنوات الليبية.

وتتفق خديجة العمامي مع كلام الهوني من حيث أننا في ليبيا نعاني من تغييب السينما وإن وجدت فهي للترف الشكلي فقط، فهي ماضٍ والماضي عندنا لا يستمر ولا يتطور.

وتضيف ضيفتنا: مسألة التمويل والتسويق ليست مشكلتي فقط بل مشكلة كل من ينتج عملًا لا يجد الممول، وإن وجد فالقيمة تعد محدودة جدا لا تكفي لإنتاج عمل بمواصفات عالية، أما التسويق فهذه مشكلة أكبر، إذ ليست لدينا شركات تسويق تسهم في نشر العمل، ولهذا أعمالنا لم ترتقٍ للاحتراف بسبب انعدام الإمكانات، وقد تضطر للصرف على عملك دون أي مردود، وكثير من الأعمال توأد بسبب عجز تسويقها في الداخل والخارج.

للميديا دور

لم تستفد خديجة العمامي من اليوتيوب في الترويج لأعمالها والأمر يرجع إلى تقصير من طرفها بالدرجة الأولى. مستطردة “عرضت أعمالي في بعض القنوات الليبية دون مقابل، فهي كانت نافذتي للمشاهد، كما تمت المشاركة بهذه الأعمال في بعض المحافل الدولية، منها مهرجان أسوان للأفلام القصيرة عن طريق منبر المرأة من أجل السلام، كذلك تم عرض (العدو الخفي) و(معزوفة الموت) بمركز وهبي البوري في بنغازي، وكان الحضور والانطباع مرضيين جدا بالنسبة إليَّ”.

من جانبه، أفاد طارق الهوني بأنه استفاد بشكل كبير من مواقع التواصل الاجتماعي خاصة اليوتيوب في الترويج لأفلامه. في ظل غياب قناة وثائقية ليبية تروج لأعمالنا؛ بحسب قوله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى