مقالات مختارة

العدالة الاجتماعية والاقتصادية المنشودة.. ” الجزء الثاني”

د. سليمان سالم الشحومي

تحدثنا في الجزء الأول عن مفهوم العدالة الاجتماعية والاقتصادية ، وفِي هذا الجزء نتحدث عن مرتكزات تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والخطوات المطلوبة لتطبيقها في ليبيا.

‎ تحقيق العدلة الاجتماعية والاقتصادية يقوم على عدة مرتكزات :

‎المرتكز الأول هو تمكين المواطنين من كسب عيشهم بكرامة من خلال توفير فرص العمل الحقيقية لهم بما يمكنهم من المشاركة فى تنمية اقتصاد بلدهم، والحصول على حصة من الدخل القومى بصورة كريمة من عملهم وكدهم. وسواء تم ذلك من خلال توفير فرص عمل حقيقية لدى الدولة وقطاعها العام وجهازها الحكومي وهيئاتها الاقتصادية وكما هومعلوم أن ليبيا تعاني من إفراط غير مسبوق في حجم التوظيف الحكومي مما يصعب من أي تشغيل حكومي جديد حاليا، أو من خلال قيام الحكومة بتهيئة البيئة الاقتصادية وتسهيل تأسيس الأعمال بكل أحجامها بما يخلق فرص العمل فى القطاع الخاص، فإن النتيجة النهائية هى رفع مستوى التشغيل وتمكين البشر من كسب عيشهم بكرامة، وذلك ما قد يمكن التركيز عليه في ليبيا عبر التوسع في اقامة مشروعات البنية الأساسية للمشروعات الاقتصادية ومناطق التجارة والتقنية والصناعة وغيرها.

‎والمرتكز الثانى هو إصلاح نظام المرتبات والأجور لمن تم تشغيلهم فعليا. ونظام الأجور هو الذى يحدد المستوى المعيشى للعاملين بأجر، ويعكس بصورة أو بأخرى مدى عدالة توزيع القيمة المضافة المتحققة في العملية الإنتاجية بين أرباب العمل والعاملين لديهم. وربما يحتاج الأمر الى وضع قواعد وضوابط تنظم أكثر علاقات العمل في القطاع الخاص وتحدد بشكل دقيق أكثر معدلات الأجر مثل الحد الأدني لساعة العمل لكل مستوى من مستويات المؤهل والخبرة.

‎والمرتكز الثالث هو نظام الضرائب الذى يعيد توزيع الدخل من خلال طريقة توزيع الأعباء الضريبية، وكلما تعددت الشرائح الضريبية واتخذت معدلات الضريبة منحى تصاعديا يتناسب مع المقدرة التكليفية للممولين، فإن النظام الضريبي يتمتع بدرجة أعلى من الكفاءة فى تحسين توزيع الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية. وتستند فلسفة النظام الضريبي متعدد الشرائح والتصاعدي إلى أن الأعلى دخلا، يكون أكثر إستفادة من الموارد والأراضى العامة والإنفاق العام على البنية الأساسية وعلى الخدمات العامة الأساسية، بما يستوجب أن يسهم بمعدلات أعلى في الحصيلة الضريبية التى يتم من خلالها تمويل ذلك الإنفاق العام. وكلما كانت الضرائب المباشرة هي الأساس في الحصيلة الضريبية فإن النظام الضريبي يكون أقرب للشفافية والعدالة، على عكس النظام الذى تسود فيه الضرائب غير المباشرة والذي يفتقر للعدالة والوضوح الضريبي معا كما هو حال النظام الضريبي الليبي.

‎والمرتكز الرابع هو الدعم السلعي ودعم الوقود والطاقة ودعم الخدمات العامة بمختلف أشكالها. وهو إنفاق عام من المفترض أن يوجه إلى الفقراء ومحدودي الدخل وشرائح رئيسية من الطبقة الوسطى لإتاحة الرعاية الصحية والتعليمية لهم. وأيضا لتوفير مصدر دخل للفئات الأشد فقرا وللعاطلين عن العمل، على اعتبار أن ذلك حقهم وجزء من حصتهم من إيرادات الموارد الطبيعية والمشروعات القديمة فى بلدهم. كما أنه واجب ومسؤولية اجتماعية للدولة إزاء مواطنيها وحقهم في الحياة والطعام والشراب والمسكن والعمل والتعليم والرعاية الصحية. أما إذا تشوه هذا الدعم وتوجهت الغالبية الساحقة منه الى التهريب واستفاد منه مواطنو دول أخرى كما هو الحال مع دول الجوار الليبي فيما يخص الوقود والسلع والأدوية والمستلزمات الموردة بالسعر الرسمي للدولار فإنه يسهم في زيادة الاختلالات الاجتماعية بدلا من العدالة كما هو الحال في نظام الدعم الحالي المطبق في ليبيا والذي يتسبب في إهدار خطير للموارد الطبيعية ويدعم تجارة التهريب ويساعد على خلق جماعات ضاغطة تسعى عبر الفساد المالي لتحقيق منافع لها دون سواها من باقي الشعب.

‎ولتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية لابد من إجراء اصلاحات هيكلية في عدد من الجوانب والتي تقود مجتمعة الى تحسين معدلات العدالة الاجتماعية والاقتصادية بين أبناء الشعب وهي تتمحور في تقديري في الجوانب التالية :

‎إجراء إصلاح واسع في منظومة الضرائب وجباية المال العام وتحسين آلياته بحيث تكون واضحة وشفافة وتعتمد على الضرائب المباشرة أكثر من الضرائب غير المباشرة . وإجراء إصلاح شامل لمنظومة الانفاق العام على التعليم والصحة والخدمات العامة مثل البلدية والرعاية الأساسية ، بحيث يرتفع الإنفاق على هذه الفئات وفقا لاستراتجية تمنع الإهدار والفساد المستشري بالقطاع العام وربما تطبيق انظمة شراء الخدمة من القطاع الخاص أو حق الإدارة وغيرها من النماذج المعروفة. وإصلاح شامل لمنظومة الدعم السلعي ودعم المحروقات والكهرباء والمياه وغيرها وتقنيينها واستخدام النماذج التي تساعد على تحسين كفاءتها وفعاليتها في المجتمع كالبرامج الالكترونية المدفوعة مسبقا وتفعيل دور الإدارة المحلية في متابعة ورقابة انظمة الدعم والحماية الاجتماعية والاقتصادية لكافة الفئات الضعيفة في المجتمع. ومعالجة التشوهات في الاقتصاد والتي سببها الرئيسي هو إعطاء مزايا للقطاع العام علي حساب القطاع الخاص و جود سياسات اقتصادية تمنع إتاحة الفرصة بعدالة كسياسة سعر الصرف للعملة الأجنبية المطبقة حاليا والتي تقف أمام أي طموحات لتبني سياسة استثمارية وإطلاق مشروعات جديدة تساعد علي تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية. كما أن أي برنامج يستهدف تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية في ليبيا لابد له أن يبتعد عن منهج الإقصاء والتعنف في التطبيق ، بل لابد ان يكون متدرج ويأخذ وقته ويقيم معه منظومة القيم الأخلاقية ويجعل المجتمع يراقب ويعدل ويحسن من آليات وبرامج الحماية التي تحقق العدالة الاجتماعية والاقتصادية

 

 *محاضر وباحث بجامعة نوتنجهام ترنت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى