كتَـــــاب الموقع

السير المتعثر على خطى “أتاتورك” في ليبيا

غيث الحلاق

في مؤتمرٍ صحفي عقده في الرابع عشر من يونيو الفائت، على هامش انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي في العاصمة البلجيكية بروكسل؛ قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنه لمس في لقائه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رغبة ونية واضحة في سحب المرتزقة والقوات الأجنبية التابعة لتركيا من الأراضي الليبية.

أربعة أشهر مرّت على تصريحات “ماكرون” وتطمينات “أردوغان”، قبل أن يخرج إبراهيم كالين كبير مستشاري السياسة الخارجية للرئيس التركي، في تصريحات لوكالة “فرانس برس”، السبت الماضي، مفادها أن التركيز على سحب القوات التركية بسرعة من ليبيا؛ هو “أمر خاطئ”، في دلالة على انعدام الرغبة الحقيقية لدى تركيا في الخروج من المعادلة الليبية بسهولة.

“أردوغان”، الذي ادعى حرصه على المستقبل الليبي والاستقرار في المنطقة ، من أجل تبرير انتشار قواته وإرسال مرتزقته إلى الأراضي الليبية؛ كان من الواضح أن مغامرته في ليبيا لن تكون رحلةً عابرةً، فالأطماع التركية التوسعية المعلنة، والتي لم تستحِ الإدارة التركية من المجاهرة بها وفي أكثر من مناسبة، لم تكن، دون شك، مجرد تنبؤات أو آمالٍ فحسب، بل كانت أهدافاً دأب “أردوغان” على تحقيقها.

استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، السير على خطى “أتاتورك”، وغيرها من العبارات التي يقصد “أردوغان”، ومن لفّ لفيفه، تكرارها؛ بغرض اللعب على مشاعر من عوّلوا على سياساته، لتوجيه البوصلة إلى الخارج بعيداً عن الوضع الاقتصادي التركي المتدهور وتعاظم نفوذ المعارضة التركية في الداخل؛ ما هي إلا سياسة برع حزب العدالة والتنمية في تبنيها على مدار سنوات.

في العلن، تبرز رغبة “أردوغان” في حجز نصيبه من “الكعكة الليبية” ومقدراتها في المستقبل، من خلال فرض وجود الأتراك في ليبيا بالقوة العسكرية، وخلق توازن قوى في المتوسط، خصوصاً في ظل نمو النفوذ الروسي في ليبيا من جهة، والتدخل الغربي المباشر في السياسات الليبية من جهة أخرى.

وإن تراءى في الظاهر وجود خلاف “روسي- تركي” حول الملف الليبي؛ إلا أن الواقع يشير إلى تقاربٍ في العلاقة أكثر مما هو اختلاف، ويأتي ذلك من خلال رغبة “تركية- روسية” مشتركة في كبح جماح النفوذ الأمريكي، ومن بعده الأوروبي على الساحة الليبية.

يدرك “أردوغان” جيداً أن التراجع في ليبيا يعني انهياراً لمنظومته السياسية المهترئة أصلاً في السنوات الأخيرة، دون نسيان ملف المرتزقة السوريين التابعين لما يعرف “بالجيش الوطني”، السوري في ظاهره والتركي في ولائه، فسحب عناصر هذا الجيش بعد إقحامهم في الدوامة الليبية؛ يعني بداية انقسام في فصائل هذا الجيش الذي جاء أفراده طمعاً في راتب لم يحلُم أي منهم بنيله خلال خدمته في الشمال السوري، وعودتهم إلى “الخدمة التقليدية” تعني تخلي الكثير منهم عن تلك الخدمة، وبالتالي خسارة تركيا خزاناً بشرياً مهماً لطالما استعملته كوقود لنيران حروبها في مناطق عدة، وورقة ضغط في وجه المبادرات الدولية والأممية، كما سبق واستعمل اللاجئين على أرض بلده كورقة حاول من خلالها ابتزاز الأوروبيين مراراً، ونجح في ذلك، وهو النجاح الذي يبدو من الصعوبة بمكان أن يتكرر في ليبيا.

زر الذهاب إلى الأعلى