مقالات مختارة

الجيش الليبي والدولة المدنية

د. جبريل العبيدي

رسالة الجيش الليبي حول الانتخابات المدنية تؤكد ميلاد وانبعاث مؤسسة عسكرية جديدة منضبطة تؤمن بالدولة المدنية، وليس بمفهوم ستراتوقراطية الدولة (Stratocracy)؛ مؤسسة عسكرية ذات عقيدة وطنية غرسها فيهم رجال وقادة كبار من الجيش الليبي تحثهم على الولاء لله ثم الوطن، وتبث فيهم روح الانضباط العسكري واحترام مؤسسات الدولة المدنية المنتخبة شرعياً، وليست سلطات الأمر الواقع الانقلابية، كالتي جاءت بها ميليشيات الإسلام السياسي.

رسالة الجيش جاءت بعد أن أنهى الجيش الليبي آخر جيوب «داعش» في منطقة أخريبيش ببنغازي العاصمة الثانية لليبيا، ويكون بذلك قد أنهى آخر جيوب الجماعات المتطرفة الممولة محلياً وإقليمياً، بل ودولياً، لنشر الفوضى والعبث بالاستقرار المحلي، وتصديره إقليمياً بل ودولياً.

ولهذا جاء إعلان قائد الجيش الليبي المشير حفتر بأن الجيش الليبي سيحمي الانتخابات المدنية المزمع انعقادها، وأن الجيش لن يخضع إلا لحكومة منتخبة، بعد انتهاء ولاية جميع الأجسام السياسية في ليبيا، وانتهاء الفترة الممنوحة لاتفاق الصخيرات بنص الاتفاق نفسه، المطعون فيه والمختلف عليه أصلاً، الذي عانى من خروقات كثيرة تسببت في انسداد سياسي كبير انتهى بالاتفاق إلى السقوط المبكر.

رسالة الجيش الليبي حول الانتخابات والدولة المدنية كانت واضحة منذ البداية، وإن تكررت اليوم بوضوح كامل، أن الجيش ليس ضمن اللعبة السياسية، ولا ينخرط فيها، وأن الجيش سيحمي مسار الانتخابات والناخبين ومراكز الانتخاب، ولن يمارس الانقلاب العسكري، كما روّجت أبواق الإسلام السياسي الانقلابية، التي ما انفكت تسعى نحو السلطة، ولو حبواً، بعد أن تكسحت أرجلها وأذرعها العسكرية المختلفة بفضل الله ثم ضربات الجيش الليبي القاصمة لأذرعها العسكرية، والأخرى المتحالفة معها من «داعش» وأخوتها طيلة حرب استمرت 3 سنوات خاضها الجيش من أجل الوطن والمواطن، بعد أن كانت ميليشيات الإسلام السياسي ترتكب جرائم القتل والاغتيال والتفجير والرعب.

رسالة الجيش سوف توفر أجواء أمنية أفضل لانتخابات مدنية خاصة، بعد إنهاء آخر جيوب الإرهاب وانقطاع السبل وفقدان المتطرفين لأي أذرع عسكرية كانت ستمكنهم من الانقلاب، في حالة خسارة الانتخابات، وهي المتوقعة، رغم إجادتهم للخداع الانتخابي، وقدرتهم على التضليل وجمع الأصوات لمرشحين متسللين تحت عباءة المستقلين، بينما هم في الأصل أتباع لحزب الطاعة العمياء للمرشد، فمشروعهم خارج جغرافيا الدولة الوطنية.

رسالة الجيش ترمي الكرة في حضن المفوضية العليا للانتخابات، التي تعاني من قانون معيب لا يزال يهيمن عليها، ووجود خلل كبير باعتراف المفوضية نفسها في سجلها الانتخابي، ووجود شبهة التلاعب في التسجيل الإلكتروني عبر الرسائل القصيرة بنظام غير محمي بشكل دقيق، مما يعتبر خرقاً واضحاً يجب إصلاحه قبل الشروع في اعتماد السجلات الخاصة بالناخبين.

رسالة الجيش الليبي واضحة وصريحة… لا سلطة على الجيش إلا من خلال سلطة منتخبة، وليس كالتي جاء بها الإسباني برناردينو ليون كمشروع كرزاي جديد في ليبيا، وحكومة جاءت على ظهر فرقاطة أجنبية، فليبيا لا تُحكم إلا من ليبيين منتخبين بإرادة حرة من الشعب الليبي.

ولكن إذا كان على الجيش واجب اتباع السلطة المدنية، فلا بد أن تكون السلطة المدنية جاءت عبر الديمقراطية، كما فسر صامويل هنتنغتون في كتابه «الجندي والدولة»، حيث قال: «التبعية المناسبة للعسكريين المحترفين للحدود السياسية، التي وضعتها السلطة المدنية، وفي الغالب ما يُنظر للسيطرة المدنية كَسمة من سمات الديمقراطية».

………………..

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى