العالم

البشير.. بين غضب “الشعب” وغضب “الغرب”

10 سنوات مرت على قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكابه لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور، حيث تم ذلك في تاريخ 4 مارس عام 2009، وتزامنت هذه المرة مع اندلاع مظاهرات حاشدة وغضب جارف في شوارع السودان لم تشهده البلاد منذ سنوات طويلة.

البشير صار اليوم على محك التغيرات السياسية التي عصفت بأقرانه وزملائه في الربيع العربي الأول، لكن يبدو أن هبّات الربيع الثانية بدأت تظهر في السودان وتليها الجزائر المشتعلة هي الأخرى بنار الاحتجاجات الشعبية بوضوح شديد. وكل المؤشرات تقود إلى أن البشير ينتهي تدريجيا، خصوصا بعد رفضه التنحي وإصراره على السلطة.

إضافة إلى ذلك، فإن البشير مطلوب دوليا ولا يملك أي مكانة اعتبارية رسمية خارج الحدود، إلا لدى دول قليلة جدا، وربما لن يستطيع المقاومة طويلا، إذا ما قررت قوات الناتو أو القوات الأمريكية التدخل، وقصفه. كما حدث مع نظام معمر القذافي في ليبيا عام 2011.

30 عاما من الحكم بعد إنقلاب عسكري قاده في 30 يونيو 1989 على حكومة الأحزاب الديموقراطية، بتزكية من الأب الروحي لما يعرف بـ”ثورة الإنقاذ الوطني” حسن الترابي، رئيس الجبهة القومية الإسلامية، والذي انقلب عليه البشير فيما بعد، واعتقله أكثر من مرة، فأسفرت سنوات حكمه عن تفشي التطرف والفقر والسجون والإعدامات وتردي الخدمات وارتفاع الأسعار ونقص المداخيل وقمع حرية الرأي، ليس هذا فحسب، بل خلّفت أزمة دارفور والحرب الأهلية وفقدان الجنوب كاملا.

وقد ابتدع البشير في عام 1999 أغرب حالة طوارئ في العالم، أمر فيها بحل البرلمان ليمنع نقاشا حول إجراء تعديل دستوري يحد من سلطاته، وهي معروفة باسم “قرارات رمضان”، وبدأت حربه مع “الترابي” تتصاعد، حتى وصلت لسجن الأخير مرتين بين عامي 2001 و2004، قبل أن يصالحه النظام مجددا بعد جعله مكسور الأجنحة، غير قادر على ممارسة أي نشاط حر ضد السلطة.

فالبشير، –وهو المتحدّر من قرية صغيرة تدعى “حوش بانقا” في ريف شندي-  كسائر الزعماء العرب ذوي الخلفيات العسكرية، كان شديد التعامل مع معارضيه، وقد ازدهرت الإعدامات والاغتيالات السياسية في عهده، وحوّل حلم السودان الديموقراطي الذي كان على وشك التمدد والانفتاح على العالم، إلى ملعب مغلق لزعيم واحد لا يشاركه في الملك أحد.

ثورة الغضب الشعبي من جهة، والتحيّن الدولي لسقوطه من جهة أخرى، هي ورطة “البشير” مع لعبة الزمن وتقلّباته، والتي تجعل الأسئلة كثيرة ومفتوحة حول مصير هذه السلطة الدكتاتورية التي بناها الزعيم لتبدو “وكأنها لا تنهار”، لكنه رآها اليوم في عيون آلاف السودانيين، أكثر هشاشة من أي وقت مضى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى