مقالات مختارة

الإصلاح الاقتصادي وأشياء أخرى

سليمان الشحومي

يحاول جميع متصدري المشهد من مسؤولين أن يستخدموا الوعود بالإصلاح الاقتصادي باعتبار أنه الطريق الأقرب للتخفيف من معاناة أغلب الشعب الليبي وفِي ظل الاحتقان الشديد من استشراء اخطبوط الفساد والذي ما انفك يتباهى أصحابه بالتظاهر أنهم حماة الديار .

الإصلاح الاقتصادي في ليبيا قد يكون ممكنا إذا توفرت شروطه وظروف إنفاذه ونجاحه، فليس بالإمكان أن نضع روشيته بمجموعة من الخطوات المتتابعة ونكتفي بإن ذلك سيحقق الإصلاح المأمول، فلسنا أمام لعبة شطرنج نحركها تبعا لتحركات المنافس أو الخصم، كما إن الحكومات الموجودة على الساحة والمتسببة في الانقسام تحد من قدرة أي برامج إصلاحية وخصوصا إذا اتخذت إجراءات تحد من قدرة تلك الإصلاحات من قبل أحد الأطراف.

وإن كانت بعض الخطوات قد تساعد على تحسين مؤقت للأوضاع العامة ولكن لايمكن اعتبارها مشروعا للإصلاح الاقتصادي. يمكن أن تتحدث مع الجميع عن الإصلاح الاقتصادي، والذي سيبقى دوما أسمى أهدافه وغايته هو الرفع من المستوى المعيشي للمواطن وتحقيق الاستقرار الاقتصادي وإيجاد فرص العمل وتنمية النشاط الاقتصادي بكافة أوجهه. ولكن هل نحن بصدد صياغة خطوات أو تحركات لمجموعة من الأدوات للوصول إلى الإصلاح الاقتصادي؟ أم نحن في حاجة إلى صياغة الأهداف الكلية للإصلاح الاقتصادي قبل كل شيء؟ وهل سيكون الحل الاقتصادي بليبيا عبر سلسلة مصفوفات من الإجراءات والتحركات الاقتصادية بأنواعها المختلفة تجارية ومالية ونقدية ومصرفية واستثمارية وصناعية وغيرها يتم تطبيقها وفقا لرؤية وأهداف إصلاحية محددة وتوافر حالة من الاستقرار التشريعي والمؤسسي؟

يمكن أن نجلس ونحدد تلك الوصفات اللازمة للمعالجة ويمكن أن تكون دوافعنا ومنطلقاتنا مختلفة وقد تنعكس في أولويات تلك الإجراءات المطلوبة للسير نحو الإصلاح الاقتصادي المنشود .

الإصلاح بطبيعته أمر مستمر ويحتاج إلى إرساء قواعد ثابتة يستند عليها تكون مبنية على رؤية واضحة لكل مركب من مركبات الإصلاح الاقتصادي الشامل ويحتاج إلى اتفاق على مبادئ واضحة يعمل الجميع وفقا لها وأولها في تقديري هو مسألة كيف يتم خلق الثروة بالبلاد وكيف يتم توزيعها وإنفاقها وما هي مساهمة كافة المكونات الاقتصادية من أفراد ومؤسسات عامة وخاصة في تمويل هذه الثروة وكيف يعاد توزيعها عليهم جميعا وفقا لمتطلبات واشتراطات واضحة المعالم، فليس النفط هو الثروة الوحيد التي تدار في هذا البلد بل لابد من إعادة تعريف وتحديد ما المقصود بالثروة وكيف يتحقق الدخل منها وما هي مساهمة كل طرف شخص ومجموعة كانت أو مؤسسات خارجية ومحلية عامة وخاصة ومناطق اقتصادية محلية، كل هؤلاء سيكونون معنيين جميعا بتكوين وإنفاق وإدارة الثروة .

كما إن توضيح العلاقات بين الأطراف المشتركة في إدارة الثروة القومية أمر في غاية الأهمية وتحديد مسؤوليات وحقوق كل طرف سيكون في غاية الأهمية كونه يعكس الحوكمة المؤسساتية المطلوبة لإدارة الاقتصاد بشكل عام، فالقطاع العام الذي يعطي أفضلية بالإعفاء من الضرائب أو الحصول على مزايا عينية كالأراضي بدون مقابل أو إعفاءات جمركية سيجعل مسالة الإصلاح الاقتصادي مجرد كلام بلا معنى، وبالمثل القطاع الخاص الذي يشتغل أغلبه في الظل ودون تطبيق الالتزامات الواجبة عليه كمساهمة في خلق الثروة القومية عبر سداد الضرائب أو الإفصاح المالي عن النتائج المالية أو التحايل عبر السيطرة الخفية على مؤسسات اقتصادية بايدي عدد محدود ضاربا بعرض الحائط القوانين التي تنظم الملكية وحدودها والإفصاح عن المجموعات المرتبطة مثلا، كل ذلك سيضرب أي مشروع للإصلاح الاقتصادي في مقتل ويعيق التقدم المستمر للإصلاح.

بدون أدنى شك إن مساحة التحرك الآن في ليبيا محدودة جدا على صعيد الإصلاح في ظل العبث الذي تقوم الإدارة الحكومية على طرفي الصراع من تعامل مع عمليات الإنفاق والمصروفات وتحصيل الإيرادات وما يتبعها، يصعب تبني برنامج إصلاحي حقيقي وممنهج وما محاولات البعض من المسؤولين في الطرفين بإعلان عن مشروعات قومية واستثمارية ضخمة لا يرقى في تقديري سوى محاولات لذر الرماد في العيون مهما كانت المبررات مقنعة ورنانة. فالحريق مشتعل في كافة أرجاء البلاد وربما سيكون من الحكمة أن نطفئ الحريق قبل الحديث عن ترميم السقف الذي سيقع قريبا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى