اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

(اغتيال على طريق الحرية.. المقدمة.. الخوف 1)

عبد الله الغرياني

المقدمة

يقول الرفيق الشهيد عبدالسلام المسماري:

{لم أفقد الأمل.. ولن أفقده بإذن الله.. الصبر أقوى سلاح في ترسانة الوطنيين.. ولدينا الكثير منه…}

ومن هذا الصبر الذي امتلأت به ترسانتنا انطلق المسير نحو طريق الحرية بقلوب ناصعة البياض يملؤها الأمل لنهاية تتوج بالحرية، والمشوار الذي قطعناه في هذه الطريق كان صعباً وشاقاً ومن هنا قررت كتابة (اغتيال على طريق الحرية) في عدد من المقالات تحتوي على قصص أبرز محطات طريق الرحلة الطويلة المتعددة المحطات بين السير البطيء والتوقف والاستمرار بين الخوف والتحدي والأمل والتهديد حتى محاولة الاغتيال، هذه الطريق وفي جميع محطاتها كتبت الحقيقة كما رأيتها ولا شيء غيرها، ومسؤوليتي كأحد القادة الشباب الذين ساروا أمام ووسط الجموع في الشوارع والميادين والساحات وقيادتهم نحو الحرية.

الاغتيال:

هو الموت والخيانة التي يلجأ لتنفيذها الجبان الذي يخشى المواجهة ويخاف من الحقيقة، يختبئ هذا الجبان عند الصباح والنهار ويخرج من المساء إلى الفجر كون هذا الجبان لا يتحرك إلا في الظلام، يفخخ ويضع العبوات الناسفة لخصومه ويستهدفهم بالرشاشات ومسدسات مكتومة الصوت ويتلذذ بتصفيتهم بأبشع الطرق، وعلى قدر قوة الحقيقة التي صدع وجاهر بها المُستهدف، وفي طريق الحرية تطور الأمر وأصبح الجبان أكثر جراءة وخرج ليغتال خصومه في النهار وتحت الشمس وأمام الجميع معلناً عن نفسه وعن فكره الإرهابي.

على الطريق:

كنا على قلب واحد وهدف ورؤية واحدة اتخذنا من خلالها قرار السير على الطريق نحو الحرية دون رجوع، نمضي ومن يريد تركنا له قراره فلن نتوقف من أجله، ومن أتعبه المسير يتوقف ويلتحق بنا إذا وجد أنه قادر على الاستمرار، ومن نفقده مغدوراً نقوم بالواجب اتجاهه ونكتب حيث وُضعت رفاته بأنه غادرنا في هذه المحطة المهمة في طريقنا، ونحن مستمرون من بعده لنكمل المشوار، وسيأتي حتماً من بعدنا آخرين ليروا ماذا فعل رفيقنا والذي حدث له يقرؤوا الذي كتبناه نحن والتاريخ في حقه….

الحرية:

هي حرية الفرد على اتخاذه قراره المُستقل لأجل حياته ومستقبله لا وصي على الإنسان إلا ضميره، الحرية هي أن يكون الإنسان إنساناً حُراً وأن يُفكّر بعقله الحر الذي لا يضع حواليه قيوداً تقيد تفكيره، وللوصول لهذه الحرية خطت الشعوب خطواتها في طرقات طويلة انتهت بنيلها لحريتها، وشعوب أخرى أُرهقت في طريقها لفقدانها للبوصلة التي تحدد اتجاهات السير وتعددت اتجاهاتها ولم تصل رغم سيرها الطويل نحو الحرية وأصبح جيل يستمر ويأتي الآخر ويواصل والمسير لازال مستمراً.

(الخوف)

الخوف هو الشعور الذي عاشه الليبيون طوال حكم الدكتاتور معمر القذافي للبلاد وتحت منظومة الخوف والرعب التي أسسها، نشأت ونشأ رفاق الطريق فلم يكن هناك نقد أو معارضة سياسية ولا مناخاً فكرياً أو ثقافياً نموذجياً خالياً من التقديس، كل الألوان هي لون واحد وكل الأفكار هي فكر واحد، والنظام السياسي رغم غرابته كان كذلك واحد وفرض علينا تقبله دون معارضة أو رفض، وفي مناخ الخوف، وصلت لسن الرابعة عشرة في بيئة أسرية معارضة للنظام السياسي ومن هنا أصبح يكتمل في ذهني اتخاذ موقف مماثل كون أسباب المعارضة والرفض اكتملت في داخلي، ومن هذا العمر وضعت هذا الحمل الثقيل على اكتافي، وُلدت في مدينة بنغازي عام 1991م وترعرعت في منطقة البركة حيث يعيش جدي ووالدي وأعمامي بشارع بن شتوان، وتواجد أسرتي في بنغازي هو امتداد لرحلة أجدادنا الذين أتوا من منطقة الكميشات الواقعة في غريان رفقة الأمام الكبير محمد بن علي السنوسي شيخ ومؤسس الطريقة السنوسية في عام 1831م ويُطلق عليهم “أخوان السنوسي”، وقاموا بتأسيس زاوية البيضاء أول الزوايا السنوسية والتي سُميت على اسمها مدينة البيضاء على أرض الحدوث من بيت طامية إحدى بيوت قبيلة البراعصة بالقرب من ضريح الصحابي رويفع الأنصاري، وبعد رئاسة الشيخ الحُسين الغرياني لزاوية البيضاء كلفه الإمام السنوسي برئاسة زاوية جنزور الشرقية السنوسية بالدفنة – بئر الاشهب وهناك قام بتربية وتعليم شيخ الشهداء عمر المختار، حيث أوصى والد المختار قبل وفاته في رحلة الحج رفيقه أحمد الغرياني بأن يتولى أخيه الحُسين تربية عمر، أسرتي هي من سلالة أحمد الغرياني وأحد أبنائه الشارف باشا الغرياني المولود بزاوية جنزور وتربى وعاش طفولته مع رفيقه شيخ الشهداء عمر المختار الذي تتلمذ السياسة على يد المجاهد الكبير السيد أحمد الشريف السنوسي، والذي منحه رتبة باشا من السلطان العثماني وهي من أعظم مراتب الدولة العثمانية قدراً وشرفاً، الشارف باشا استقر بعد ذلك في مدينة بنغازي بحي البركة في أواخر عشرينيات القرن الماضي، ومنذ ذلك الوقت امتدت جذور الأسرة في مدينة بنغازي في حي البركة، عشت الطفولة في هذا الحي وقرأت لفترة قصيرة جزءًا من القرآن الكريم على المرحوم الشيخ معتوق العماري بمسجد بوغولة بالبركة وتركت المسجد بنصيحة أسرية بعد ثبوت ارتباط عدد من الشباب الرواد على المسجد بتنظيم القاعدة وتحديداً جماعة الإرهابي “أبو مصعب الزرقاوي”، وتم اعتقالهم والحكم على بعضهم بالمؤبد، الحياة كانت متواضعة في الحي وسط تركيبات اجتماعية متنوعة وتأسست العلاقات بهذا الوسط على الاحترام والتقدير والسلم، فالبيوت تكون مفتوحة في كل المناسبات والأعياد وكل الجيران وأصحاب المتاجر هم أخوة لنا ونحن أخوة لهم، ودرست الابتدائية بمدارس التعليم الخاص بمدرسة المنارة تحديداً والتي كانت تديرها الأستاذة القديرة “سعاد بن علي”، وبعد ذلك بمدرسة الصفاء لمديرها الأستاذ القدير “كمال عمارة” باستثناء سنوات الشهادة الإعدادية درستها في مدرسة المرحوم الصادق بالة وثانوية بمدرسة صلاح الدين بإدارة الأستاذ “صالح الحصادي” تخللت السنوات الدراسية مراحل نضج ذهني علمي بالدرجة الأولى وسياسي بالدرجة الثانية، ومع دخول العولمة في فترة الدارسة الثانوية، وفي حالة القمع والتهديد والخوف كنت كثير الذهاب والتردد على مقاهي الإنترنت وكانت قيمة التصفح آنذاك ديناراً واحداً، وأفتح جهاز كومبيوتر في العادة خلفه ورقة يكتب عليها بالخط العريض (يمنع فتح روابط والمواقع التي تهدد أمن الجماهيرية)، وهذه العبارة كانت أول تحدٍ لي أمام الخوف وأضطر للجلوس بين الربع ونصف ساعة فقط، أفتح على ما أتمكن من فتحه من المواقع وكانت أبرزها رابط موقع ليبيا المستقبل لقراءة مقالات الرأي وجديد الساطور ونشاطات المعارضة الليبية في الخارج، وكنت متابعاً للمعارضين “محمود شمام” والراحل المرحوم “مصطفى البركي” الذي غادر الحياة في أوائل دخولي لشبكة الإنترنت ومتابعة نشاطاته و”محمد الحسن السنوسي” و”علي الترهوني” و”فرج العشه” وآخرين وأقرأ مقالاتهم السياسية وأشاهد نشاطاتهم، وإذا الوضع مازال جيداً في المقاهي أشاهد وبشكل سريع باقي الروابط والمواقع، من ثم أغادر المكان وأدفع الدينار على ساعة لم أقضِ منها إلا ربعها أو نصفها وفي الأسبوع الآخر أقوم بالذهاب لمقهى آخر وأكرر ذات الأمر، وأُشبع نفسي من هذه المواقع لتعزيز الموقف المعارض والمنادي بالخلاص والانطلاق نحو طريق الحرية، من معارضين في الخارج سخّروا حياتهم وقرروا الإقامة في المهجر ليكونوا أصواتاً تنادي بحرية الشعب الليبي وكسر الخوف المقيد به في الداخل.

ومن هنا أصبح يتطور الموقف شئياً فشيئاً لموقف معارض حاسم اتجاه النظام السياسي الذي على رأسه الدكتاتور معمر القذافي، وأصبح رفاقي من نفس جيلي يسمعون مواقفي السياسية بشكل واضح رغم أنه كان طفيفاً إلا أن عدداً منهم كانوا يُفضلون عدم التفاعل وآخرين من الأسر المصنفة لدى النظام الحاكم وأدواته القمعية بالرجعية وآخرين من الأسر المطحونة، ورغم الوضع الأسري الجيد إلا أنني كنت من هذا العمر أشعر بالقهر والحرمان الذي يمارسه النظام ضد عموم الشعب وهذا الشعور أسس بداخلي حالة من الغضب ضد كل شيء ينتمي أو يرمز للنظام، وكنت شديد التأثر عندما أرى أسراً ليبية تتسول أمام المساجد أو على مفترقات الطرق وغيرها من ظواهر الفقر والعازة التي يعيشها الكثيرون في أغلب مناطق وأحياء بنغازي غير انعدام البنية التحتية وغياب التنمية واختفاء أغلب الأمور الأساسية التي ترمز للحياة، وفي ذات الوقت كانت حالة الشعب متكيفة مع الوضع رغم أن أغلب سكان بنغازي في أحاديثهم داخل الحلقات وتجمعاتهم الصغيرة داخل البيوت والمناسبات يتناولون النقد الساخر والمعارضة القوية للسلطة ويحرصون داخل منازلهم لحضور لقاءات المعارضين الليبيين في الخارج رغم التشويش والقطع المتعمد الذي كانت تمارسه شركة البث العام على هذه اللقاءات أو التقارير التلفزيونية، التي تنقل مناشط المعارضة التي تتم مع قياداتها، كون الشركة تمتلك موجة التحكم في الفضائيات بمقرها بمنطقة السلماني حتى أصبح الناس يتوجهون إلى الأجهزة الحرة المربوطة بالتحكم الذاتي والتي دخلت بعد رفع الحصار الاقتصادي على ليبيا، ورغم الدعاية الإصلاحية الزائفة كان الخوف هو المسيطر على الشعب في الشوارع والميادين والقاعات والمدرجات الجامعية، لا شيء إلا صورة كبيرة في كل مكان تُمجد وتُقدس العقيد القذافي ومقولاته التي كتبها في كتابه الأخضر في فصوله الثلاثة واللجان الثورية التي أخذت من الكتاب الأخضر منهجاً لقمع الشعب وإرهابه، وافتتحت هذه اللجان مقرات لها في كل مكان داخل الشركات العامة والمؤسسات الحكومية وفي الجامعات والمدارس، وكتابة مقولات الكتاب الأخضر على أسوار ومداخل هذه المؤسسات، وظل هناك نوع من التحدي الظاهر حيث مارس أغلب المجتمع الممانعة ولم يكن مهتماً بحركة اللجان الثورية أو المشاركة في نشاطاتها المتعددة التي كانت تهدف بالدرجة الأولى لترسيخ فكرة تقديس العقيد القذافي ونظريته الخضراء، حتى السلطة الشعبية النظام السياسي الذي جعله القذافي غطاء لحكمه الدكتاتوري لم يكن غالب المتجمع شريكاً فيها ويصفونها بالمسرحية كون القرار والحكم سيكون في الأخير للعقيد القذافي فقط، الذي تخلّص من كافة خصومه ومعارضيه وطاردهم في الداخل والخارج وزج بالآلاف داخل السجون والمعتقلات لكي ينفرد بالحكم بدون أي معارضة أو رفض، فكيف يحكم الشعب نفسه في غياب الحرية والسلطة المطلقة في يد العقيد القذافي وأدواته القمعية.

ويقول ابن خلدون (يقلب الحاكم توجسه وغيرته من شعبه إلى خوف على ملكه، فيأخذهم بالقتل والإهانة).

الخوف الذي دام لأربعة عقود كاملة ناضل خلالها جيل بعد الآخر لكسرها وإنهائها والنتائج كانت دائماً وخيمة كون قبضة النظام كانت قوية، ودفع الليبيون فواتير كبيرة من الدم والقتل والتشريد نتيجة كفاحهم ونضالهم ضد هذا النظام، وحدثت أحداث دامية كثيرة أشعلها نظام العقيد لإخماد محاولات كسر الخوف، ومع كل جيل ينضج تنضج معه صفوة من الشجعان، ينتهي هؤلاء الشجعان تأتي صفوة أخرى تكمل المشوار وبقيت الشجاعة حاضرة من جيل بعد الآخر حتى أتى جيلي ونجح في كسر الخوف والانطلاق في السير نحو طريق الحرية.

“كنت أرفض الخوف وتولّد بداخلي صراع طويل بين الثبات والتراجع، واستمر هذا الصراع ولكن لم ينتصر فيه الخوف وظلت الشجاعة منتصرة وإن كانت شجاعة ضئيلة ولكنها كانت نواة لانفجار بعد ذلك، وركيزة للسير بثبات على طريق الحرية”.

يتابع .. “اغتيال على طريق الحرية .. الانتفاضة الأولى .. 2”

زر الذهاب إلى الأعلى