اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

أيها السياسي.. كن عميلا لبلدك!!

حيدر حسين علي

لاشك أن هنالك الكثير من المفاهيم الخاطئة في عقول عوام الشعوب والسواد الأعظم من الساسة الذين يديرون أمور بلدانهم على هذه البسيطة.

ومن هذه المفاهيم ما يتعلق بالاتهامات الموجهة لبعض الساسة بالعمالة لدول خارجية على حساب مصالح بلدانهم وشعوبهم، وهذا المفهوم لا يصح دائما ولا يجوز تعميمه ما يحتم الحديث عن معانيه العميقة التي لا يعرفها سوى القلة ممن يقرؤون المشهد العام للبلدان بدقة وحرفية، وقراءتها كما يقرأ المدرب الحاذق في كرة القدم شوط المبارة الأول -شوط اللاعبين- ليغير النتيجة لمصلحته في الشوط الثاني شوط المدربين.

ويجسد رئيس الوزراء العراقي الأسبق إبّان العهد الملكي الممتد خلال حقب ثلاثينيات وأربعينيات وخمسينيات القرن الماضي نوري السعيد ذلك السياسي المُحنك الذي لم ولن يتكرر مثالا واضحا على هذا المفهوم الخاطئ وراح ضحية من ارتدوا ثوب السياسة الذي لا يلائم مقاساتهم من العسكر الذين أنهوا الحكم الملكي وحرضوا العامة على السعيد الذي قتل شر قتلة بعد مسيرة سياسية مزعومة بالاتهامات بالعمالة للبريطانيين.

ومن يقرأ ما بين السطور يجد أن السعيد لم يكن إلا عميلا لبلده العراق بعد أن أحس العراقيون المنتشون بزوال النظام الملكي عام 1958 بفداحة ما حصل لبلدهم بعد رحيله التي باتت مرتعا لحكام عسكريين متتالين امتطوا الدبابات وسيطروا على دار الإذاعة وأعلنوا أنفسهم رؤساء لجمهورية العراق التي انتهى بها المطاف بدبابات أخرى هذه المرة لم تكن عراقية بل أميركية لم تسقط نظام صدام حسين فحسب بل أسقطت الدولة العراقية التي تأسست عام 1921.

وبالعودة إلى السعيد فهو نموذج للسياسي الذكي العميل لبلاده الذي خلّصها بالتدريج من الاحتلال البريطاني وحصل لها على استقلالها وانضمامها لعصبة الأمم الأمم المتحدة لاحقا، وشهد عهده بداية المشاريع العملاقة في البلاد من خلال مجلس الإعمار الذي شيد مشاريع لا تزال قائمة حتى يومنا هذا ومنها جسر الجمهورية في العاصمة بغداد الذي كان يسمى في حينها جسر الملك عالية بنت علي والدة الملك المغدور فيصل الثاني وزوجة الملك الراحل المغدور أيضا غازي الأول.

وحينما نمتطي آلة الزمن الافتراضية نحو العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين الذي شهد تغييرات كبيرة في عدة دول من بينها العراق وليبيا نجد أن الشعوب توصم حكامها الجدد بالعمالة رغم أنهم أتوا بعمليات سياسية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن لا توصف إلا بالديمقراطية مهما شابها من شوائب فهي بالتأكيد أفضل من الدبابة التي امتطاها معمر القذافي وأسقط من خلالها الحكم الملكي الدستوري وحكم البلاد بالحديد والنار لنحو 41 عاما أرجع فيها الليبيين المعروفين بالثقافة والفن والعلوم وحب الحياة شأنهم شأن باقي الشعوب العربية إلى العهود الغابرة بسبب ممارساته، وذات الحال ينطبق على العراق الذي حكمه العسكر أو من ارتدوا البزة العسكرية لعقود طوال قبل أن يعود مرة أخرى إلى الوضع الدستوري.

ما يحتاجه ساسة ليبيا والعراق اليوم هو دروس من نوع آخر في السياسة والذكاء والعمالة لبلديهم ولا يختلف اثنان أن الدول الإقليمية والأجنبية تتدخل في شؤون البلدين شأنهما شأن كل الدول الخارجة من تجارب مريرة لأنها تحتاج إلى زمن لتستعيد عافيتها على مختلف الصعد السياسية والأمنية والمجتمعية والاقتصادية والثقافية وغيرها من هذه الصعد إلا أن هذه التدخلات من الممكن أن تسحب الساسة من خانة العمالة الافتراضية لهذه الدول إلى خانة أسمى وهي العمالة لبلادهم لو تمكنوا بقليل من الفطنة والذكاء من تحويل الخسائر إلى أرباح، ومصالح الدول في البلدين إلى مصالح ثنائية أو ثلاثية أو رباعية أو أكثر حتى، والعكس أيضا عبر تحويل مصالح ليبيا والعراق في هذه البلدان إلى قواسم مشتركة مع هذه الدول.

ولن أدخل في صميم ما يمكن أن يفعله الساسة ليحققوا هذه المعادلة الصعبة التحقيق لكنها غير مستحيلة وتسري عليها قوانين النسبة الطردية وسأترك لهم حرية التفكير فهم أدرى بما لديهم من نقاط قوة وضعف أمام هذه الدول وأوراق لعب، وعسى أن يستمعوا لهذا النداء ويقرؤوا المقال ويكونوا أبطالا في شوط المدربين ويقلبوا النتائج لمصلحة بلدانهم في الشوط الثاني من قوادم الأيام بعد أن سارت مجريات الشوط الأول في السابق لمصلحة مدربي ولاعبي هذه الدول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى