مقالات مختارة

أسواق النفط في ظل جائحة كورونا

المهندس / رمزي الجدي

بعد مرور اكثر من ثلاثة شهور على بداية الجائحة, بدات أغلب دول العالم تنظر إلى جائحة كورونا باعتبارها أزمة اقتصادية اكثر منها ازمة صحية، فعمليًا جائحة كورونا إصابت الاقتصاد العالمي بالشلل. حيث إن سياسات الإغلاق و الحضر والتباعد الاجتماعي التي تم تبنيها من أجل الحفاظ على الصحة العامة شكلت تهديدا غير مسبوق لاغلب الدول في مختلف أرجاء العالم، إذ نتج عن هذه السياسات خسارة كبيرة لأسواق النفط و المال و انحسار وتراجع لاقتصاد الكثير من الدول المتقدمة بسبب توقف الصناعات و كذلك الدول النامية, خصوصا تلك الدول التي تعتمد على التجارة العالمية و التبادل التجاري و السياحة و على التحويلات من مواطنيها الذين يعملون في الخارج كمصدر لمواردها الاقتصادية.

و قد لجاءت العديد من الدول الي التدخل العاجل ببرامج إنقاذ ودعم ضخمة للقطاعات الاقتصادية المتضررة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي و تجنب الدخول في انكماش اقتصادي ولمواجهة ارتفاع معدلات البطالة والتضخم.

وكانت اسواق النفط من بين أكثر الأسواق تأثراً بالجائحة، فقد أدت جائحة فيروس كورونا إلى إعاقة الطلب على النفط والغاز مع إغلاق المصانع و توقف شركات الطياران الطائرات و توقف حركة وسائل النقل بسبب الحضر الجزئى او الكلي السيارات,مما خفض الطلب على النفط اكثر من انخفاضه السابق ليزداد المعروض من النفط بأرقام كبيرة. و قد انهار خام برنت في شهر ابريل إلى أدنى مستوياته منذ أكثر من 20 عاماً.

لكن بعد مرور ثلاث اشهر على الاغلاق التام عادت اغلب الدول لتخفيف قيود الاغلاق و الانفتاح الجزئي و في بعض الدول الكلي لإعادة الدورة الاقتصادية و انقاذ اقتصاداتها من الانكماش، شاهدنا ان اسعار النفط عادت للارتفاع من جديد, بفضل تنامي التفاؤل بإعادة فتح الاقتصاديات الكبرى وتمديد اتفاق اوبك بلاس بتخفيضات للإنتاج, و هنالك اربع دول, هي الصين والولايات المتحدة والهند واليابان، كانت سبب انتعاش الطلب على النفط بعد انهياره في الأسواق بالاضافة الي خفض الانتاج الذي اقرته دول “أوبك+”.

حيث أن خروج الصين من إجراءات الغلق العام أعاد الطلب في شهر مايو إلى مستويات العام السابق تقريبا، وشهدت الهند أيضا انتعاشا قويا في شهرمايو ، وإن كان الطلب ما زال أقل بكثير من مستويات العام السابق, و من المتوقع ان تصل اسعار خام برنت الي 35 إلى 45 دولاراً للبرميل مع بداية اغسطس مع تشغيل المطارات وعودة حركة الطيارن, الذي سوف يعزز الطلب على الوقود من قبل شركات الطيران, وحتى لو كان هناك موجة أخرى من “كورونا”، لن تعود الدول للاغلاق لأنه من الواضح أن صناع القرار لن يلجؤوا إلى العزل الكامل مرة أخرى,

لكن تحسن الأسعار خلال العام الحالي لن يتجاوزال 45 دولارللرميل, لذلك يجب على الدول المنتجة ان تحاول التأقلم مع أوضاع التقلب بأسواق النفط وبسعره الحالي بين مستويات 35- 45 دولاراً للبرميل, لان العوامل المؤثرة على أسعار النفط ما زالت موجودة، وهي وفرة المعروض وتراجع الطلب وزيادة المخزون الامريكي, كما ان السواق ستأخذ وقت لتجفيف الطاقة التخزينية الهائلة التي تكوّنت الفترة الماضية، و ذلك سيكون العامل الأهم في رسم خارطة الاسعار في الأسابيع القادمة .

و تحتاج ليبيا ان يتم تعتمد على سعر 35$ للبرميل لموازنة ميزانيتها للعامين 2020/2021، حسب المعدل المتوقع للانتاج في حال استئناف التصدير وهو 1.2 مليون برميل يوميا مع ضرورة توحيد سعر صرف العملة لجميع الجهات العامة و الخاصة عند سعر 3.2 دينار, لتخفيف حدة الضربة الاقتصادية، مع اتخذ تدابير تحفيزية على الصعيد الداخلي لدعم القطاع الزراعي و الثروة السمكية. لان أسعار النفط ستظل تحت الضغط، طالما المعروض أعلى من الطلب حتى نهاية سنة 2020, فبالرغم من العودة التدريجية لتنشيط القطاعات الاقتصادية كالنقل والصناعة وتجارة التجزئة التي لن تعود لنفس مستواها من النشاط الاقتصادي لاسباب عديدة متداخلة.

و من المتوقع ان يصل نمو الطلب مع بداية سنة 2021 الي مستوى 97.4 مليون برميل يوميا، و هذا يعني اقل من مستوى الطلب لسنة 2019 بواقع 2.4 مليون برميل يومي.

وعلى صعيد التغييرات الهيكلية المتوقعة لاسواق النفط بعد 2021، فإن صناعة النفط ستصبح أقوى وأصغر حجما، وسوف يكون هنالك عجز نفطي بسبب الاضرار التقنية التى سببها عدم تدفق النفط في الانابيب او عدم تجديده في خزنات التخزين, و سوف ترتفع أسعار النفط فوق السعر المستهدف في توقعات البنك البالغ 55 دولارا للبرميل مع نهايةعام 2021, واتوقع أن توحد شركات النفط الكبرى أصولها، ليكون هناك عدد أقل من الشركات و هذه الخطوة التى يجب على المؤسسة الوطنية للنفط و المجلس الرئاسي التفكير فيها بشكل مستفيض, لنقل صناعة النفط في ليبيا الي مستوى اخر يفتح باب امام الاستثمار في الصناعات البتروكيماوية, و دعم موارد البلاد بقطاع الصناعات البتروكيماوية, والذي من المتوقع ان يضاعف الدخل السنوي للبلاد في فترة لا تتجاوز العشر سنوات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى