مقالات مختارة

أسطورة حراسة المرمى

شكري السنكي

الحارس الدّوليّ السّابق محمّد العقوري فِي ذمة الله

انتقل إِلى رحمة الله يوم الاثنين 27 فبراير 2017م، اللاعب محمّد أبوبكر الميّار العقوري حارس المنتخب الوطنيّ وأحد أبرز حراس المرمى الّذِين عرفتهم الكرة الِلّيبيّة طوال تاريخها فِي نهاية سنوات الستينيات والسبعينيات، وأستطيع القول إنّه كان مِن أفضل ثلاثة حراس مرمى فِي تاريخ الكرة الِلّيبيّة، وهم: (الدّوليّ إبراهيم المصري، والأنيق محمّد العقوري، والمتألق الفيتوري رجب). وقد وفاه الأجل المحتوم فِي مدينة بّنْغازي الحبيبة، وبعد صراع مع المرض لم يمهله طويلاً، وعَن عمر يناهز السبعين عاماً. تأثر العقوري فِي بداية حياته الرّياضيّة بالحارس الدّوليّ إبراهيم المصري، حارس مرمى نادي الهلال والمنتخب الوطنيّ، وكان يحب حارس المرمى التونسي “عتوقة” الّذِي صال وجال على مدار سبعة عشر عاماً فِي ملاعب تونس مع نادي الأفريقي، وفِي ملاعب أفريقيا مع المنتخب الوطنيّ التونسي. وكان العقوري يتمتّع بنباهة وفطنة كبيرة، وبصفات جسمانية ممتازة مِن وقوَّة بنية، ومرونة، ورشاقة، وطول مناسب للقامة، ويتابع الكرة بدّقة فائقة، حيث كان يضع عينيه دائماً على الكرة وليس على اللاعب الّذِي يركلها. وكان يطير على الكرة بشكل استعراضي وتوقيت محسوب بدّقة متناهيّة، ويجيد التَّصدي للانفرادات. وكان واحداً مِن نجوم العصر الذهبي للكرة الِلّيبيّة، وقد ظهر فِي وقت كانت فيه بلادنا تعج بالمواهب الكروية والنجوم الّذِين يشار إليهم بالبنان فِي الوطن العربي، ونذكر مِن زملائه فِي حراسة المرمى أو أبناء جيله: محمّد لاغا حارس مرمى نادي الاتحاد الدّوليّ، وخليفة بونوارة حارس مرمى نادي الأهلي طرابلس، محمّد الخراز حارس النصر والأهلي والهلال، ومفتاح حبارة حارس نادي التّحدي، والفيتوري رجب حارس المنتخب الوطنيّ ونادي الأهلي، وأحد أفضل حراس المرمى فِي تاريخ ليبَيا.

 

محمّد العقوري
ومِن أجمل مباريات الدّوليّ محمّد العقوري مع منتخبنا الوطنيّ، كانت ضدَّ الفريق المغربي، بالمغرب فِي تصفيّات كأس العالم 1978م المؤهلة للأرجنتين حيث تألق محمّد العقوري تألقاً لافتاً وقد سحر الجمهور المغربي باستبساله وتصديه لأقوى التسديدات بِالإضافة إِلى حركاته الاستعراضيّة ومهاراته الفنّيّة، ولكن شاء الأقدار أن يفوز المغرب بهدف مقابل صفر، سجله أسطورة الكره المغربيّة فراس أحمَد.
وَمِن جديد، لعب العقوري حارساً للمرمى مع نادي النّصر والأهلي والهلال فِي مدينة بّنْغازي، ومع نادي المدينة والوحدة فِي مدينة طرابلس، ورُبّما كانت فترة الهلال مِن أطول الفترات الّتي قضاها فِي نادٍ، حيث امتدت لمدة أربع سنوات، مِن العام 1976م حتّى 1980م، بينما قضى فِي نادي النّصر ثلاثة مواسم، وموسماً واحداً فقط مع نادي الأهلي (1975م – 1976م)، ولمدة موسمين لكل مِن المدينة والوحدة.
أعجبت كثيراً بمحمّد العقوري كحارس مرمى منذ أن لعب لنادي النّصـر ثمّ الأهلي، وتعرفت عليه عَن قرب منذ انضمامه لفريق نادي الهلال، وكان فِي قمة تألقه، وكنت أراه مِن أجمل حراس المرمى فِي ليبَيا، حيث تميز بحضوره الأنيق وطيرانه على الكرة بشكل استعراضي لافت، بِالإضافة إِلى أن الكرة كانت تستقر فِي يديه ولا تفارقهما، وكأن هناك مغناطيس لا يترك الكرة تفلت يديه لأيَّ مكان آخر.

 

محمد العقوري
وبعد أن لعب لنادي المدينة فِي العام 19799م، ترك وراءه فِي الهلال اللاعب محمّد الخراز أحد حراس المرمى المعروفين فِي ليبَيا، بِالإضافةِ إِلى اللاعب تاج السر بدوي حارس المرمى، سوداني الجنسيّة، والّذِي تعاقد معه النادي فِي فترة وجود العقوري، صاحب الصدّات البهلوانية، والحركات اللافتة، والأقرب إِلى (رينيه هيجيتا) حارس مرمى كولومبيا الشهير الملقب بـ(الحارس المجنون)، والّذِي صد الكرة بطريقة العقرب أيّ صدة خلفية، وذلك بلف القدمين نحو الظهر لصد الكرة، وقد قدم تاج السر مستوى رائعاً مع الهلال، لدرجة أنه كان ينافس بقوَّة الفيتوري رجب أفضل حارس مرمى في الدوري الِلّيبيّ وقتئذ.
رحل العقوري إِلى نادي المدينة، وزعلت كثيراً على رحيله، وقد ظل هو على ارتباطه القوي بلاعبي نادي الهلال ومنتسبيه وعشاقه وجماهيره، وكان يردد دائماً: “الهلال فريقي، وقد وجدت نفسي فِي هذا النادي العريق، وقد كانت السنوات الّتي قضيتها فِي الهلال مِن أجمل سنين عمري”. وقد كنت أزوره فِي طرابلس، حيث كان يقيم بفندق “الأطلس” المقابل لنادي المدينة، وكان وقتئذ اللاعب ناصر بلحاج لاعب المدينة والمنتخب الوطنيّ، كذلك نوري السري الملقب باسم (الرأس الذهبيّة) والّذِي نال لقب هداف الدّوري الِلّيبيّ أربـع مرَّات، مِن أصدقائه المقربين ورُبّما أقرب اثنين له.
كان العقوري إِلى جانب كونه نجماً وحارساً عملاقاً، خفيف الظل وصاحب أحاديث مسلية ممتعة لا تخلو مِن النكتة والطرفة الفريدة. وكان سباحاً ماهراً، وأحد رواد مصيف جليانة أشهر مصايف بّنغازي فِي ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم. وتمتع بصوت جميل جدَّاً فِي أداء فنّ المرسكاوي الِلّيبيّ، وكان صوت كوكب الشّرق أم كلثُوم يطربه ويؤنسه فِي كلِّ وقت، وقد كانت سيارته لا تخلو مِن أجمل أغاني الست وأروع شرائطها. ومَا يضاف أيْضاً، أنه كان يهتم كثيراً بأناقته وهندامه، ومتأنقاً ونظيفاً، ويحرص دائماً على نظافة سيارته الفيات 131، والّتي كانت مضرب مثل فِي النظافة، هي وسيارة لاعب الهلال الأشهر ديمس الصغير، الـ بي إم دبليو 313.

 

محمد العقوري
توفي محمّد العقوري أحد أبرز حراس المرمى فِي ليبَيا، يوم الاثنين 27 فبراير 20177م، وترك وراءه تاريخاً رياضياً عامراً، ورصيداً مِن اللمسات الفنيّة سيقف عندها حراس المرمى طويلاً.. رحل بعْد مشوار مِن التألق والإبداع، وترك وراءه مَا سيجعل اسمه محفوراً فِي الذّاكرة الرياضيّة، ويخلده فِي قائمة أهم النجوم وحراس المرمى فِي تاريخ الكرة الِلّيبيّة،.. واعذروني إنّ قلت إنّه صاحب أفضل لمسة جمالية فِي حراسة المرمى، والأجمل على الإطلاق مِن وجهة نظري.
جزاه الله خيراً قدر مَا تألق وأبدع، ورحمه الله رحمـة واسعة، تقبله فِي الصّالحين، وأسكنه عليين.

 

محمد العقوري
مِرْفَق الصُّوَر
الصُّوَرَة الأوْلَى: اللاعب الرّاحل محمّد العقوري فِي النصف الأوَّل مِن السبعينات.
الصُّوَرَة الْثَّانِيَة: فريق نادي الهلال لكرة القدم أثناء فترة الرّاحل محمّد العقوري، ويضم الفريق، وقوفاً: المدرب المساعد محمّد الماقني والحارس العملاق الرَّاحل محَمّد العقوري، والرَّاحل المهاجم قناص الفرص مُصْطفى المسماري والمدافع عبدالله زيو والمدافع محمّد الحاسي والمدافع محمّد عُمر والجناح عياد المسماري والمدافع عبدالله الفزَّاني، والجناح سَالم أرحومة، والمدرب اليوغسلافي. وهذا المدرب اليوغسلافي، هُو شبيه – وإِلى حدِ ما – بالمدرب اليوغسلافي الثّاني (كوكيزا)، وقد احضره إِلى النادي المرحوم حماد، وكان يعمل فنيّ تحليل فِي إحدى مستشفيات بّنْغازي، ولدية فكره علي التدريب، وقد درب الفريق فتره قصيرة جدَّاً، وكان المرحوم الكابتن محَمّد الماقني مساعده واداري له.. والصورة كانت فِي مباراة كأس ليبَيا العام 1977م، وكانت ضدَّ فريق المدينـة، وقد خسر فريق الهلال هذه المباراة، فِي الوقت الإضافي، بنتيجـة، واحد – صفـر وبهدف قاتل سجله اللاعب حسن النيجيري في الدقائق الأخيرة مِن عمر المباراة، ومكان المباراة كان فِي الملعب البلدي بمدينة درنــة (ملعب درنه البلدي).
وجلوساً: الرَّاحل المهاجم الفنّان عبْدالكريم الهلاّلي والجناح عقيلة بسيكري والمدافع فِي مركز (3) الرَّاحل عزالدّين بسيكري والمهاجم الماهر رافع العقوري والحارس البديل فرج زاطاطا والمدافع فِي مركز (2) عبدالحليم احميدة والمخضرم الدّوليّ ديميس الصغير واللاعب السّوداني أحمد بكر.
الصُّوَرَة الْثَّالِثَة: الحارس العملاق الرّاحل محمّد العقوري مع المهاجم المتألق رافع العقوري.
الصُّوَرَة الْرَّابِعَة: صُوَرَة شخصيّة لفقيد الرياضة الِلّيبيّة الحارس الماهر محمّد العقوري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى