مقالات مختارة

أسئلة صغيره على هامش حدث كبير

Ali M Elrhebi

*. هى الذكري الخمسون لفاتح سبتمبر 1969 م.
* نصف قرن تفصلنا عن حدث شكل ملامح القسم الاكبر من تاريخ ليبيا الحديث.
* دوما كانت الاحداث الكبيرة والفارقه محل تمايز في المواقف منها تأييدا ً ومعارضة قبولاً ورفضاً… وتلك سنة من سنن الله الحاكمه وطبيعة من طباىع حياة البشر… وبهذا لن يكون شاذا ولاغريبا ان تتمايز وتختلف مواقف الليبيين تجاه هذا الحدث وتقييمه . بيد انه ليس بوسع أي منصف ان ينكر ان الشعب الليبي قد استقبل هذا الحدث منذ فجر يومه الأول بتأييد عفوي عارم تثبته الوقائع والسجلات… من ساعاته الأولى وحتي قبل ان يعرف غالبية الشعب اسماء وهوية من قام بهذا العمل ( وربما اكتفي الكثيرون بتلك الجمل الجذابة التي نقلها لهم عبر الاذاعة صوت مميز جديد علي اسماعهم – كان صوت من عرفوه فيما بعد بإسم ( معمر القذافي) -حمل تذكيرهم بماض بغيض من جور الاتراك الي ظلم الطليان وبجهاد رموز وطنية سكنت الوجدان قطباها احمد الشريف وعمر المختار.. وناداهم جميعا في المدن العريقه والارياف الطاهره والقري الحبيبة الجميلة والبوادي والصحارى يدعوهم لنسيان احقادهم ويعدهم بمجتمع المساواه والعدالة الاجتماعية والرخاء..
* بتحليل موضوعي يضع العواطف جانبا يمكن القول بأن التغيير الذي صنعه هذا الحدث كان متوافقا مع اغلب المعطيات الموضوعية التي اكتمل سياقها التاريخي في تلك الايام الاخيره للعهد الملكي

* فالملك ادريس السنوسي.. الذي تقدم به العمر ودون وريث للعرش من صلبه ترسخت لديه بعد كل هذه السنوات نزعة زهد في الحكم تعززها موروثات روحية صوفية وتنسك شكل بعضا من مفاهيم الدعوه والحركة السنوسية التي آل إليه ميراثها وقيادتها.

* * النظام الملكي وإن افلح في تشكيل دولة وحكومة في ظروف تاريخية معينة لكنه لم يفلح في تجذير الملكية كمؤسسة راسخة يسلم بها الجميع عن قناعة ورضى وقبول [ يجب ان نتذكر انه حتي الدستور المعتمد في العهد الملكي لم يعتمد عن طريق استفتاء شعبي بل كان نتاج جهد جمعية تأسيسية لم ينتخب الشعب اعضاءها اطلق عليها اسم ( لجنة الستين) صممت علي اساس توزيع متساوي للاقاليم الثلاثه – رغم التفاوت الكبير في النسبة العدديه للسكان بين الاقاليم.. – وتم اختيار الاعضاء بالتعيين والاختيار من قبل ادريس بالنسبة لبرقه واحمد سيف النصر بالنسبة لفزان وبالتوافق بين زعامات الغرب الليبي بالنسبة لطرابلس وباشراف من مبعوث الامم المتحده السيد / ادريان بلت.]

*** ضرب ثم منع الحياة الحزبية وعدم الاهتمام بتنشيط المؤسسات المجتمعية المدنية الفاعله وضعف وشكلية المؤسسة النيابيه الممثله في مجلس النواب والتي كانت اغلب انتخاباته تتم برعاية وتدخل من الحكومة ( كما هو ثابت بالوثائق والمستندات والوقائع الثابتة) بشكل كادت ان تحتكر فيه قيادات قبليه واسماء معينه الفوز في انتخابات دوراته المتعاقبه

*** حتي المؤسسة الحكومية الوزارية التي كانت تعين بمراسيم ملكية بقت اسيرة تكرار اسماء زعامات وقيادات محدودة ولم تجدد دمائها بشكل فاعل يستوعب الاجيال الجديده ( باستثناء تلك المحاولة التي جسدتها حكومة عبد الحميد البكوش في اواخر حكومات العهد الملكي.)

* كل تلك المعطيات وغيرها جعلت النظام الملكي يفتقد للجذور العميقة الراسخه ويغيب عنه الالتفاف والتأييد الشعبي القوي والواسع… ويتزامن ذلك مع تنامي المد القومي الذي طغي على المنطقة بأسرها معززا بزعامة عبد الناصر الكارزمية وشعاراتها المنادية بالتحرر من الرجعية والاستعمار… الداعية للوحدة والاشتراكيه وتحرير فلسطين.. الخ والتي يقف النظام الملكي امامها حاملا وزر ارتباطاته بالدول الغربيه خصوصا امريكا وبريطانيا اللتان كانت قواعدهما العسكريه تنتشر علي الارض الليبية موفرة سندا لاتهام النظام الملكي بالتبعيه والاستقلال بالنقص. في الوجدان والمزاج الشعبي العام المشكل بفعل شعارات المد القومي المتنامي

*** وفق هكذا مناخ عام كان النظام الملكي يعيش تبلورا لصراعاته الداخليه بما ساهم في سقوطه بالسهوله والسرعه التي تمت.. والتي كان من بينها /

** الصراع والخلاف المعروف رغم خفائه ونعومته بين ولي العهد الضعيف الشخصية وعائلة الشلحي القويه التي يتهمها اغلب السنوسيون بانها قد استحوذت علي الملك لدرجة ادت لقيام اخ الملكة ( محي الدين الشريف) باغتيال عميد اسرة الشلحى وماترتب عليه من اعدامه ونفي العديد من العائله السنوسية بما فيهم ولي العهد ( الذي نفي الي جادو) داخل البلاد ووضعهم في اقامات جبريه لمدة محدده… وامتداد هذا الصراع الخفي عبر سنوات الي شكل من اشكال الحساسيه بين الجيش والبوليس وشعور الجيش بانه مهمش إزاء قوة البوليس التي حظيت بالاهتمام.. وكان الجيش يقع تحت سطوة عبد العزيز الشلحي بينما اعتبر البوليس محسوبا على ولي العهد ( واثبتت الوقائع ان عبد العزيز الشلحي وقف حائلا دون اتخاذ اي اجراء بحق عناصر وضباط الجيش الذين كانوا ينشطون ويعدون للانقلاب وتمكنت المخابرات من معرفتهم وذلك خشية من الشلحي ان ينتج عن ذلك ضربة للجيش تقلص ماتوفر له من نفوذ فيعزز ذلك من نفوذ البوليس اصلا. اضافة الي قناعة الشلحي بان هؤلاء الضباط الصغار لايشكلون خطرا جديا ويمكن له استثمارهم في ما كان يخطط له حين يحين الوقت..)

** كل ذلك وغيره يدعم كون ماحدث هو نتاج تفاعلات داخليه الي حد كبير ( قد تكون القوى الخارجيه الفاعله في ليبيا – “بريطانيا وامريكا تحديدا- ترصده وتعتمد قناعات وسياسات بامكانية احتوائه والتعامل مع نتائجه)

* اذا كان البعض يعتمد تحليلات تبتغي وصم ماحدث في فاتح سبتمبر 69 بانه مؤامرة صنعتها دوائر المخابرات الامريكيه او البريطانيه. فإن كل هذه التحليلات تبدوا اقرب للتخرصات الغير مقنعة فعبر كل هذه العقود من السنوات وحتى بعد سقوط النظام لم تظهر اي ادلة جديه دامغه ومقنعه تدعم فرضية الانقلاب المصنوع خارجيا وان من قام به وقاده عناصر مجندة من قبل مخابرات اجنبيه!!!
.بيد انه تبقي من المنطقي القبول بان الايادي والعيون الامريكيه والبريطانيه المتغلغة في ليبيا بشكل كبير لايمكن ان تغفل متابعة تطور مجمل الوضع السياسي والاجتماعي وانها كانت ترصد كل شاردة ووارده وتبني فرضياتها وتوقعاتها على ضوء ذلك وتتحرك وفقا لذلك
و مما هو ثابت ان شخصية معمر القذافي كانت من النشاط والتمرد والمشاكسه بما يكفي لان تلفت نظر كل متابع حريص ومهتم وربما مما يدل علي وجود هذا الاهتمام المبكر لدي الامريكان
ولعلنا – وفق هذا التصور – *نحتاج للتوقف اما تلك الحادثة المعروفه والمتمثله في نشر مجلة المعرفه – التي يصدرها المركز الثقافي الامريكي – علي غلافها صورة لمعمر القذافي عند حظوره للمخيم الكشفي بغابة جودايم – وقد تحدث معمر عن حضوره لهذا المخيم وقال انه حضره قادما من سبها على حسابه الخاص حيث انه لم يكن من بين العناصر التي تم اختيارها وترشيحها للحضور من قبل قيادة الحركه الكشفية رغم نشاطه بالحركه وقيامه بتحرير باصدار نشرة مطبوعة ومسحوبه على الاستنسل بعنوان ( الكشاف) بفزان.. –
وتؤكد الوقائع المعروفه والمعلنه في ما قدم من ذكريات الثوره بعد 1969م. ان من التقط هذه الصوره وغيرها هو ( مصطفي الخروبي) الذي كان على علاقة بمجلة المعرفه وبالمركز الثقافي الامريكي وقد حظر المخيم ضمن عناصر كشافة منطقة الزاوية.. وكانت هناك بداية معرفته بمعمر القذافي. –
وهنا يتوجب طرح الاسئله /
* ما طبيعة علاقة مصطفي الخروبي. بمجلة المعرفه والمركز الثقافي الامريكي الذي يصدرها؟
وكيف تم اختيار صورة معمر القذافي – الذي كان شابا له نشاطه السياسي وتمرده، ونزوعه الثوري في سبها – لتكون صورة الغلاف؟ هل كان الاختيار لاسباب فنيه محظه ولاعتبارات الاخراج الصحفي او لاسباب اخرى؟؟

* واذا كان تنظيم الضباط الوحدويين الاحرار الذي قاد التغيير ليلة فاتح سبتمبر 69..يضم عددا كبيرا من الضباط الشباب الذين يتوزعون في اصولهم على كل رقعة الوطن فأن معمر القذافي هو الشخصية المركزيه والقائده لهذا التنظيم وهو من اضطلع بمايقرب من 80%من عملية بنائه واحتيار اعضائه والاشراف عليه ( اذكر ان هذا ما اكده لي عمر الحريري احد اعضاء التنظيم البارزين في رسائل متبادلة بيني وبينه عندما جمعتنا الاقدار بعد نقلنا من سجن الحصان الاسود الي سجن بوسليم فكانت حجرتينا متجاورتين في نفس القاطع مع فارق انه ومن معه في حجرة مغلقة باستمرار لايسمح لهم بالخروج باعتبارهم محكومين بالاعدام. بينما كنا نخرج للساحة المجاوره باعتبار ان احكامنا كانت بالسجن المؤبد.. وكنا نتواصل عبر فتحة صغيره بالجدار بين الحجرتين.. فقد اكد لي ان معمر القذافي قد تولي مهمة بناء التنظيم بنسبة تفوق 80%)
ولاشك ان شخصية بهذا الدور والتميز لن تغفل تكوين علاقات وفتح نوافذ تتيح لها الماما كافيا بالمشهد وتفاصيله بما يمكنه من تأمين نجاح مايسعي اليه باقصى قدر ممكن… دون ان يعني ذلك بالضروره ارتباطا باجهزة او قوي امنية مخابراتية اجنبيه..
وربما يكون من مؤشرات ذلك ما ذكره معمر القذافي حين روى انه انطلق مساء 27 افسطس 1969 م جواً من بنغازي الى طرابلس ليشرف علي الترتيبات النهائيه للتحرك لاسقاط النظام ليلة فاتح سبتمبر بعد ان حسم أمره بشكل قاطع علي ذلك وبعد تاجيلات سابقه تم ذكرها.. وان تصميمه هذا دفعه للقول لبعض المعترضين على الموعد ( وابرزهم كان عبد السلام جلود كما يذكر عبد المنعم الهوني) ولو اضطر للتحرك بمفرده..
ويقول معمر القذافي في روايته انه وبعد هبوط الطائره في المطار ركب سيارة خاصه مع بعض الافراد من المطار الى المدينه. وانه عرف خلال ركوبه السياره ان ولي العهد يتواجد في مزرعته بطريق السواني وليس ببيته.. ( يلاحظ هنا ان معمر القذافي قد حرص في كل رواياته علي عدم ذكر هوية هؤلاء الاشخاص الذين ركب معهم والايحاء بان ذلك كان حدثا عابرا) . بيد ان طبيعة ما افصح عنه من معرفته عبر هؤلاء الاشخاص بمقر اقامة ولي العهد يدل على ان هذا لايستقيم (فلا يمكن تصور حديث يتعلق بامر حساس وذا طبيعة امنيه من قبيل تحديد مقر التواجد الفعلي لولي العهد ان يتم مع وبين اشخاص يلتقون بشكل عابر وفي مسافة قصيره)
ان السياق يفرض الاعتقاد بان هؤلاء الاشخاص على معرفة بمعمر القذافي وانهم على مقربة من السلطة العليا بشكل او بآخر وان مناخا من الثقة كان موجودا بما يتيح الخوض في حديث كهذا
وهذا يستدعي السؤال /
من هم هؤلاء الاشخاص وما طبيعة العلاقة بهم… وما صلتهم بما حدث.. ولماذا اخفي معمر القذافي هوية هؤلاء الاشخاص وتعمد الاشارة اليهم بشكل عابر؟؟

*** تلك بعض من اسئلة صغيرة قد لايكون لها كبير شأن في سياق حدث كبير الحجم والتأثير سيبقي ساحة للكثير من الدراسة والتحليل المو ضوعي بعيدا عن تاثيرات العواطف اللحظية والانفعالية. لكي نبني الوعي التاريخي الذي نحتاجه لنفهم تاريخنا ماضيا وحاضرا ونستشرفه غدا مستقبلا.

المصدر
صفحة الشخصية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى