اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

أزمة الحمار الوافد

عمر أبو القاسم الككلي

معروف أن الحيوانات تتكيف وتتآلف مع شروط بيئتها الجغرافية. يصدق هذا على الحيوانات البرية كما على الحيوانات المستأنسة.

فالدواب التي تتربى في السهول والأرياف تكتسب طباعا تختلف عن تلك التي تتشربها الحيوانات المُتَألَّفة في المناطق الجبلية.

عندما كنا في منطقتنا بككلة، وهي منطقة جبلية، احتاجت أسرتي إلى حمار. وبدلا من أن تشتريه من منطقة جبلية مجاورة، جلبته من منطقة ريفية سهلية في ناحية طرابلس.

منذ البداية أظهر المسكين توجسه ونفوره من المحيط الطبيعي الجديد الذي أقحم فيه.

ذات مرة، ذهبنا أنا وزوجة أخي (هي أيضا بنت عمي) لجلب الماء. كنت أنا أستقر على متن الحمار الغريب الوافد، وكانت هي تتبعنا. كان الحيوان المسكين يستكشف المسرب الجبلي الضيق، بالنظر والشم، في ريبة بالغة. كانت في المسرب بعض الحفر مختلفة الأحجام تنفذ إلى أعماق الجبل، ولا يرى والمطل عبرها سوى دماسة الظلام (اسمها المحلي: هِيرَهْ، والجمع: اهْيِرْ). اعترضتنا واحدة، فأطل عليها الحمار الفضولي، ليشخر وينفر ويقفز فجأة، بحيث أوقعني من على ظهره. لحسن الحظ أنني لم أتدحرج إلى حضيض الوادي المطل عليه المسرب، ولم يقع عليَّ البرميلان المعدنيان (على أية حال من المتوقع أن يكون ضررهما خفيفا، لأنهما كانا فارغين).

نهضت وأعدنا البرميلين على ظهر الحمار. كنت قد أحسست بألم طفيف في يدي اليسرى وتشوه بسيط في شكلها. لكننا واصلنا طريقنا دون أن أعود إلى ظهر الحمار.

بعدما وصلنا العين وملأت زوجة أخي البرميلين، شعرت أن الألم أخذ يزداد، ولاحظت درجة من الانتفاخ، ولم أستطع معاونة زوجة أخي في وضع البرميلين على ظهر الحمار.

عندما عدنا إلى سكننا في “الدواميس” أخذني أبي إلى طبيب شعبي يسكن قربنا اسمه عمر الشيباني. كان هذا الطبيب متخصصا في تجبير الكسور وكان مشهودا له ببرء كل الكسور التي عالجها، على حين كانت تفشل بعض علاجات المستشفيات وأدت بعض حالات الفشل هذه إلى عمليات بتر!.

لحسن الحظ كان موجودا. فحص يدي وجسها بسرعة، ثم قال لأبي:

– هاذي مكسورة. بروا تو نلحقكم.

وقع الخبر عليَّ كالصاعقة. سرت خلف أبي وانخرطت في بكاء، ليس من الألم الذي لم يكن يستدعي البكاء، وإنما من مخاوفي مما سيسفر عنه الكسر. لم يلتفت إليَّ أبي ولم ينتبه إلى بكائي. فرفعت صوتي بالبكاء كي ألفت انتباهه. التفت إلي ونهرني بحدة:

– خيرك تُغْرُدْ؟!. شن صار؟!.

فاضطررت إلى الصمت.

*

لحق بنا عمر الشيباني. سوَّى أربعة قطع من جريد النخل وسأل أمي إن كان لديها جلد قديم. أحضرت أمي “مزودا” فقص منه حجما ملائما. ثم طلب منها أن تشعل نارا وتقلي شحما قديما في قليل من الزيت، لا أعتقد أنه طلب مادة أخرى. دهن الجلد بالزيت والشحم المذاب وثبت عليه قطع الجريد، تثبيت شخص عارف بدقائق شغله، وربطها على يدي، بحيث يمكن فتحها بطريقة فتح خيوط الحذاء. قال لأمي:
– كان زاد الوجع وانتفخت أكثر، افتحي عليه شوية هكي.

*
بعد ثلاثة أسابيع التقينا في عرس. تقدمت منه، فجس يدي (كان الوقت ليلا، فلم ينتبه إلى تقلصات وجهي لما ضغط على منطقة الإبهام، ولم أقل له بأنني أحسست بألم هناك، لأنني كنت مستعجلا على التخلص من الجبيرة). نزع الجبيرة، وبرئت يدي تماما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى