اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

يونيو وذكرى “جريمة ما ” في بنغازي

218tv.net خاص

محمد العجمي

في مقهى الديرة في شارع فرعي من سيدي حسين كان جالساً، ينفث دخانه المارلبورو بغضب، دخل صديقه وبدأ نقاشا وكأنه يزفر الكلمات زفراً…

الأول: شن الجو

الثاني: ماشية الحمدلله

الأول: تعرفه هاني؟

الثاني: هاني من؟

الأول (وهو يطفئ سيجارته الأولى): متاع الحافلة الزرقا خو عبد السلام

الثاني: عرفته

الأول: توفى اليوم، نقلوه الهواري وبعدين توفى في المستشفى

الثاني: الله يرحمه، مش كانوا يوتو للفرح

الأول (وهو يشعل سيجارة أخرى): الله يرحمه وخلاص

هذا شاب واحد من الشرطة العسكرية، من بين عشرات آخرين، لهم أسماء، وهوية، وأصدقاء، وبيت، وعائلة وكل شيء، قتلوا أمام كتيبة درع ليبيا بقيادة وسام بن حميد في الكويفية شرق بنغازي.

أتذكر إنني كنت متوجها إلى بنغازي مع صديقي في يوم السبت الأسود عندما اتصل بنا أهلنا يحذروننا من المرور عبر بوابة (سي خليفة) كانت بنغازي مشتعلة في ذلك اليوم، كان الاستنفار بادياً في وجوه العسكريين وهم يوجهون السيارات لطريق بوهادي مرورا بالهواري للدخول إلى المدينة من جهة مختلفة.

كانت المدينة كئيبة، على الرغم من دخول الصيف، يلف سماءها لون رمادي كئيب، وببدو الوجوم على وجوه المارة ورواد المقاهي، وكأن الموت عرف طريقه إلى النسائم التي تأتي من المتوسط.

بدأت الأحداث الدموية بمظاهرة أمام مقر درع ليبيا 1 سرعان ما تحولت إلى إطلاق نار استهدف المتظاهرين أمام الكتيبة ليسقط أكثر من أربعين قتيلا وما يزيد عن مائة وخمسين جريحاً وتبدأ سلسلة من التهرب من مسؤولية الجريمة.

تحقيقات وجدت طريقها إلى الأدراج، وتصريحات لم تحترم الدماء التي لم تجف هي ما لحقت الحادثة، وكانت النتيجة الوحيدة الملموسة خروج المجموعة المسلحة من مقرها وفقدان “زعيمها” لسلطته المزعومة في المدينة ليختفي من شوارع بنغازي زمناً، قبل أن يعود رافعا راية القاعدة.

قضية السبت الأسود في بنغازي تكررت مرة أخرى في طرابلس بمسمى آخر، وأعيدت بشكل غير مشابه مرات عديدة بالقذائف والاشتباكات التي قتلت المدنيين في بيوتهم ولم تنتظرهم ليتظاهروا ويقفوا أمام مقر كتيبة ما، في مشهد لم يبارح ليبيا منذ عام 2011 وحتى اليوم.

تنكأ الذكرى جرحا لم يشفى، جرح الدولة المفقودة، والمؤسسات المغيبة عمدا، لا يستطيع أحد أن يشير إلى مسؤول بعينه عن غيابها، لكن الشارع يدرك أن غيابها أتى ليحمي كل مجرم سلب روحا أو مالا، وليبقى طليقا لا في مكانه الطبيعي وراء القضبان.

يمر يونيو وهو لا يحمل أية بشرى لأم تمسك صورة ابنها الذي فقدته وهو يرفض الظلم المفروض على مدينته وبلده، ويدفع أخا لم يستطع أن يفرغ غضبه للبحث عن وسيلة يشبع بها غريزته في رد حق أخيه.

اليوم وبعد سنوات ست مرت على الحادثة التي أبكت بنغازي دما لفقدان شبابها، مازالت العدالة غائبة، العدالة التي تعني القضاء والقانون، لا القصاص والانتقام العشوائي، العدالة التي لا تستثني المشرعين والمسؤولين عن كل الفوضى التي أودت بحياة هؤلاء الضحايا عبثا، عدالة لا يمكن أن توجد على فوهات البنادق ولا يحملها الرصاص.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى