أخبار ليبيااهم الاخبار

مأمون الزائدي طموح نشر الوعي

الزائدي: اللغة كائن جبار ولا حدود للأفكار

مفتتح:

الحديث عن بعض الشخوص الليبية يحتاج الكثير من البحث، خصوصا إن كانت هذه الشخوص تعمل لوحدها دون مُعين لها، في زحمة الأزمات والفوضى، التي لم تكن عائقا على كل حال في طريقها.

مأمون الأمين الزائدي، المترجم الليبي كان من بين الأسماء الليبية التي فضّلت العمل والمثابرة بعيدا عن ضخب الأخبار وجديدها في عالم الكتاب والترجمة، ونادرا ما تجِد لهُ لقاءً يحكي فيه مأمون الزائدي عن نفسه، لإيمانه الكبير أن العُزلة يُمكنها أن تصنع الفارق مع النصّ المترجم، أو تكون موزاية مع صاحبه.

يحكي مأمون في سيرة غير موثّقة من قبل لموقع 218، بداياته وشغفه مع اللغة التي يقول عنها إنها كائن جبّار وشديد الدقة.

مأمون الزائدي. عضو سابق في مجلة بساط الريح
مأمون الزائدي. عضو سابق في مجلة بساط الريح

البدايات:

مأمون الأمين الزائدي: ولدت في مدينة طرابلس وقضيت طفولتي المبكرة في زاوية الدهماني جامع القبطان مركز الغولة والظهرة الشط السرايا والمدينة أو سوق المشير وباب الحرية. ودرست بمدرسة (دريببيكه) حتى الثالث ابتدائي ثم انتقلنا إلى طريق المطار وأكملت بمدرسة الشعب الابتدائية والإعدادية وكانت مدرسة نموذجية بها مكتبة وحصص للموسيقى.
ثم وقبل انتقالنا إلى مدينة الخمس تسكعت مبكراً في منطقة سوق الثلاثاء القديم حيث كان جدي يرحمه الله يسكن شارع المعري وعرفت وقتها شارع ميزران ومكتبة الفرجاني بشارع الوادي ومكتبات طرابلس القريبة الأخرى وميدان الجزائر والغزالة وغيرهما.

بيت جدي وهيمنغواي:

كان بيت جدي مكتبتي الأولى فقرأت ما تيسر من أمهات الكتب الدينية وكنت أزور المركز الثقافي في شارع عمر المختار بطرابلس. وأزور المكتبات لأقتني نسخاً خاصة بالناشئين عن أعمال هوغو وتشارلز ديكنز، قرأت في البيت أيضا كتباً لأخوالي كأعمال هيمنغواي وبيرل باك وألكسندر دوماس وغيرهم. وكان والداي رحمهما الله يشجعاني وإخوتي على القراءة والدراسة ويوليان اهتماما بهذا الشأن.

السجن الكبير:

انتقلت إلى مدينة الخمس في 1982 فراراً من عقوبة التجنيد الرسمي التي تعرضنا لها كردّ على التمرّد الذي حصل بمدرسة 2 مارس الثانوية. تأخرت أشهرا عن الدراسة بسبب تحويلي من طالب إلى جندي نظامي. الأمر الذي صعب انتقالي. ثم في الثانوية عوملت بمنتهى القسوة كوني قادماً من طرابلس من مدرسة متمردة وكانت الإدارة عسكرية وقتها. ثم عدت إلى طرابلس. لم تكن بالخمس المدينة الريفية البسيطة أي حياة عامة يمكن أن تندّس فيها وأضعت سنتين لأعيش زمناً يشبه طفولة والدي في الأربعينيات.

جامعة طرابلس
جامعة طرابلس

درست حتى نهاية الثمانينيات في جامعة طرابلس بكلية الطب البيطري. وعملت وأنا طالب في مكتب للترجمة القانونية بشارع الاستقلال وأتاح لي ذلك فرصة مختلفة للقراءة وجعلني أحب اللغات أكثر. حتى أني حاولت التسجيل بالمعهد الفرنسي القريب لكني لم أوفق لصعوبات مالية ودراسية.

وليس بخافٍ على أحد أن ليبيا كانت سجناً في تلك الفترة والجامعة كانت مرتعاً للقمع والصمت وحتى الجوع والعطش، انهمكت في الدراسة والقراءة وكانت حجرتي تُقتحم في غيابي لتفتيشها حتى جاء يوم صادروا فيه كل شيء ماعدا كتبي الجامعية باللغة الإنجليزية. أوجعني ذلك بشدة وشعرت بالضياع كنت قد جلبت مجلد الأعمال الكاملة لمحمود درويش بعد جهد جهيد وكنت تواقاً لقراءته. خسرت جهد 5 أو 6 سنوات من جمع الكتب. أدركنا مبكراً أن حياتنا مهددة فرجال الأمن المتخفّون بملابس مدنية كانوا ينتشرون بكثافة والكثير منهم طلاباً.

لم أدرك أني ممنوع من السفر حتى حاول صديق مساعدتي في استخراج جواز سفر وكان قد اقترح السفر للعمل معه بتجارة “الشنطة” الرائجة ذلك الوقت، وانتظرنا صدوره لسنوات ثم أبلغني أن هناك “تحفظاً عليك” بسبب أقاربك خارج البلاد وداخل السجن السياسي. ولم يفرج عنه حتى يوم “أصبح الصبح” المشهور.

الفصول الأربعة والتايم:

قرأت في الجامعة كنفاني وسميح القاسم ودرويش وجبران والأدب الفلسطيني بسبب المرحلة ومحفوظ والغيطاني وغائب فرمان وغيرهم ولكل كتابنا الليبيين الذين كانت مجلة الفصول الأربعة تقدمهم كهدية نفيسة ننتظرها بشغف شديد. قرأت أيضاً ترجمات قليلة من هنا وهناك وكنت أقضي بعض الوقت متعثراً في قراءة مجلة التايم الأمريكية. شكّلت الاستعارة من الأصدقاء مصدراً شحيحاً آخر.

ثم تعرّفت بالصدفة على الشاعر والكاتب عمر الكدي الذي أطلعته على أعمالي فنشرها وقتها بالملف الثقافي بصحيفة الجماهيرية ثم نشرت أول قصة بعنوان تقرير صحفي في مجلة الفصول الأربعة على صفحة الغلاف الخلفي الداخلي. كان ذلك سنة 1988.

وبدأت أتلمس طريقي نحو الكتابة التي اعتبرها فعل تغيير في صميمه. أو باختصار ما يصنع فرقاً.

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

أول تجارب الترجمة:

خضت تجربة الترجمة غير الأدبية منذ سنة 1990. وأول ترجمة أدبية لكتاب كامل كانت سنة 2016. أنجزت حتى الآن 11 كتاباً نشرت 6 منها فقط وأعمل حالياً على عدد من المشاريع التي أتمنى أن ترى النور قريباً.

“اللغة كائن جبّار وشديد الدقة. والكتابة هي ترويض هذا الكائن واكتساب مودته”.

من النصوص التي ترجمتها كانت رواية المكسيكية فاليريا لوزيللي ” قصة أسناني” ذات الوقع الخاص، فقد أحببت أسلوبها التهكمي والجاد بنفس الوقت وطريقتها في السرد وتوظيفها لشخصيات تاريخية كأصحاب أسنان. كما أن هناك قدراً كبيراً من الطرافة والإثارة معاً في دسّها لأسماء أدباء ومفكرين معاصرين كشخصيات عابرة داخل النص لها أدوار مغايرة للواقع.

انعدام دور النشر المحلية وصعوبات النشر عربياً ودولياً كلها عوامل تحدّ من أي طموح بل تمثل عرقلة وإحباط شديدين. هناك الكثير مما يجب أن يكون في متناول القارئ العربي كمّاً ونوعاً.

وعي الكتابة:

حاضر النشر لدينا سيئ ولكنه يشهد تحسناً وربما يتغير خلال الأعوام القادمة ولابد له من ذلك. وعلى الصعيد المحلي أتمنى أن يخوض الشباب تجربة إنشاء دور للنشر وأن يستفيدوا من خبرات من سبقوهم ليكون لنا باع في صناعة الكتاب وتوزيعه.

لحن ماثوركا وليبيا

أطمح لأن أقدم نصوصاً تسهم في جعل الإنسان واعياً بما أنجزه غيره وتدفع به إلى تجربة الكتابة بفاعلية أكثر.
لسبب ما أجد في رواية قرأتها منذ سنوات قليلة هي “لحن ماثوركا على ميتين” لكاميلو خوسيه ثيلا شيئاً من ليبيا. ليست أحداث الحرب الأهلية فقط بل ثقافة الناس وموقفهم منها.
لا أعترف بحدود للأفكار وأحب التأمل فإما أن تتلاشى الفكرة أو أدوّنها حتى أحولها إلى نص أو تبقى أبداً بكراسة الملاحظات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى