كتَـــــاب الموقع

مؤسسات الدولة ومؤسسات النظام

عمر أبو القاسم الككلي

بعد خروجي من السجن، بداية مارس 1988، كانت تواجهني إشكاليتان. الإشكالية الأولى، التكيف مع المجتمع بمستجداته، علما بأنني لم أكن متكيفا معه كثيرا قبل السجن، والتكيف في تعاملي مع النظام بوصفي مواطنا وكاتبا.

كان التكيف مع المجتمع ينطوي على سهولة نسبية، إذ يمكن للمرء أن يجد له مكانا في محيط يتسم بقدر معتبر من التجانس، ويتدبر أمره في تعامله مع المحيط الأوسع. ومن ناحية أخرى، لعله كان من حسن حظي أن وجدت عملا في جهة لا تعتبر مهمة من وجهة النظر الأمنية والسياسية للنظام، وهي “شركة النظافة العامة”، وقد حزت فيها على احترام العاملين معي ورؤسائي وتقديرهم، وربما أسهم هذا في عدم سعيي لنيل مناصب وامتيازات في العمل، وبذا لم يشعر أحد بخطورتي وأنني أنافسه في مسعى له.

في تعاملي العام مع الدولة توصلت إلى أن أضع لنفسي إطارا عاما يمكنني من التحرك داخله على نحو آمن. فقد قسمت المؤسسات إلى طائفتين: 1) مؤسسات الدولة. 2) مؤسسات النظام.

لم يكن لديَّ اعتراض مبدئي على التعامل مع الأولى. فهي مؤسسات تابعة للدولة من حيث هي إدارة شؤون المجتمع، حتى لو كانت الدولة دولة احتلال. فلو كنت طبيبا، مثلا، لا مانع لدي من أن أشتغل بصفتي هذه تحت دولة احتلال، وحتى لو كنت شرطيا، مثلا، لأن واجبي أن أقوم بحفظ الأمن. لكنني لن أدخل مع جهات الاحتلال في علاقة خاصة. وفي الحالة الثانية لن أتعامل مع مؤسسات النظام مطلقا، لأنها مؤسسات آيديولوجية مرتبطة بالنظام، توجد بوجوده وتزول بزواله.

بصفتي كاتبا، لم يكن لديَّ مانع مبدئي من النشر في الصحف الصادرة عن المؤسسة العامة للصحافة. لكنني لم أنشر بها على الإطلاق لأسباب أخرى لا تتعلق بالمبدأ. إلا أنني كنت أنشر بمجلتي “الفصول الأربعة” و “لا” الصادرتين عن رابطة الكتاب والأدباء الليبيين، لأنها مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني، ولأنني عضو من أعضائها، وبالتالي أعتبر أن لي فيها حصة تخصني ولا تخص النظام.

على حين أنني امتنعت عن النشر في مطبوعات مركز دراسات وأبحاث الكتاب الأخضر ومؤسسة الرفاق، وما إليها. وفي مرحلة ما امتنعت عن النشر أيضا في صحيفتي قورينا وأويا الصادرتين عن مؤسسة ليبيا الغد. لكنني اضطررت، بسبب مروري بظروف اجتماعية صعبة، إلى التنازل والنشر في صحيفة أويا، لأنه، إضافة إلى سبب الحاجة، فإن مؤسسة ليبيا الغد شركة إعلامية وليست مؤسسة آيديولوجية من مؤسسات النظام.

وأعتقد أن هذا التمييز وفر لي استقلالية تامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى