مقالات مختارة

انتخابات بريطانيا.. هل يكفي الفوز؟

بهاء العوام

أول استطلاع للرأي أجري بعد قرار البرلمان البريطاني إجراء انتخابات عامة مبكرة قبل أعياد الميلاد، لم يكن السؤال فيه حول الحزب المرشح للفوز، وإنما حول توقع السكان لمستقبل المملكة المتحدة بعد عشر سنوات. ستون بالمئة من البريطانيين قالوا إن البلاد لن تبقى على حالها بعد عقد من الزمن.

في برامج الأحزاب ما يبرر هذه التوقعات. والخوف من الخروج هو ملهم الأصوات المروّجة لاحتمال تفكك المملكة المتحدة. وخاصة إذا ما حصد المحافظون أكثرية برلمانية تسمح لهم بتمرير بريكست، عبر الصفقة التي أبرمها رئيس الوزراء مع بروكسل في شهر أكتوبر الماضي.

الحزب القومي الإسكتلندي لم يراوغ في إعلان نيته إجراء استفتاء جديد على استقلال الإقليم عن بريطانيا مرة أخرى في حال طلاق لندن وبروكسل. كما أن سكان إيرلندا الشمالية يمكن أن يظهروا مرونة أكثر إزاء الوحدة مع الجارة الجنوبية إذا كان الخروج سوف يعيد الحرب الأهلية بين شقي الجزيرة الإيرلندية.

كل ما يتعلق بتفكك المملكة المتحدة بعد الخروج لا يزال مجرد هواجس وأفكار. ربما ينطوي الحديث عنها اليوم على كثير من الدعاية السياسية للأحزاب والكتل المؤيدة للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي. لكنها تبقى مخاوف مشروعة لأشخاص كانوا يظنون أن لندن لن تغادر الاتحاد الأوروبي أبدا.

في السيناريوهات القريبة، وهي جل ما يشغل بال الأحزاب البريطانية اليوم، يبرز تساؤل واحد تدور في فلكه جميع عناوين برامج الأحزاب، وهو باختصار كيف يمكن لأنصار الخروج مقاربة الانتخابات المقبلة من زوايا جديدة؟ ما الذي يمكن أن يغري هؤلاء للتصويت لصالح أحزاب مؤيدة للبقاء؟

ربما يكون التخويف من تفكك المملكة المتحدة بعد بريكست، أحد دوافع المؤيدين للخروج إلى التصويت ضد الأحزاب العازمة على تنفيذه. وربما تحمل برامج الخدمات والإنفاق والاقتصاد والعمل التي تقدمها الأحزاب المؤيدة للبقاء، إغواء كافيا للتمعن قليلا قبل التصويت للمحافظين أو البريكستيين.

ثمة محاولات جادة من حزب العمال تحديدا لدفع المؤيدين للخروج إلى المفاضلة بين طلاق لندن وبروكسل، وبين واقع اقتصادي وخدمي أفضل للبلاد عموما وللطبقة العاملة والمتوسطة بشكل خاص. برامج تأميم وأخرى لزيادة الأجور وثالثة لضرائب على الأثرياء ورابعة للصحة وخامسة للإنفاق العام.

كل ذلك يبدو مغريا بالنسبة للمهنيين والحرفيين والطلاب وصغار الموظفين. وكل ذلك قلص الفارق بين حزب العمال والحزب الحاكم في بعض استطلاعات الرأي إلى خمسة نقاط لصالح المحافظين، بعدما كان يُتوقع فوزهم على العمال بفارق يزيد على ثلاثة أضعاف هذه النسبة قبل شهر واحد فقط.

بعض استطلاعات الرأي المحلية التي تشمل دائرة انتخابية واحدة أو اثنتين على الأكثر، تتوقع فوز العمال بفارق قليل من الأصوات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. قد يصعب تعميم هذه النسبة على كامل الدوائر الانتخابية في البلاد. ولكن توقعات هذه الاستطلاعات لا تبدو ضربا من ضروب الخيال.

تقلص الفارق أو انعدامه في استطلاعات الرأي، يزيد من المنافسة الديمقراطية بين الحزبين الرئيسيين في الحالات العادية. ولكن في هذه الانتخابات تحديدا ينطوي غياب الفارق على سلبية قد تجلب تداعيات كثيرة على البريطانيين. سلبية تتمثل في فوز أي من الحزبين بأقلية لا تكفي لتشكيل الحكومة.

الحكومة الائتلافية ضعيفة. وآخر ما يحتاجه البريطانيون بعد الانتخابات القادمة هو حكومة ضعيفة لا تستطيع اتخاذ القرارات وتمريرها تحت قبة البرلمان. على رأس هذه القرارات طبعا تحديد العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، إما بمغادرة التكتل، أو العدول عن فكرة الخروج وإلغاء نتائج استفتاء 2016.

تشكيل المحافظين لحكومة ائتلافية يبدو أكثر صعوبة وأكثر سوءا من حكومة ائتلافية يرأسها العمال. أكثر صعوبة لأن ليس بين أحزاب البرلمان من يريد الخروج إلا الحزب الوحدوي الإيرلندي، الذي تجمعه تجربة سيئة في التحالف مع المحافظين ولديه تحفظات كثيرة حول صفقة بوريس جونسون للخروج.

أما أكثر سوءا فلأن العمال، والبقائيين عموما، سيعطلون أي فرصة لتنفيذ الخروج وسيبقون البلاد معلقة وأزمة بريكست مفتوحة لسنوات أخرى. وهذا بطبيعة الحال سيجر على المملكة المتحدة ويلات اقتصادية وسياسية كثيرة، لتصبح بريطانيا أمام خيارات صعبة أهونها اللجوء إلى الانتخابات مرة أخرى.

إذا فاز حزب العمال بأكثرية عاجزة، فهو مجبر على تحالف حكومي يجمعه مع أحزاب تؤيد إلغاء الخروج تماما. وبعيدا عن رفض نسبة لا بأس بها من قاعدة العمال لهذه الخطوة، يمكن لحزب المحافظين مقاومة هذا الخيار في البرلمان بقوة كبيرة، وخاصة إذا ما كان الفارق بينه وبين العمال أصواتا قليلة.

الحكومة الائتلافية سواء برئاسة العمال أو المحافظين، ستبقي أزمة بريكست لعدة سنوات. لك أن تتخيل ماذا يعني ذلك، إن كانت ثلاث سنوات فقط بعد استفتاء 2016 قد أوصلت الجنيه الإسترليني إلى حدود الدولار، وحولت بريطانيا من بيئة جاذبة إلى منفرة وطاردة للاستثمارات الأجنبية والمحلية.

مراوحة أزمة الخروج في مكانها لبضع سنوات أخرى، لا تؤثر على الاقتصاد فقط وإنما على وحدة البلاد ومستقبلها أيضا. وإذا كان ستون بالمئة من البريطانيين اليوم يتوقعون انقساما في بلادهم بعد عشر سنوات، فإن تأخر حسم مصير الخروج لثلاث سنوات أخرى، قد يحقق نبوءة رئيس وزراء بريطانيا الأسبق غوردن براون، ويكون بوريس جونسون آخر رئيس وزراء للمملكة المتحدة.

المصدر
العرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى