مقالات مختارة

ليبيا والأطماع التركية

محمد حسن الحربي

شهدت الأسابيع القليلة الماضية حالة شد وجذب بين تركيا والجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، بعدما أمر قواته باستهداف السفن التركية في المياه الإقليمية الليبية، وكافة الأهداف الاستراتيجية التركية على الأراضي الليبية، وذلك في رد على (غزو تركي غاشم) تتعرض له ليبيا. وآخر المستجدات إبرام اتفاقية بين (حكومة الوفاق) في ليبيا وتركيا، وقع عليها الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء عن (حكومة الوفاق) فايز السراج.

تضمنت شقين: الأول عسكري ويسمح لتركيا العمل على الأرض الليبية، والثاني بحري ويسمح للسفن العسكرية التركية دخول المياه الإقليمية الليبية. لكن هل هذه الاتفاقية سليمة قانونياً؟ لا، جواب ذكره كثيرون وذهبوا إلى أن الاتفاقية تخالف البند 8 من اتفاق الصخيرات الذي توافق عليه الأطراف الليبية برعاية الأمم المتحدة، في مدينة الصخيرات في المغرب، في 17 ديسمبر عام 2015م، حيث لم يعطِ البند الحق لرئيس حكومة الوفاق التوقيع منفرداً على أي اتفاقية خارجية، لذلك اعتبرت هذه الاتفاقية غير سلمية، نظرا لتأثيرها على مصالح الطرف الثالث، كمصر واليونان وقبرص، أقله في البحر.

لكن بعيداً عن المشكلات السياسية والاقتصادية التي تواجهها حكومة أردوغان في الداخل، وتعمل على تصديرها إلى الخارج، كنوع من الهروب وإشغال الرأي العام التركي بها، بدلاً من قضايا ملحة أكثر جدوى. وبعيداً عن العقوبات الأوروبية ضد تركيا بسبب عمليات التنقيب في مياه تعتبرها قبرص جزءاً من مياهها الاقتصادية الخالصة، احتياطاتها من الغاز 227 مليار متر مكعب.

وبعيداً عن جعل جمهورية مصر العربية هدفاً تريد تركيا النيل منه، لأن مصر أفشلت مشروع الإسلام السياسي الذي رعته تركيا في مصر والمنطقة، وبعيداً عن حالة التوتير التي تسهم بها تركيا في المنطقة الخليجية. بعيداً عن هذا كله، نطرح سؤالاً جوهرياً وهو: ما الذي تريده تركيا بالضبط من ليبيا؟ ولماذا تحرص تركيا على وجود ما في هذا البلد العربي ويفصلها عنه بحر كامل؟

يعلم الجميع أن ليبيا تمتلك أكبر احتياطيات نفطية في العالم، ولذلك فهي مغرية اقتصادياً وتجارياً، وبإمكان أي دولة في العالم أن تتعامل معها معاملة الند للند في اتفاقيات وشراكات استراتيجية وعلى أكثر من مستوى، فمشروعات كهذه على الرغم من أهميتها وضرورتها لليبيا في المرحلة المقبلة، فإن ليبيا الحالية وفي الراهن الذي تعيشه، ليست في وارد مثل هذه المشروعات.

ليبيا تهتم اليوم بمشروع واحد هو: تحرير البلاد من الإرهاب والمليشيات المتفلتة، وبسط سيادتها على كامل أراضها ومواردها، وبناء الدولة الحديثة، وإعادة هيبتها ومكانتها اللائقة بها في المنطقة والعالم. وبالتالي فإن المراقب يفهم أن تركيا عينها مركزة على استثماراتها في مشروعات هي على المحك في ليبيا.

فبحسب تقرير وكالة (بلومبيرج) الأميركية، فإن تركيا تدعم حكومة السراج لإنقاذ تلك المليارات الدولارية التي دخلت في مأزق بسبب الصراع، إضافة إلى أنها تريد تأمين مزيد من النفوذ في التدافع على النفط والغاز في البحر المتوسط. وقال مسؤولان تركيان للوكالة – يلومبيرج: إن هدف تركيا الأساسي من دعم السراج هو ضمان أنها ستصبح قادرة عملياً على استئناف مشروعات الإعمار التي تقدر بنحو 18 مليار دولار، ودعمها لحكومة الوفاق ثانياً سيسهل عليها ترسيم الحدود البحرية، وتوسيع مناطقها الاقتصادية الحصرية، وتقوية يدها في منافسة السيطرة على مصادر الطاقة، وإمدادات الطرق في شرق البحر المتوسط.

إن تركيا بما تقوم به تهدف إلى إطالة عمر الصراع في ليبيا، فهي المسؤولة عما أوردته الأمم المتحدة في تقاريرها، فقد بلغ عدد القتلى في ليبيا حتى الآن 1000 قتيل، وإصابة ما يزيد على 4000 جريح، فيما وصل عدد النازحين إلى 100 ألف شخص. ختاماً نسأل: هل الضغوط الحالية على الجيش الوطني الليبي تأتي في إطار دفعه لحضور المؤتمر الدولي الذي تسعى ألمانيا إلى عقده برعاية أوروبية؟ أم إننا، وطرابلس على وشك أن تكون في قبضة الجيش الوطني الليبي، أمام حالة تشبه إلى حد بعيد حالة الحديدة اليمنية، حينما كانت على وشك السقوط في قبضة الجيش الوطني اليمني؟

المصدر
صحيفة الاتحاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى