اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

بغداد وطرابلس.. بعد جغرافي وتجربة مماثلة (8)

حيدر حسين علي

من ركام بغداد ودروسها وعبرها عسى أن تنهض طرابلس وتتعض، نعم فما تمر به ليبيا من سيناريو مشابه للسيناريو الذي مر ولا يزال يمر به العراق، فالليبيون في نفق مظلم مجاور لنفق نظرائهم العراقيين رغم بعد المسافة الجغرافية بين البلدين إذ لم يكن كلا السيناريوهين متطابقين بالمرة.

ونستمر في هذه الحلقات البسيطة غير الغزيرة بالإحصائيات أو التواريخ المعقدة على القارئ والمعتمدة على الذاكرة، ونقارن بين الحالتين ونقترح الحلول التي كان يجب أن تقدم للحيلولة دون تفاقم الأوضاع.

الحلقة الثامنة

أين الزراعة يا قادة ليبيا والعراق؟

في هذه الحلقة لن نتطرق كالعادة إلى أية إحصاءات وسنكتفي بالقول إن أبرز ما يميز ليبيا والعراق هو وفرة المساحات الصالحة للزراعة في كلا البلدين، فضلا عن كثرة الأراضي القابلة للاستصلاح أيضا في ظل وجود نهرين في العراق هما دجلة والفرات وآبار مياه جوفية عديدة في ليبيا تكفي لسقاية هذه الأراضي.

وبالتطلع إلى واقع حال العراق قبل العام 2003 نجد أن البلاد لم تكن تستورد أية محاصيل زراعية أو حبوب إلا في حالات نادرة، وذات الحال ينطبق تقريبا على ليبيا، كذلك الأمر مع الثروة الحيوانية التي ترتبط إلى حد كبير بالواقع الزراعي.

ولن نتعمق في مسألة ما يعانيه القطاع الزراعي الليبي ومن قبله العراقي من مشاكل أبرزها تقلص المساحات الصالحة للزراعة لمصلحة مشاريع أخرى سكنية وغير سكنية، بل سننتقل مباشرة إلى وضع تصور للمعالجة بعد أن نعرض واقع حال الزراعة في العراق والدروس الواجب على ليبيا الاستفادة منها.

فالعراق يعاني منذ العام 2003 من احتلال كامل للمنتجات الزراعية القادمة من دول أخرى على حساب الناتج المحلي الذي وجد نفسه في موقف عدم القدرة على المنافسة؛ لكون ما يتم إنتاجه منه لا يكفي؛ لتزايد الطلب من جهة ولأن أسعاره باتت مرتفعة من جهة أخرى بسبب رخص ثمن المستورد الذي لا يخضع للجمارك.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد إذ لا يوجد أي تشجيع أيضا من جانب الدولة التي لم تعد كالسابق داعمة المزارع بالبذور والأسمدة والمبيدات، وذات الحال ينطبق على مُربّي الثروة الحيوانية الذين لا يجدون أي دعم لهم من أي جهة رسمية.

ولضمان عدم انزلاق ليبيا لما انزلق إليه العراق الذي كان يحقق الاكتفاء الذاتي في مجال المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية بكافة مفاصلها بما فيها السمكية، فإن القائمين على الأمر في ليبيا بعد أن يحسموا ملف تأمين البلاد بكافة مفاصلها وينهوا الانقسام السياسي القائم منذ العام 2014، يجب أن يباشروا بعدة خطوات أولها تشكيل المجلس الأعلى للزراعة والثروة الحيوانية وذات الحال ينطبق على العراق أيضا.

يتولى رئاسة هذا المجلس وعضويته خبراء محليون وعرب وأجانب في حال اقتضت الحاجة لوضع سياسات عامة تضمن تحقيق ليبيا اكتفاءها الذاتي من الحبوب والفواكه والخضروات والتي تتم من خلال خطط آنية ومتوسطة وطويلة الأمد.

ويكون تطبيق الخطة الأولى خلال أمد زمني لا يتجاوز الشهر الواحد ويتضمن إعداد إحصاءات مفصلة بكافة الأراضي الزراعية الموجودة المستصلح منها وغير المستصلح، ومن ثم المتجاوز عليها رسميا بتحويل جنس عقارها أو بشكل غير رسمي.

ويتم كذلك الاستناد إلى الإحصاءات الرسمية لحجم الأراضي الزراعية المستصلحة قبل العام 2011 في ليبيا وقبل العام 2003 في العراق ومقارنة ما موجود منها الآن وربطه بحجم الزيادة السكانية أيضا، وفقا لتقديرات لإحصاء السكن لعدم وجود تعداد سكاني في كلا البلدين.

ويكون تطبيق الخطة المتوسطة الأمد على مدار عام، وتتضمن استصلاح الأراضي غير المستصلحة وتوفير الدعم للمزارعين في المستصلحة منها من خلال عدة مسارات وهي فرض الجمارك على المستورد من الخضروات والفواكه لتمكين المنتج الوطني من الظهور بسعر رخيص نسبيا، مع مراعاة الكميات المطلوبة فعليا وهل أن الإنتاج الزراعي المحلي يكفي أم لا ليصار إلى إعفاء الكميات المطلوبة لموازنة الحاجة من الضرائب حتى يتحقق الاكتفاء الذاتي، فضلا عن تقديم هذه المنتجات بأسعار مدعومة للفئات المتوسطة والفقيرة عبر آليات مختلفة منها الدعم النقدي أو التوزيع عبر الجمعيات الاستهلاكية.

ويتم بعد نهاية الخطة طويلة الأمد البالغة 5 أعوام تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتوجات المحلية وتصدير ما يفيض منها إلى الدول الأخرى.

وفي الحلقة القادمة سنستعرض مشاكل القطاع الصناعي في ليبيا والعراق وسبل النهوض بواقعه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى