اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

2018 سنة حرب الغاز بامتياز..

رمزي الجدي

– هل يتسبب غاز شرق المتوسط بصراع في المنطقة؟
– هل يستطيع التحالف التركي اللبناني ان ينجح امام التحالف الرباعي بين إسرائيل وقبرص واليونان ومصر؟
– ما حقيقة تنازل مصري عن حقوقها في حقل هوليفاثيان لاسرائيل، مقابل اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص و اليونان؟
– هل تنجح القاهرة في ان تتحول الي مركز إقليمي للطاقة في منطقة شرق المتوسط بديلا عن تركيا الطامحة بدورها للعب هذه الدور؟

الحديث عن حرب الغاز تكرر كثيرا خلال السنوات الأخيرة و لكن خلال عام 2018 أصبح يتمحور صراعا حقيقيا في منطقة شرق المتوسط في ظل التطورات المتلاحقة التي تشير إلى إمكانية تحول ملف الغاز الطبيعى المكتشف فى شرق البحر المتوسط إلى فتيل لتفجير صراع مرير على الموارد مع تصاعد وتيرة التوتر بين دول شرق المتوسط.

فقد سببت اكتشافات الغاز في منطقة شرق المتوسط لتصاعد حدة التوترات الإقليمية وتغير خريطة التحالفات وتصاعد التحفز العسكري بين مختلف الأطراف في المتوسط, فبعد ان كشفت هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية في تقريرها الذي يشير أن المنطقة البحرية الممتدة بين لبنان وقبرص و مصر تحوي أكثر من 340 تريليون قدم مكعب من الغاز، بدأت تتحوّل معه دول عديدة في المنطقة إلى بلدان نفطية، نظراً لما تختزنه مياهها الإقليمية من حقول ضخمة للغاز, و معها ظهرت صراعات جديدة في المنطقة حول ترسيم الحدود, فقد أعلنت تركيا عن عزمها تقديم طعن في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المُوقَّعة بين مصر وقبرص في العام 2013، ووصفتها بغير القانونية، و إنها تنتهك الجرف القاري التركي، محذرة أنه لا يمكن لأي دولة أجنبية أو شركة أو حتى سفينة إجراء أبحاث والقيام بالتنقيب عن النفط والغاز في الجرف القاري التركي والمناطق المتداخلة معه، و قد رفضت مصر هذه التصريحات مؤكدة أنه لا يمكن لأي طرف أن ينازع في قانونية الاتفاقية، فقد اكتشفت شركة “إيني” الإيطالية في عام 2015 حقل “ظهر” الذي يقع داخل المنطقة المصرية الاقتصادية في البحر المتوسط، ويبلغ حجم احتياطاته ثلاثين تريليون قدم مكعب، ويُعد أكبر اكتشاف للغاز الطبيعي في مصر والبحر المتوسط.

ومؤخرًا اكتشفت “إيني” الإيطالية بالتعاون مع “توتال” الفرنسية في فبراير 2018 حقل “كاليبسو” في المنطقة المتنازع عليها بين قبرص وتركيا, كما اكتشف في عام 2010 حقل “ليفاثان” الذي يقع على مسافة 135 كلم من شواطئ شمال مدينة حيفا، بالإضافة إلى اكتشاف حقل “غزة مارين” بواسطة بريتش بتروليوم على مسافة 36 كلم من شواطئ قطاع غزة، بالإضافة إلى حقل غاز “أفردويت” على مسافة 180 كلم جنوب غر ب قبرص.
و بسبب هذه الاكتشافات رفضت تركيا اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين قبرص وإسرائيل في عام 2010، وتشير التقديرات إلى أن هذه المنطقة تقوم على بحيرة من الغاز تكفي لسد حاجة الأسواق الأوروبية لمدة 30 عامًا، وهو ما تأكد بعد اكتشاف حقل “تمار” من قبل شركة نوبل إنرجي الأمريكية في عام 2009، ويخضع هذا الحقل لسيطرة الحكومة الإسرائيلية, و قد حذر الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان في فبراير 2018 ” من المساس بالحقوق السيادية لتركيا على سواحل شمال جزيرة قبرص، مهددًا باستخدام القوة العسكرية، ” قائلًا: “نحذّر من يتجاوزون حدودنا في بحر إيجه وقبرص، ويقومون بحسابات خاطئة مستغلين تركيزنا على التطورات عند حدودنا الجنوبية, ان حقوقنا في دفاع عن الأمن القومي في منطقة عفرين في سوريا هي نفسها في بحر إيجه وقبرص”.

و قد قامت فعلا سفن حربية تركية في فبراير 2018 بمنع السفينة سايبم التابعة لشركة إيني الإيطالية، من ممارسة أعمال الحفر والتنقيب في حقل “سوبيا” بالمنطقة الواقعة جنوب شرق قبرص و المعروفة بالمنطقة 3, و قامت الحكومة الإيطالية بنقل وحدة عسكرية إلى هذه المنطقة لحما شركة اعمال ايني , بعد هذا التصعيد صرح “كلاوديو ديسكالزي” الرئيس التنفيذي لشركة إيني في 22 فبراير 2018، قائلًا: “إن من المرجح جدًّا أن يتم تحريك سفينة الحفر في الأيام المقبلة إلى موقع جديد، ربما يكون المغرب”.

و في نفس المنطقة ظهر نزاع جديد بين لبنان وإسرائيل بعد ان طرحت بيروت مناقصة للتنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 9 البحري، وقال وزير الطاقة اللبناني سيزار أبي خليل إن النزاع مع إسرائيل لن يمنع لبنان من الاستفادة من الاحتياطيات المحتملة تحت البحر في منطقة الامتياز 9 محل النزاع، بينما قالت شركة توتال الفرنسية إنها ستحفر أول بئر في الامتياز قرب المنطقة المتنازع عليها.

و الاستثمار يضم توتال الفرنسية (40%) وإيني الإيطالية (40%) ونوفاتك الروسية (20%) لمنطقتي الامتياز، وهما من بين خمس مناطق طرحها لبنان في أول جولة.

وهو ما رد عليه وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان خلال مؤتمر حول الأمن في تل أبيب بالتهديد علنا بقوله: “عندما يطرحون عطاء يخص حقلا للغاز يشمل الامتياز 9 الذي هو ملك لنا بكل المقاييس…

فإن هذا يمثل تحديا سافرا وسلوكا استفزازيا”, وتقدر المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل بحوالي 854 كلم مربع، و قامت البحرية الإسرائيلية فعليا بمنع سفن التنقيب عن الغاز من العمل في المياه الإقليمية اللبنانية, و عقد اجتماع لمجلس الدفاع الأعلى في لبنان في فبراير 2018 و صرح “أنه يمنح الغطاء السياسي للقوى العسكرية لمواجهة أي اعتداء إسرائيلي على الحدود في البر والبحر”, و سارع الأميركيون إلى التوسط بين الجهتين، وجاء ديفد ساترفيلد -مساعد وزير الخارجية الأميركي- إلى المنطقة لاحتواء الأزمة التي قد تنفجر أي وقت.

وفي النهاية اقترح ساترفيلد تقسيم الحوض بحيث يحصل لبنان على 60% منه مقابل 40% لاسرائيل.
تسراع الاحداث في شرق المتوسط بسبب هذا الغازي المكتشف ينبئ بان القادم اسواء, صحيح ان أعمال التنقيب والحفر في هذه المنطقة بدات في عام 2009، لكن النزاع حول اعادة ترسيم الحود للظفر بجزء من هذه الثروة لم يحتدم بشكل واضح إلا خلال هذا العام, فظهرت تحالفات جديدة بين الشركات الدولية فيما يخص هذه المنطقة، على رأسها الشركات الأمريكية و الايطالية و الفرنسية و الروسية و الانجليزية متمثلة في نوبل إنرجي، وإكس موبيل، والإيطالية إيني، والفرنسية توتال، والروسية نوفاتك و بي بي البريطانية، بالإضافة إليشركة كوجار الكورية الجنوبية، والإسرائيلية ديليك.

تعتبر حقول الغاز الطبيعي المكتشفة في شرق البحر المتوسط فرصة استراتيجية لأوروبا، خاصة أن اعتماد أوروبا بشكل كبير على الغاز الروسي الذي أصبح يستخدم كأداة ضغط من قبل روسيا و يمثل تهديدًا لأمن الطاقة الأوروبي, و تسعى تركيا إلى ان تستثمر موقعها الجغرافي لكي تتحول كمركز نقل الغاز الطبيعي لاروبا، فقد قامت سابقا ببناء خطوط نقل الغاز الطبيعي من روسيا وإيران وأذربيجان وقبرص وإسرائيل إلى أوروبا، ويأتي على رأس هذه المشروعات “السيل التركي” الذي يهدف لنقل الغاز من روسيا إلى أوروبا عبر تركيا، ويبدو أن تركيا باتت ترغب أيضًا في أن تتحول إلى مصدر للطاقة من خلال سيطرتها على الغاز الذي يحيط بالجزيرة القبرصية.

وفي هذا السياق، بدأت تركيا في توسيع نفوذها في البحر الأحمر بعد تحركها للحصول على امتياز بميناء سواكن السوداني، وذلك في إطار سعيها لمد وتوسيع نطاق نفوذها في سوق الغاز العالمي , و تحاول مصر بدورها ان تنافس تركيا في هذا السياق خصوصا بعد توقيع اتفاقية الغاز الجديدة مع اسرائيل, و قد صرح “طارق الملا” وزير البترول والثروة المعدنية المصري في فبراير 2018 قائلًا: “نسعى لتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز والبترول يكون بمثابة مركز إقليمي استراتيجي للطاقة من خلال إنتاج هذه الطاقة من موارد مصر أو عبر استيرادها من الدول المجاورة لتلبية جانب من احتياجات السوق المحلى حال الاحتياج إليها, و قد وقعت مصر صفقة مع اسرائيل وصفتها الحكومة الإسرائيلية بأنها صفقة “تاريخية” تقدر بمليارات الدولارات لتصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، تزود بموجبها إسرائيل 64 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي لمصر في صفقة وصفها وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينيتص بأنها “ستجعل إسرائيل لاعبا في مرافق الطاقة الإقليمية،” وفقا لما نقلته هيئة البث الإسرائيلية. و تمتد لعشر سنوات وتبلغ قيمتها 15 مليار دولار، و أنها تعتبر أكبر صفقة بين البلدين منذ توقيع معاهدة السلام.

ان نشوب مواجهات عسكرية في هذه المنطقة امر مستبعد و لكن يظل احتمال قائم، فبالرغم من قيام تركيا بالتلويح باستخدام قوة عسكرية، صرحت قبرص بأنها لا ترغب في الدخول في اي مواجهات عسكرية، كما أن إسرائيل لن ترغب في تحمل تكلفة خوض حرب جديدة في لبنان خاصة في ظل تعقد الأوضاع في قطاع غزة والضفة الغربية, و قد بدات فعليا الوساطات الدولية للوصول لاتفاق نهائي، حيث إن احتياطي الغاز المكتشف في هذه المنطقة له أهميته في تغطية احتياجات السوق العالمي للطاقة، وعليه، فإن قوى دولية ستتحرك لتأمين إنتاجها، وبالفعل بدأت الولايات المتحدة في ممارسة دور الوسيط بين لبنان وإسرائيل، كما أعلن الاتحاد الأوروبي تأييده للموقف القبرصي واليوناني في الخلاف مع تركيا, في حين ان اسرائيل وقعت اتفاق في عام 2017 مع كل من إيطاليا واليونان وقبرص لبناء خط لنقل الغاز تحت الماء من الحقول المنتجة في شرق المتوسط إلى أوروبا، إذ تعهدت إسرائيل وإيطاليا واليونان وقبرص بالمضي قدما في مشروع مد أطول خط أنابيب للغاز في العالم تحت البحر، والذي سيمتد من شرق البحر المتوسط إلى جنوب أوروبا، بدعم من الاتحاد الأوروبي.

و حسب موقع “هافينتون بوست” في نسخته العربية، فإن تكلفة مد خط الأنابيب هذا تقدر بـ 6,2 مليار دولار، ولدى إنجازه سيكون قادرا على نقل الغاز من الحقول المكتشفة حديثا في إسرائيل وقبرص إلى أوروبا، وسيقلل من اعتماد القارة الأوروبية على الطاقة الروسية في وقت يسود التوتر العلاقات بين هذين الطرفين.

يشهد شرق المتوسط حربا باردة بعنوان الغاز الطبيعي، من خلال مد خطوط الأنابيب والوصول إلى أسواق كبرى، وخصوصا على مستوى أوروبا.

معظم الخبراء يؤكد أن عصر الغاز بدأ وأن من أسباب الحرب السورية الطاحنة أيضاً محاولة للسيطرة على أحد أوسع أبوابه انطلاقاً من شرق المتوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى