اهم الاخبارمقالات مختارة

عن شخوص أعمال رؤوف مسعد

رؤوف مسعد

أولا :بيضة النعامة

لا أختلف عن معظم الكتاّب في استجلاب شخوصي الروائية والقصصية من الحياة، حياتي الخاصة أو من التقي في الحياة بشكل عام.

بعض شخوص بيضة النعامة مثل خيرتي وجوديث وعم ربيع المراكبي الاسوانلي كما معظم شخوصها الأخرى هي من خزين ذاكرتي.

مدين أنا في بيضة النعامة لكل من خيرتي وجوديث فلولاهما لما ذهبت إلى البر الغربي لمدينة الأقصر ولما استقريت في فندق ” هابو ” ولما اكتشفت معبد ” مدينة هابو ” ولما ذهبت إلى نقادة أصلا ..الخ بل ولعلي لما كتبت بيضة النعامة ؟!

لا أعرف ولست متأكدا من أن (الروايات والأعمال الفنية الإبداعية بشكل عام) هي أجنة تنتظر الولادة عند المبدعين .

أقول لست واثقا من هذا وان كنت أؤمن بما يُسمى الدفة ” المدبرة ” وكلاهما على العكس من بعضهما(!)

فتعرفي بخيرتي وجوديث حينما قدما إلى مصر في رحلة لهما تشبك العلم والبحث بالسياحة ..جاءت عن طريق سلسة من الصدف ( هل هناك صدفة بالفعل أم انه مرتب ترتيبا دقيقا) ؛ فقد عرفتني بهما الملحقة الثقافية لسفارة هولندا آنذاك والتي عرفني بها صديق صحافي هولندي هو “هارم بوتشيه ” الذي تعرفت عليه عندما كنت أعمل في جاليري سفر خان بالزمالك العائد إلى روكسان أرملة شهدي التي عرفني عليها صنع الله الذي تعرفت عليه في الواحات من خلال القلش الذي كان يقيم في زنزانتي بالواحات ..الخ ..الخ .. هذه سلسلة متواصلة الحلقات ومحكمة !

كنت – كما قلت في العديد من اللقاءات الصحافية – إني قدمت إلى مصر بعد غيبة سنه متواصلة .. ولم أكن انوي الإياب إلا بعد أن أصبح سقوط بيروت الغربية في أيدي الجيش الإسرائيلي أمرا حتميا ؛ فقررت الخروج من لبنان متبعا حدسي الداخلي بأن لا أتوه مع الفلسطينيين في منافيهم لسببين : أن لي وطنا حتى ولو لم أكن ” أحبه ” ثانيا أني أؤيد الفلسطينيين لكن لا أعمل “عندهم أو معهم ” أي أن تكون لقمة عيشي حرة القرار . وطوال إقامتي بالخارج لم اقبض “فلسا ” واحدا من الفلسطينيين لا من مجلاتهم أو أي من “مكاتبهم وأنشطتهم ” بالرغم من تأييدي لهم قلبا وقالبا وبكثير من الانتقاد المتواصل أبدا .

هكذا قفلت عائدا إلى مصر محبطا ومهزوما بشكل شخصي ؛ مضطرا العودة إلى “مكان ” ليس لي فيه أهل كثيرين أو أصدقاء أيضا .. لكن لا مفر من العودة إليه.

ثم كرت السلسة التي أشرت إليها لأجد نفسي مع الفتاتين في سيارتهما اللاند روفر نتجه إلى الصعيد إلى الأقصر بالتحديد حيث ترسم خيرتي لوحاتها مستوحية الفن الفرعوني وتقوم جوديث بدراستها عن ” آثار البحر المتوسط “.

في غرفتي الصغيرة بفندق “مدينة هابو ” كتبت السطور الأولى لبيضة النعامة وواصلت كتابتها حتى قبل أسابيع من نشرها أي حتى عام 1994 – رياض الريس .

المشهد الطقسي في المعبد ” استوحيته ” من معبد هابو ومن معماره مع بعض التطويرات والتحويرات ..وطبعا تكون البنتان في الطقس هما جوديث وخيرتي .

الرحلة إلى جبل مرة قمت بها مع آخرين غير “مسيحة ” الذي ذكرته في الرحلة . ومسيحة ليس سوى صديق طفولتي صبحي داوود الذي هاجر من السودان إلى أستراليا والتقيته هناك بعد سنوات من قطع الاتصال وضحكنا كثيرا على تصويري له في النص، خاصة أن النصوص الأولى كان بها خطأ لوجستيكيا هو إني ذكرته مرات باسم مسيحة ومرات باسم صبحي !

كنت بعد سنوات من التوقف المتعمد عن الكتابة – سوى بعض القصص القصيرة أو مسرحيتين في بغداد – أي معظم الاثنتي عشر سنة خارج مصر .. لا أعرف كيف أكتب بنفس طويل .. لذا كانت السنوات الأولى في كتابة البيضة صعبة للغاية إذ كثيرا ما توقفت يائسا وحائرا ومحبطا معتقدا بصدق، بأن ما أكتبه ليس سوى تفاهة من التفاهات المضافة إلى التفاهات الموجودة .

في السنوات التي تلت ذلك بدأت استقر بعض الشيء في هولندا ولم يكن عندي كمبيوتر ولا أعرف بوجود شيء اسمه بريد الكتروني ..الخ لذا كنت أحمل معي كراريسي التي أكتب فيها بيضة النعامة ، ذهابا وإيابا القاهرة أمستردام ، وأعطيها لصنع الله وكمال القلش للقراءة والنصح . حتى اشترت زوجتي لي كمبيوتر وركبت عليه برنامجا اسمه ” النافذة ” وهو الاستنساخ العربي من ويندوز ..

ثم بدأت أطبع ما اكتب ..على طابعة يملكها صديق هولندي !

في البروفة قبل الأخيرة أعطيت ما كتبت لفاطمة الطناني ( التي رسمت لي بعد ذلك بضعة أغلفة لكتبي ) فنصحتني بأن أتزيد كثيرا في الكتابة عن السجن ..وقد فعلت.

ولم أكن أعرف رياض الريس ..ولم أكن واثقا أن ناشرا مصريا – آنذاك – يجرؤ على نشرها لما فيها من حديث عن المسيحيين والسجون والجنس فنصحني صنع الله بإرسالها إلى رياض الريس بعد أن قال لي أنه أخبر الريس بأني “كاتب واعد ” !

..وقد فعلت ..وقد نشرها ( دفع لي خمسماية دولار عن خمسة آلاف نسخة ..أولا عن آخر !) أما مدبولي حينما أعاد طبعها فقد دفع لي ألف جنيه على أقساط طويلة الأمد .. بعد ذلك وقبل ذلك كنت، ادفع من جيبي وانشر على حسابي .. بل إني نشرت “غواية الوصال” من دار نشر وهمية ألفتها ووضعت عنواني لها في امستردام .. ثم نشرتها مرة ثانية أيضا على حسابي من دار نشر صغيرة قاهرية .

والحقيقة التي أعيد ذكرها هي أن زوجتي أنا ماريكا – نتيجة اتفاق واضح ومسبق ودائم- تكفلت بحياتي ومصاريفي في هولندا ..جعلتني شبه متفرغ للكتابة ولست في “حوجة ” للخبط على البيبان.

مرة قليت عقلي وطلبت منحة من الدكتور جابر عصفور حينما كان رئيسا للمجلس الأعلى للثقافة فقال أن الصعوبة في الحصول عليها هو إني لا أقيم في مصر ..لكن الرجل حاول مع فاروق حسني وزير الثقافة ولم أحصل على المنحة .

مرة وحيدة أخرى قليت عقلي ثانية واشتركت في مسابقة للرواية في عمان .. ..أظن ذلك كان عام 2006 أو 7 ..ولم أفز (بالطبع) رغم إني اشتركت بغواية الوصال وقدمت ببيضة النعامة ومزاج التماسيح كوثائق طلبوها إثبات إني كاتب !

بعد ذلك عرفت وآمنت أن المؤسسة (مؤسسة الجوائز ومؤسسة الحزب ومؤسسة مكارم الأخلاق) التي تمردت وواصلت التمرد عليها – من زمن طويل وبقيت خارجها – لن تعطيني جائزة ما .. لن تعترف بي ( رغم إني لم اعترف بها ..لكن قلة عقل مني وبلاهة أيضا )

وهكذا لم أقدم نفسي إلى العويس ورفضت أن يقدمني ناشر مصري أو عربي إلى جائزة ..مما أعطاني ” صلاحية ومصداقية ” في الحديث عن الجوائز وانتقادها مثلما أفعل الآن مع الجائزة المشوهة والمسماة بوكر العربية ( لكن هذا حديث آخر)!

وبالفعل .. فقد سافرت إلى جبل مرّه ( كتبت عنه في بيضة النعامة ) منذ حوالي 23 سنة .. أذكر ذلك جيدا لأن سفري كان له علاقة بميلاد ابنتنا يارا عام 1977 ونتيجة للعلاقة الخاصة والحساسة مع زوجتي وقتها وأم الطفلة فلم أستطع السفر إلى هولندا لحضور لحظة الميلاد، وعرض عليّ بعض الأصدقاء الهولنديين السفر معهم إلى الفاشر ومنطقة دارفور وجبل مرة فرحبت كثيرا، ودفعوا تكاليف رحلتي مقدما .

بعض ما حدث هناك حقيقي والبعض من مخيلتي أو سمعت به . كان السفر كما ذكرت في النص بالباصات وممتعا .. الرحلة كلها كانت ذات طبيعة خاصة .. لذا حينما دارت الحرب في دارفور مؤخرا ، تابعتها بحزن لأني أعلم هذه الأماكن وقد أكلت وشربت وتحادثت مع الأهالي هناك .

الحرب السودانية الأهلية جريمة ترتكبها حكومات السودان المتعاقبة بعد الاستقلال. ما حدث بهذه الحروب من جرائم تلتف في رقبة حكام الخرطوم وعلى رأسهم عمر البشير وعصابته .

هكذا تتغير معالم مدنا وبوادي وأماكن ويختفي أناسها .. بينما أنا مقيم في أمستردام منذ أكثر من عشرين سنة ؛ فإن معالم المدينة ثابتة كما هي منذ رايتها للمرة الأولى. حتى القاهرة تتغير معالمها وهي مدينة أقدم من أمستردام. فالتغير في المدن والأماكن ليس صفة من صفات التطور لكنه دلالة على عدم استقرار وقلق. تأمل نيل القاهرة الذي تتغير معالمه وجزره ويسرق الأغنياء مناظره يستمتعون بها من داخل مساكنهم التي لا يقيمون بها إلا لماما ..مساكن تبنى على شواطئه وجزره، ويطردون ساكنيها الأصليين من الصيادين والفقراء.

هذه الصورة من حوالي خمسة وعشرين سنة التقطها لي مترجم بيضة النعامة الى السويدية

منقول من صفحة الكاتب على موقع “فيسبوك”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى