أخبار ليبيااخترنا لك

ّالصحافة الورقية في ليبيا: مشاكل مادية وضعف محتوى وشك

خاص 218| خلود الفلاح

هل الصحافة الورقية الليبية مهددة بالتوقف النهائي عن الصدور؟ وهل يمكن أن تصبح السوشيال ميديا بديل للصحافة الورقية بسبب السرعة في النشر وهامش الحرية.

يقول أستاذ الصحافة بجامعة الزيتونة الليبية عادل المزوغي “لن تتوقف الصحافة الورقية الليبية عن الصدور، هذا أمر محسوم من وجهة نظري على الأقل في المستقبل المنظور، طالما هناك صحفيين مهنيين وإرادة للبقاء والاستمرار فرغم كل العثرات التي تواجه الصحافة الليبية بالأخص في السنوات الأخيرة لازالت الصحف الورقية تصدر حتى وإن كان على استحياء وفي ظروف غاية في الصعوبة واصدرات تبدو متعثرة وضعيفة المحتوى والشكل، لكنها لاتزال تصدر وتقدم للقارئ وجبة يومية، وإن موضوع توقف الصحف عن الصدور اراه ضربا من الخيال فمهما واجهت الصحف الورقية من صعوبات فإن نزعة المقاومة اقوى ستمنحها دفق الصدور المتواصل”.

ويشير مهتمين بالشأن الصحفي إن الصحافة في ليبيا ليست بخير، أولًا بسبب الإمكانات المادية التي قضت على أكثر من 360 صحيفة ورقية صدرت بعد العام 2011، ثم بسبب الظروف الأمنية، وأخيرًا بسبب التخلف على مستوى المحتوى الصحفي.

ويرفض الصحافي محمد الرحومي فكرة توقف الصحافة الورقية عن الصدور، مؤكدا “لن تكون مواقع التواصل الاجتماعي بديلا عن الصحف الورقية. رغم أنها ستتصدر وسائل الإعلام لأسباب متعددة أهمها السرعة وتوسيع أساليب التواصل الاستراتيجي وغيرها. الصحف الورقية هي أرشفة غير إلكترونية لا تتأثر بغياب أو انقطاع الوسائل التقنية والكهربائية بالإضافة إلى أنها تمثل وسيلة رئيسية للإعلام المسؤول الذي يمثل الدولة أو الحكومة أو غير ذلك من الأحزاب أو المؤسسات. فهي تفرض أهميتها وبقائها كجانب اعلامي وصحفي لذا كل الدول حتى وإن ضعف مردودها الإعلاني”.

ويلفت عادل المزوغي إلى أن الصحافة الليبية الورقية تعاني منذ زمن، مستطردا “لن أبالغ إذا قلت عبر تاريخها واجهت صعوبات مادية وفنية غالبا ما شكلت ارهاقا وعائقا سبب في توقفها سواء مؤقتا أو دائما عن الإصدار، ومسألة صمود هذه الصحف في مواجهة هذه المشاكل المادية والفنية وأحيانا السياسية غالبا ما يتجه بها إلى التوقف”.

رغم قدم التجربة الصحفية في ليبيا إلا أنها ضعيفة. حيث أن تاريخ صدور أول صحيفة ورقية في ليبيا يعود إلى العام 1688 .ويقول الصحافي جلال عثمان إن السبب المباشر هو عدم وجود تراكم في ليبيا، وعدم وجود استقرار سياسي، في العام 1969 عند انقلاب القذافي على النظام الملكي، كانت هناك 4 صحف يومية، وكانت هناك الكثير من الصحف الأسبوعية، وحراك مجتمعي حقيقي، حتى أن مشروع )بيفن سفورزا( الذي سعى لتأخير استقلال ليبيا، وفرض وصاية على أقاليمها الثلاثة، سقط لأن الصحافة آنذاك قد أوجدت حالة من الرفض تجاهه.

وفي عهد سبتمبر كانت الصحف والمجلات لا تعمر طويلًا، إذ سرعان ما تنتهي صحيفة أو مجلة، لتؤسس أخرى، والتي بدورها لا تستمر أكثر من سنوات معدودة، بالإضافة لاحتكار الدولة للصحافة، وانحسار الحريات العامة، وحقوق الإنسان، وتردي الأوضاع المعيشية. يمكن القول إن الصحافة ظلت أكثر من أربعة عقود في ثلاجة القذافي، حتى تجربة صحف الأندية التي أعادت القارئ للمكتبة، تم القضاء عليها بنجاح.

وعلى جانب آخر ـ يتابع المزوغي ـ لقد عايشت على امتداد عملي بمجال الصحافة الليبية اشكاليات توقف المطابع وتهالكها ونقص مواد الطباعة والورق والتي شكلت هاجسا دائما يقض مضجعنا ويضعنا في خانة التهديد بعدم صدور الأعداد أو صدورها بشكل سيء ورديء رغم حرص واجتهاد الفنيين والعاملين في المطابع بأن تكون الصحف ذات طباعة مميزة وفي خضم كل ذلك تجد في اليوم التالي الصحف في واجهة المحال والمكتبات. اشكالية المطابع والورق والمعدات والأحبار لازالت قائمة إلى اليوم لكن كما قلت لك ستواصل الصحف الورقية الليبية الصدور ولن تتوقف وستشكل مع المواقع الالكترونية لغة وصل وتكامل.

من جانبه، يرى رئيس تحرير مجلة الليبي الصديق بودوارة أن الصحافة الورقية مهددة بالتوقف ولكن، ولغرابة الأمر، ليست مهددة بالتوقف للأسباب التي تعاني منها الصحافة في بقية العالم. ففي الأدوار العليا من العالم، الصحافة الورقية تعاني خطر التوقف نظراً لطغيان الإنترنت وتوفره وسيولته في كافة المستقبلات لدى القارئ طيلة اليوم وبلا توقف. لذلك وجد القائمون على هذه المجلات والصحف أن الاصدار الالكتروني يجنبهم مصاريف الطباعة والشحن ورواتب مئات العاملين في المطابع. هذا عن أسباب توقف الورقي في الأدوار العليا من العالم”، ويضيف: “لكن في الأدوار السفلى لن تتوقف لنفس السبب، إنها تتوق تباعاً نظراً لما تلاقيه من إهمالٍ مخجل من المسؤولين لها، ومن التقصير في الانفاق عليها، وهذا يرجع إلى غياب قيمة أساسية في مجتمعنا، ألا وهي الوعي بأهمية الترويج لثقافة القراءة لدى المواطنين، وكأن لا أحد من المسؤولين يعرف أن المواطن المثقف هو استثمار يفوق المليارات، فالمواطن القارئ المثقف سوف ينحاز لمبدأ الحوار كلما وقع اختلاف في الرأي بينه وبين مواطن آخر، والمواطن المثقف القارئ سوف لن يعتمد منهجية التدمير للممتلكات العامة وتخريب أملاك الدولة والتعدي على أرزاقها، إلى غير ذلك من القيم. ولكِ أن تتخيلي كم ستوفر الدولة من أموال لو اعتنق مواطنوها هذه الثقافة. لكن لا أحد يهتم، نهمل الانفاق على الثقافة بشكل عام فنجني مواطناً متشدداً أو مشدوداً أو لا مبالي. وكلها أرقام تصب في الجانب السلبي من خزينة الوطن.

وفقا لحسابات كثير من الخبراء من أمثال فرانسيس غوري وفليب مايير الذين توقعوا موت الصحافة الورقية وبأن يكون أخر عدد ورقي يصدر لها مع نهاية العام 2043، يرى عادل المزوغي أن هذا الرأي ليس صائبا بشكل دقيق وتبقى مجرد توقعات أو مجرد افراط في الاعجاب بالتطورات الحديثة لتقنيات الإعلام وفي مقدمتها وسائل التواصل الاجتماعي،

ورغم ما تعانيه الصحف الورقية من ضائقة مالية ومشاكل فنية لكنها لاتزال تحتفظ بأنها أكثر مصداقية من وسائل التواصل الاجتماعي رغم هامش الحرية الأقل.

ايضا أخر الدراسات العلمية تتحدث عن أن 80 % من محتوى الصحيفة الورقية المنشور قد اطلع عليه القارئ مجانا قبل ليلة الصدور لكن الدارسات أكدت ايضا أن 20% من النسبة الباقية يمكن أن تزيد وتتطور في حالة اعتماد وتركيز الصحف الورقية على مقالات الرأي والتحليل وسرد القصص الإخبارية التي يقل وجودها في وسائل التواصل الاجتماعي. نحن لسنا أمام موكب جنائزي مهيب نواري به الصحافة الورقية إلى مثواها الأخير والحقيقة أننا أذا تأملنا بدقة ماهية الوسائط المتعددة التي اظهرتها لنا تكنولوجيا الاتصال الحديثة في عصر ما بعد التفاعلية سنجد أنه ليس كل ما هو مستحدث جديد مهما كان نوعه وفكرته وفلسفته وآليته وجمهوره سوف يقضي على القديم المتهالك ويقوم بدفنه، لذلك فإن شبكة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لن تشكل تهديدا قويا يقضي على وجود الصحف أو غيرها من الوسائل الإعلامية التقليدية.

ويؤكد الكاتب الصديق بودوارة أن السوشيال ميديا أصبحت بديلا للصحافة الورقية وانتهى الأمر، واقع علينا تقبله. خاصة أن الصحافة الورقية تلفظ أنفاسها الآن، علينا فقط أن ننتبه إلى الخطر الأكبر، ولا نكون خارج اللعبة من جديد، بمعنى أن نظل على هذا الحال من التخلف والبطء في الإنترنت، بينما نفرط تماماً في الصحافة الورقية، فنخسر المعركتين معاً، فلا نحن على الإنترنت ولا نحن على الورق. جرس انذار، ولكن، من يهتم؟ الجواب وبكل أسف: لا أحد.

في نهاية أبريل الماضي صدر تقرير منظمة مراسلون بلا حدود لسنة 2020، حيث يعمل على قياس حالة حرية الصحافة في ( 180 ) بلدًا، وفيه صنفت ليبيا في المرتبة (164 )، هذا العام تسجل تراجعا بمرتبتين.

ويشير أستاذ الصحافة بجامعة الزيتونة الليبية أن الصحافة الورقية في ليبيا عبر تاريخها عمرها قصير مقارنة بمثيلاتها في الدول العربية. فبالكاد تستطيع أن تتجاوز عقد أو عقدين من الزمن هذا إن قاومت التجاذبات السياسية حتى نجدها قد غرقت في شراك المشاكل المادية والصعوبات الفنية والتقنية، فمئات الصحف الليبية صدرت وأخدت وضعها الاجتماعي والسياسي في البلد ثم فجأة توقفت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى