مقالات مختارة

يا زينك صامت

مشعل السديري

الحديث فن، فليس هناك أغبى ممن يتحدث دائماً عن نفسه، ويعدّد مزاياه باستعراض ممل، وقد يكون صادقاً في بعض ما يذكره، ولكن الشيء إذا زاد عن حدّه انقلب إلى ضده، وهذه قاعدة معروفة ومجرّبة، فدع الآخرين هم الذين يتحدثون عنك إما إيجاباً وإما سلباً، ولك الحق بعدها أن تدافع عن نفسك.
وحتى لو كنت خفيف الظل، وقفشاتك تجعل الحجارة، وهي الحجارة تضحك وتسخسخ، فلا (تفتحها بحري) وتستمر ترثع وتثرثر، فالحديث مثلما أسلفت هو فن، والصمت أيضاً هو حكمة، ومثلما قال المؤرخ (ماكولي) عندما مدح أحدهم قائلاً إن لديه لمحات من الصمت يطلقها من آن إلى آخر فتجعل حديثه كامل البهجة.
بل حتى (التملّق) هو فن، واسألوني أنا عنه، لأنني في هذا المجال الحيوي (بروفسور) ولا فخر، ولست مثل ذلك العبيط عندما ذهبت معه ولفيف من الآخرين، لزيارة رجل أعمال مرموق لتهنئته بخروجه من المستشفى، وأراد ذلك العبيط أن يمتدح صحته، فلم يجد كلمات إلا أن يقول له:
ما شاء الله إن بشرة وجهك مثل البلّور، وأخذ يصف عينيه الكحيلتين، ورشاقة جسمه، مع أن بشرته كالحة، وإحدى عينيه بالكاد يفتحها، وكرشه بارز.
وأعجبني رجل الأعمال عندما امتعض من ذلك الوصف، قائلاً له وذلك عندما قال: (يا زينك صامت).
وهو لا يبتعد عن رجل آخر حسن الطوية، ولكن حماسه حرّف كلامه، وذلك عندما كنا في جلسة من جلسات النميمة، وجاء الحديث عن مجموعة من الإخوة لا يتمتعون بالسمعة الحسنة، سواء من أكلهم لحقوق الآخرين، أو الخوض في أحوال الفساد حتى الركب، ويبدو أن أحد هؤلاء الإخوة صديق لذلك الرجل الذي أريد أن أحدثكم عن دفاعه عن صديقه، عندما رفع صوته قائلاً:
إن كل ما ذكرتموه صحيح مائة في المائة، أمّا (فلان) – يقصد صديقه – فهو مختلف وشاذ عن إخوانه شذوذاً جنسياً، وما إن صمت حتى بدأ البعض يتضاحكون.
والمسكين من شدة حماسته خانه التعبير، إذ إنه يقصد أن معدن وجنس ذلك الأخ مختلف عن إخوانه نهائياً، وشرحت وصححت للحاضرين عن مقصد ذلك الرجل، ولا أدري هل اقتنعوا بتصحيحي، أم أن نيّاتهم هي خربانة كالعادة – وكل إناء بما فيه ينضح.
مشكلة عندما أكتب أحياناً عن الحكمة والرزانة، لأنني أعلم علم اليقين أنها مشرّقة وأنا مغرب، ويا ربي لا تحاسبني، والله يعينني على تعليقات بعض رواد موقع (المرصد) – خصوصاً الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب.

__________________________

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى