مقالات مختارة

وداعاً للصورة النمطية!

حسين شبكشي

في عهد الرئيس السابق باراك أوباما شهدت الولايات المتحدة الأميركية «فعلياً» أول رئيس اشتراكي لها في تاريخها، فأوباما قد قام بتأميم صناعة السيارات وكبرى شركات التأمين بشكل أساسي، وفي الوقت ذاته كانت الصين، وهي الدولة التي تتبنى النهج الشيوعي بشكل رسمي، تتحول بالتدريج لتكون أهم نظام رأسمالي في العالم، فتفتح أسواقها للأفكار جميعها، وترحب برؤوس الأموال من كل صوب ونحو.

إنه زمن الانقلاب في المفاهيم بامتياز، إذ أصبحت هناك دول محافِظَة تقود مسيرة التنمية والتطوير، ودول غارقة في القدم تنزلق نحو التطرف والتشدد والانغلاق. وكل أسباب هذا التغيير الثوري الحاد والمفاجئ الرغبة الضرورية في النجاة والبقاء. وهذه التغيرات تقتضي الخلاص من «المسلّمات» التي كانت تُوصَف بها وتقولَب بها بعض الدول والأمم والمجتمعات؛ فهذه الصورة النمطية التقليدية أصبحت غير قابلة للبقاء على شاكلتها التي كانت عليها من قبل.

هذا الخلاص من الإرث القديم يطلق الخيال والتصور في عالم بلا حدود وبلا قيود، فيكون التحدي رسم خطوط وشكل المستقبل المقبل. متى ما بقيت الشعوب والدول أسيرة أفكار وتصور نمطي ستبقى مقولَبة ومحبوسة في صورة لا ترحم ومن نسيج أوهامها وخرافاتها. الصور والانطباعات الوهمية هي أكبر «حبوب الهلوسة» الافتراضية التي تتربى عليها الذهنية الشعبية للجماهير عبر السنين، فتعتاد عليها، وتخشى التغيير، حتى باتت تقنع نفسها بأن أي تغيير أو تبديل أو تجديد في هذه الصورة الذهنية خروج على ما تعتقده ورفض للعادات والتقاليد واستهزاء بالتراث، وغير ذلك من الفزاعات المعبَّأَة والمعَدَّة سلفاً لإثارة الذعر والرعب في نفوس مَن يُقدِم على تلك المسائل وما يشبهها. وسيبقى ثمن وتكلفة التعطيل التي كبدتها هذه الصورة النمطية بحق شعوبها غامضاً، ولكن حتماً كان باهظاً جداً ومكلفاً للغاية، ترجمته تخلف عن ركب التنمية وضياع لفرص مهمة كبرى وفريدة جداً.

في عالم متواصل تُزال فيه القيود والأسوار وتتكشف فيه الصفات والعناصر الإنسانية التي تجمع الأمم، وهي أكثر بكثير مما يفرقها، سيكون من الصعب (إن لم نقل من المستحيل) استمرار «بيع» السلعة السابقة نفسها، فلقد انكشفت الأمور، وتبَيَّن أن الفزاعات التي لم تكن سوى دمى تُحرَّك لإثارة الهلع تداعت وسقطت مع أول ضوء حوّل العتمة إلى أمل.

النمطية الوحيدة المقبولة في عالم متغير هي إيمان الشعوب بأنهم جزء من هذا العالم، وأن لديهم القدرة والحق أن يشاركوا جميع سكان الأرض فرحتهم في العيش الكريم بكامل مميزات ذلك.

………………..

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى