مقالات مختارة

وداعاً لبنان الذي عرفناه

حسين شبكشي

وصل سعد الحريري إلى باريس، وقابل الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه ترافقه زوجته وابنه.

وبهذا الظهور الذي جاء معه تأكيد وصوله إلى بيروت الأربعاء المقبل، للمشاركة في احتفالات عيد الاستقلال، يدحض الحريري الأكاذيب والشائعات كافة، التي أحيكت حوله من قبل فريق تنظيم «حزب الله» الإرهابي.

العلاقات السعودية اللبنانية على مفترق طريق، فلقد أظهرت هذه الأزمة حجم الكراهية والكذب الصادر ضد السعودية ورموزها من قبل مجموعة غير بسيطة من ساسة لبنان ومن يتبعهم. أياً كان الوضع، لبنان تغير جداً، وعليه أن يجيب عن أسئلة

وجودية فيها تقرير حقيقي لهويته ورسالته كمنارة للعلم والحرية والتسامح والتعايش بالشرق. هكذا كان يروج لنفسه منذ أمد غير بسيط.

لبنان تبدل وتحول وتغير. فقد مغزى ومعنى أيقوناته مثل مار مارون شفيع لبنان، وفخر الدين أمير الجبل، ليحل مكانهما حسن روحاني وولاياتي الفخوران بأن لبنان تحت أمرهما. نظام مصرفي كان مصدر فخر واستقرار ومضرباً للأمثال في قوته ومهنيته، أصبح مخترقاً بالمال الفاسد وجرائم غسل الأموال الناتجة عن تمويل الإرهاب والاتجار بالمخدرات وبيع السلاح، حتى باتت مصارفه مهددة بعقوبات دولية غير مسبوقة، مما أفقدها المكانة القديمة التي كانت عليها، وهرب المال المحترم إلى وجهات أخرى. لم تعد بعلبك قبلة المهرجانات والفن الراقي والثقافة العالمية، بل أصبحت مرتعاً للشبيحة وأباطرة زراعة الحشيش وعصابات المافيا والجرائم.

لقد طغت المظاهر الطائفية في مباريات كرة القدم وعلى لوحات الشارع، ومنعت أغاني فيروز في الجامعات، وصودرت الكتب، وحجر على بعض الأقلام.

لبنان يستوحش. عرف لبنان احتلالات مختلفة، عرفها في العهد التركي، وفي العهد الفرنسي، وفي العهد السوري، اليوم هناك احتلال إيراني صريح يمحو هوية لبنان بشكل ممنهج. يمحو روح لبنان نفسه. روح الحرية وروح التعددية وروح «الماركنتالية» التجارة الحرة المفتوحة، بعد أن طالته أيادي الاحتكار وتوغل سلطات تنظيم الحزب الإرهابية في شؤون الحياة الاقتصادية.

منذ بضع سنوات صدر كتاب في غاية الأهمية للباحث اللبناني المميز كمال ديب بعنوان «وهذا الجسر العتيق» الذي توقع فيه أنه في خلال عقدين من الزمان لن يبقى أي مسيحي في لبنان، بسبب طغيان التطرف والتشدد، وهو شعار تنظيم «حزب الله» الذي وعد زعيمه بأن يحول لبنان إلى جزء من الجمهورية الإسلامية في قم، وهو أقسم مراراً على ذلك.
إذا رضي لبنان بذلك فهذا شأنه، وفي هذه الحالة لن يكون هناك فرق بينه وبين كوريا الشمالية وزيمبابوي، الكل يعلم أين تقعان، وما هو وضعهما. إذا قبل اللبنانيون بلبنان الجريح هذا «فصحتين على قلبهم» ولكن رجاء «أبقوها» في لبنان، فلبنان الذي أحببناه لم يعد كما هو.

……………….

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى