كتَـــــاب الموقع

“وجدان”.. الموضة الأخلاقية

ليبيا ادريس

من أكليم قابس المصنوع من صوف الأغنام بأيدٍ حرفيين توانسة، اعتمدت مصممة الازياء الشابة “وجدان” زميت علامتها التجارية للأزياء والإكسسوارات ، والتي أسمتها (موضة قائمة على أسس أخلاقية – Ethical Fashion ) ، تترجم “وجدان” هذه الاسس الأخلاقية في اختيار مواد صديقة للبيئة واستخدام المواد الخام دون المساس بجودتها، بالإضافة الي الابتعاد عن كل الاقمشة الصناعية، وتوظيف أيدٍ عاملة محلية من حرفيين وخياطين لديهم خبرات طويلة غير معترف بها.

مفهوم الموضة الأخلاقية ؛ هو مفهوم انتشر بشكل واضح في مجال الأزياء منذ انهيار مصنع أزياء (رانا بلازا) في بنغلاديش عام 2013 والذي أودي بحياة آلاف العمال، يقوم هذا المنهج على حزمة من الأسس منها: ظروف العمل المناسبة للعمال و محاربة الاستغلال معالجة تدني الأجور وتطبيق قوانين التجارة العادلة الدولية والمحافظة على البيئة وصولاً لحماية ورعاية الحيوانات. تقول “وجدان” “أزور الجنوب التونسي بشكل مستمر، للوقوف على جودة (الكليم) واختار المقابض النحاسية المزينة بنقوش تونسية والتي يتم إضافتها الي الحقائب، وأتابع عمل الحرفين بدقة للتعلم منهم قبل كل شيء ، ولتوثيق علاقة طيبة بهم. فلطالما كنت ضد كل أشكال استغلال المنتجين والإنتاج النهم”.

حصلت “وجدان” على شهادة العلوم تخصص كيمياء، وسرعان ما تركت تخصصها واتجهت صوب شغفها وما تربت عليه، وعلى خطى والدتها، تنقلت “وجدان” التي لم تعتمد على الموهبة والخبرة الموروثة فقط ، من مدرسة باردو للأزياء إلى مركز تدريب الملابس القطاعي ، فالي مدرسة الأزياء في نابل للتزود بأحدث الأساليب التي تغذي موهبتها، و من ثم عملت “وجدان” كمتدرب ثم مساعد مصمم في عدد من الماركات، وفي حدود أعوام تعد على أصابع اليد الواحدة، أطلقت “وجدان” علامتها التجارية للموضة التونسية التقليدية المعاصرة.

اتخذت “وجدان” اليوم مقرا لنشاطها في استوديو جنينة في وسط منطقة المرسي شمال تونس العاصمة، والذي تشاركه مع عدد من الفنانين الشباب من رسامين ونحاتين ومصممي أزياء، في بيئة إبداعية متكافلة ومتفهمة وداعمة وأي بيئة غير هذه تشجع على الابداع؟ تؤكد “وجدان” على أنها غرفت من هذه البيئة الفنية.

كانت بداية “وجدان” في التصميم عام 2016 خلال فترة دراستها حين استغلت أوقات فراغها في تصميم ملابس وحقائب من الكليم (الزربية) لاحظها أصحابها ومعارفها، ومن هنا قررت “وجدان” تحويل شغفها إلى مشروع، حين اشترت من مصروفها المستلزمات وأطلقت أول معرض لها.

تصمّم “وجدان” اليوم ملابس وحقائب وأحذية مستوحاة من الجبة التونسية (خفيف، أصيل، مواكب للعصر). وتضيف (أنا مغرمة بالاكليم التونسي وألوانه وزخرفاته، وتصميماتي تعطيه روح).

تدور على اقاربها واصدقائها ومحال المنتجات المستخدمة، بحثًا عن الاكليم المستعمل وتضيف

“الاكليم المستعمل الي باش يتلوح أو الي ماعندو قيمة عند بعض الناس، انا نضيفلوا الجلد او النحاس ونردو قطعة ثمينة تتلتبس في مختلف المناسبات وترضي كل الاذواق، تصميم يلتبس اليوم ويلتبس بعد 10 سنين”.

بالإضافة إلى التصميمات المعاصرة المطرزة بأقمشة تقليدية، والحقائب المزينة بالفضة المزخرفة أطلقت “وجدان” خط تصميم مزين بلوحات فنية “أنا أطبع لوحات للعديد من الرسامين، بما فيهم بيكاسو، الذي أحبه كثيرًا، وذلك لتوضيح جيوب الفساتين والمعاطف والجبة الجربية التي أصنعها للرجال والنساء. هذا الكوليكشن حصل على رضي زبائني ويضفي البهجة واللون على تصاميمي”.

ومن خلال تتبعنا لأنشطة “وجدان” عرفنا كم أثارت إبداعاتها من إعجاب لعشاق الموضة والثقافة… كما شهدت فعاليات محلية ودولية في مجالها شاركت فيها للتعريف بنفسها واهتماماتها وحين وجهنا تساؤلاتنا للمزيد من الإيضاح أجابت: بأن الفضل يعود، جزئيًا، إلى مقاربتها الأصلية لتونس إلى حد ما، فقد جذبت إبداعاتها انتباه الهواة من التونسيين، ومن ثم الأجانب. ومن بين الجوائز التي حصلت عليها تقديراً لعملها الملهم جائزة Utica الأولى في معرض Offer Tunisien. من خلال الفوز بجائزة يوتيكا تحصلت “وجدان” على 3000 دينار كدعم ، سمح لها ببث حياة جديدة في عملها وتطويره. عن هذا التواضع في استخدام الخامات والإبداع في المنتج وجهنا سؤالنا ل”وجدان” ( هل تموّلين نشاطك بنفسك بالكامل ؟) وترد “وجدان” بثقة المتمكن : نعم، وبفضل الجوائز التي حصلت عليها، استطعت التوسع، كما منحني (معرض الكرم المحلي) بدوراته السنوية مساحة لعرض مبيعاتي وهذا مكّنني من البيع بدون دفع رسوم. و اليوم أموّل نفسي من خلال محاولة تغطية حد أدنى من النفقات، فعلى سبيل المثال ، أشارك الاستوديو الحالي الخاص بي، في معرض جنينة، مع فنانين آخرين من المبدعين والمصممين والرسامين.

كل هذا الزخم والتصميم وارادة الفنان سمح ل”وجدان” بتطوير الرؤية المختلفة التي ارتادتها ، تلك الرؤية الفنية التي تسمح بإعادة تكوين معنى الموضة وقصة مختلفة للأشياء التي نراها عادية ، “وجدان” التي فتحت نافذة للكثير من النساء المعوزات ليحصلن على فرصة عمل وتحقيق دخل يكفل الاستقلالية الاقتصادية والاستقرار الأسري، تؤكد أنها لم تتعب كونها امرأة بل كانت محظوظة بهويتها فهي اليوم ترتقي سلم موهبتها و ليرتقي معها كثيرات من النساء اللائي تقدم لهن العون ويقدمن لها دعما غير محدود سواء كعاملات أم كزبائن لمنتجاتها المبهجة عملا وخامات والوان وهن نساء قادرات وملهمات ومن جميع الأعمار التي تتراوح بين مراهقات ومعمرات

زر الذهاب إلى الأعلى