اهم الاخبارمقالات مختارة

واقعية جونسون حول الوضع الليبي

د. جبريل العبيدي

الموقف البريطاني من الأزمة الليبية ظل لسنوات مجرد تابع أو شريك أميركي في أحسن ظروفه؛ مما جعله راعياً لاتفاق الصخيرات، دون أدنى درجات الضمان لسلامة تطبيق الاتفاق، الذي عانى من العديد من الخروقات، حتى صار الموقف البريطاني المطالب بتعديله على لسان جونسون وزير خارجية بريطانيا الذي قال: «شجعت جميع الأطراف على حل خلافاتهم بالحوار، وليس من خلال العنف، وعلى احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان ونناشد جميع الأطراف بليبيا دعم عمل الأمم المتحدة لتعديل الاتفاق السياسي الليبي»، الذي جاء لبنغازي عاصمة الشرق الليبي، للقاء القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر.
بوريس جونسون مع تعديل الاتفاق السياسي، ولا يرى حل الأزمة الليبية من خلال إعلان عن انتخابات مبكرة؛ ولهذا حذر من إجرائها، مستشهداً بقرار تيريزا ماي الذي وصفه بالكارثي.
تصريحات وزير خارجية بريطانيا هذه هي عبارة عن تعبير عن حزمة قناعات غربية أصبحت واضحة، ولا تخفي قناعة جديدة لرعاة «وفاق» الصخيرات، بأنه لم يكن يحمل أي درجة من التوافق، وإلا ما أصبح التعديل ضرورة ملحة عبر الدعوات المتكررة المطالبة بتعديله، طالت رعاة الاتفاق، فتصريحات بوريس جونسون سبقها تصريح المبعوث الدولي غسان سلامة، الذي قال حرفياً: «اتفاق الصخيرات قد يكون مرجعية، لكنها ليست قرآنية»؛ فهذه التصريحات تؤكد جميعها أن تعديل الاتفاق السياسي أصبح مطلباً دولياً، وليس فقط لبعض الأطراف الليبية لكون اتفاق الصخيرات أصبح في حكم الميت سريرياً، ما لم تجرِ التعديلات المطلوبة عليه، التي لعلها تكون عملية إنعاش تبعث فيه نفساً جديداً، بعد حالة انسداد سياسي مزمن، تأزمت معه الأمور أكثر مما كانت عليه قبل الإعلان عن اتفاق الصخيرات، الذي لم يتقدم قيد أنملة.
قدوم جونسون لبنغازي هو الأول لوزير بريطاني إلى بنغازي منذ 2011. جونسون الذي اعتبر «أن لحفتر دوراً يلعبه في العملية السياسية»، وسبق هذا تصريحات تزامنت مع زيارته السراج في طرابلس، منها قوله لجريدة «تليغراف»: «في ليبيا اليوم يوجد ثلاث بنادق لكل شخص، لكن ليس هناك أي مصدر للقانون والحكم»، هذا توصيف جونسون للحالة الليبية، وإن كان سطّح الأزمة وتجاهل عمقها بتجاهل أسباب وجود البنادق الثلاث، التي اختزل فيها الأزمة الليبية، والتي كانت بسبب تدخلات خارجية إقليمية وأخرى دولية، وبريطانيا ليست بريئة منها، ولا من المتسبب في وجود البنادق الثلاث التي وصفها المستر جونسون.
جونسون الذي قال قبيل سفرته إلى ليبيا: «ما لم يكن لتلك البلد حكومة فاعلة وموحدة، سيظل الليبيون يعانون، ومن دون حل سياسي سيستمر هذا البلد في أن يكون خط المواجهة»، ينبئ بتوجه جديد في السياسة البريطانية وقراءة فيها شيء من الواقعية، قد تدرك مكامن الخطر وتقاطع المصالح والتوازن بينهما، وبخاصة بعد أن تعرضت أوروبا جميعها لحوادث دهس وسحل «داعش» وذئابها المنفردة.
جونسون يرى أن ليبيا تمثل خط المواجهة الأول في حرب أوروبا ضد الكثير من التحديات، ومنها الإرهاب والهجرة غير الشرعية التي تلاحق بريطانيا تُهماً بسببها؛ إذ ذكرت جريدة «الإندبندنت» أن «الحكومة البريطانية تعرضت لاتهامات باحتجاز آلاف اللاجئين عمداً في ليبيا، حيث كانوا عُرضة للاغتصاب والتعذيب والاحتجاز»، رغم هذه التهم التي نقلتها «الإندبندنت»، إلا أن استشعار الحكومة البريطانية حجم مخاطر استمرار حالة الفوضى في ليبيا، والانتقال إلى مرحلة التعاطي بواقعية جديدة تمثل حجر الزاوية في اعتدال اتجاه البوصلة في الأزمة الليبية خاصة، والشرق الأوسط عامة، لم تكن من أولويات السياسة البريطانية طيلة فترة حكم كاميرون وميله إلى أوباما وهيلاري كلينتون في تجاهل الخطر القادم من ليبيا، وهي تقع ضحية للجماعات الإرهابية وتحولها لمجموعة من المعسكرات لتدريب وتسفير الإرهابيين حول العالم، منذ سقوط الدولة في عام 2011، الواقعية التي أظهرها بوريس جونسون على الأقل في التصريحات، وإن كانت تنتظر خطوات عملية، إلا أنها تعتبر تقدماً في الموقف البريطاني، الذي ظل لسنوات تابعاً أو رهيناً للسياسة الخارجية الأميركية السابقة، التي كانت تسعى لتوطين الإسلام السياسي، وبخاصة تنظيم إخوان البنا وقطب، والتي تعتبر بريطانيا من أكبر ملاجئ العالم لقادتها واحتضاناً لهم.
_______________________________
صحيفة الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى