مقالات مختارة

هل يهزم العالم السرطان وألزهايمر؟

عثمان ميرغني

بقدر ما يحبط المرء من أخبار الحروب والدمار، يحصل على جرعة من الأمل عندما يقرأ عن أخبار اختراقات علمية مهمة، خصوصاً في مجال الطب. خلال الأيام القليلة الماضية تناقلت وسائل الإعلام مجموعة من الأخبار عن تطورات مهمة في عالم الطب لو وضعت جنباً إلى جنب لأعطت بصيصاً من الأمل بأن العالم يخطو خطوات مقدرة في الحرب على بعض أخطر أمراض العصر والشيخوخة، وإن بقيت الطريق طويلة.
الخبر الذي أثار الاهتمام الأكبر كان تطوير الباحثين لفحوصات دم تقود إلى اكتشاف وتوقع عدد من أمراض السرطان في مراحل مبكرة جداً وحتى قبل ظهور أي أورام بما يسهل السيطرة عليها وعلاجها مستقبلاً. بعض أنواع السرطان التي تم اكتشافها بواسطة هذه الفحوصات الجديدة، كان يصعب اكتشافها حتى تبلغ مراحل متقدمة يصبح معها العلاج معقداً إن لم يكن مستحيلاً، مثل سرطان عنق الرحم وسرطان البنكرياس. ما أثار الاهتمام هو نسب النجاح التي تحققت في التشخيص باختبار الدم الجديد التي وصلت إلى 90 في المائة في بعض الحالات، وكان النجاح ملحوظاً في تشخيص سرطانات البنكرياس وعنق الرحم والكبد، بينما وصلت نسبة نجاح الفحص إلى 77 في المائة لسرطان الغدد الليمفاوية، و66 في المائة لسرطان الأمعاء، وصولاً إلى 59 في المائة لسرطان الرئة.
العلماء والأطباء يقولون إن التطورات التي بدأت تحدث في مجال اختبارات الدم تشكل قفزة هائلة وستساعد مستقبلاً في تطوير علاجات لمكافحة عدد من الأمراض المستعصية، إما للوقاية منها قبل حدوثها، أو لعلاجها في مراحل مبكرة حين يكون العلاج أسهل وفرص نجاحه أعلى. فإضافة إلى السرطان تمكن الباحثون من تطوير اختبار آخر للدم يكتشف مرض ألزهايمر قبل ثلاثين سنة من ظهور أعراضه على الإنسان وبنسبة نجاح تصل إلى 90 في المائة. الاختبار يرصد بروتيناً معيناً في الدم يعتبر تراكمه من أولى علامات احتمال إصابة الشخص بألزهايمر لاحقاً. وتواصلت النجاحات بتطوير اختبار للدم يتيح رصد احتمال الإصابة بأمراض القلب مبكراً بما يصل إلى سبع سنوات قبل الإصابة بنوبة قلبية.
لكن النجاحات المعلنة لم تكن في مجال التشخيص المبكر فحسب، بل في مجال العلاج أيضاً، إذ أعلن مطلع الأسبوع الحالي أن الأطباء نجحوا في علاج امرأة مصابة بسرطان الثدي في مراحله المتقدمة، وذلك بتطوير خلايا «صديقة» مستخلصة من عينة من الورم السرطاني الذي أزيل من صدرها، بعد أن حددوا أنها قادرة على التعرف على الخلايا المريضة. بعد ذلك قام الأطباء والباحثون «بحصد» ملايين من هذه الخلايا «الصديقة» في المعمل، وحقنوا بها المريضة لإعطاء دفعة قوية لجهازها المناعي، فكانت النتيجة التي أذهلت الأطباء، إذ قضي على السرطان وتعافت المرأة تماماً بعد أن كانت حالتها ميؤوساً منها. الحالة كشف عنها مطلع الأسبوع الحالي في مؤتمر بالولايات المتحدة، حيث أعلن أن المريضة التي خضعت للعلاج قبل سنتين تعيش اليوم حياة طبيعية خالية تماماً من السرطان الذي أوشك أن يقضي عليها، واعتبرت حالتها مبشرة للنساء وواعدة في مجال علاج بعض أنواع السرطان في مراحل متقدمة من المرض.
كل هذه الاكتشافات تمثل خطوات واعدة ومهمة في مكافحة أخطر أمراض العصر ومنها السرطان الذي تقدر منظمة الصحة العالمية أنه يكلف العالم تريليوناً و200 مليار دولار سنوياً، ويصيب أكثر من 14 مليون إنسان حول العالم ويتوقع أن يصل الرقم إلى نحو 24 مليون شخص بحلول 2035، إلا إذا نجحت تطورات العلم في مقاومة بعض أنواعه والحد من انتشاره بوسائل الرصد المبكر من خلال اختبارات الدم والخلايا. لكن المشوار ما يزال طويلاً سواء في حرب السرطان أو غيره من مشكلات العصر الصحية مثل أمراض القلب وألزهايمر، ومجال الأبحاث الطبية يحتاج إلى إنفاق هائل لكي تتواصل الاكتشافات والعلاجات، وهو ما لا يتوفر بالقدر الكافي حتى اللحظة. فلو أن العالم يوجه 50 في المائة مما ينفقه على الحروب والتسلح إلى الأبحاث الطبية والعلاجية لتغيرت الصورة كثيراً، علما بأنه في العام الماضي مثلاً بلغ حجم الإنفاق العالمي على التسلح تريليوناً و700 مليار دولار، مقارنة بنحو 264 مليار دولار على الأبحاث الطبية.
الدعوات لمضاعفة الجهود والإنفاق في مجال الأبحاث الطبية والعلاجية، ليست جديدة بالتأكيد، لكنها تكتسب اليوم أهمية أكبر في ظل التطورات التي تتيح للباحثين تطوير أساليب جديدة في التشخيص والعلاج لو توفرت لهم الموارد الكافية. هناك بعد اقتصادي أيضاً في الموضوع لأن فاتورة الإنفاق على الرعاية الصحية تتزايد بشكل بات يمثل عبئاً هائلاً على ميزانيات الدول، خصوصاً في العالم الصناعي. وحسب أرقام منظمة الصحة العالمية كان العالم ينفق سنوياً على الرعاية الصحية نحو 7 تريليونات و300 مليار دولار في عام 2015، لكن هذا الرقم يتوقع أن يصل إلى نحو 18 تريليون دولار بحلول 2040، حسب دراسة نشرت في مجلة «لانسيت» الطبية. ولأن الوقاية خير من العلاج، فإن تطوير أساليب التشخيص المبكر مثل اختبار الدم الجديد الذي أثار الاهتمام، سيوفر على العالم أموالاً طائلة… إضافة إلى ما يعنيه بالنسبة لصحة البشر.

المصدر
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى