مقالات مختارة

هل ينتصر ترامب في حربه على الصحافة؟

إلياس حرفوش

الحملات الشعبوية التي يقودها عدد من السياسيين الغربيين، من مارين لوبن إلى رجب طيب أردوغان، ومثالها الفاضح الآن هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اصبحت تجد هدفاً سهلاً لها في وسائل الإعلام في شكل عام وفي الصحافة المكتوبة خصوصاً. لوبن تهاجم جريدة «الموند»، وأردوغان وجد ضالته في صحيفة «حرييت» ومديرة مكتبها في أنقرة الصحافية هاندي فرات، على رغم أن هذه أجرت الاتصال الشهير بأردوغان خلال الانقلاب عليه عبر هاتفها النقال، والذي دعا فيه الأتراك إلى النزول إلى الشوارع دفاعاً عنه ضد الانقلابيين. لكن ترامب يظل العلامة الفارقة في هذه الحرب على الإعلام، التي سيشكل انتصاره فيها، لو حصل، نكسة كبيرة للديموقراطيات ولحق الناس في الوصول إلى الحقيقة. اختصر ترامب حربه بعبارة بسيطة، اعتبر فيها أن الصحافة هي «عدو الشعب». فهو يعتبر نفسه صاحب الحق الحصري في النطق باسم الأميركيين الذين يخاطبهم مباشرة عبر «تويتر». ترامب لا يعير أي اهتمام للإعلام التقليدي، ولا يخجل من إعلان أن مصادر معلوماته هي من محطة «فوكس نيوز»، صاحبة العين الواحدة في متابعة الأخبار وتغطيتها. ويرى وظيفة واحدة للصحافة هي التصفيق لما يقوم به. ويصعب فصل هذه الحرب على وسائل الإعلام عما تتعرض له هذه الوسائل على كل المستويات، تسويقاً وإعلاناً وكسباً للقراء، على يد ما بات معروفاً بوسائل التواصل الاجتماعي، التي توفر لزبائنها وجبات سريعة من المواد الإخبارية، من دون تدقيق ولا مسؤولية. ليس غريباً بعد ذلك أن تكون هذه الوسائل نفسها التي استخدمها ترامب وركب موجتها للوصول إلى البيت الأبيض هي وسائله المفضلة على حساب الإعلام التقليدي، الجدير بالدفاع عنه لحماية أي نظام ديموقراطي يستحق هذه الصفة. يقول المثل الانكليزي: إذا لم تكن قادراً على قتل الرسالة فالأسهل هو قتل من يوصلها. دونالد ترامب يطبق هذا المثل خير تطبيق. فهو ليس قادراً على وقف المخالفات والارتكابات التي تراكمت وفاحت رائحتها من مسؤولين كبار عيّنهم في إدارته، ربما لأن الارتكابات ومخالفة القوانين هي جزء من عمل الإدارة الأميركية الحالية. لذلك اختار ترامب شن حرب على من يوصلون الرسالة إلى الأميركيين، ومن بعدهم إلى العالم، وهؤلاء هم أصحاب الصحف وكتّابها ومراسلوها. هكذا اختار ترامب أهداف حربه من كبرى الصحف ووسائل الإعلام الأميركية وأكثرها صدقية، مثل صحيفتي «واشنطن بوست» و «نيويورك تايمز» ومحطة «سي أن أن». و «الجريمة» التي ارتكبها هؤلاء، والتي يتعرضون بسببها لحملات ترامب هي أن مراسليهم تمكنوا من كشف الاتصالات غير القانونية التي أجراها عدد من المسؤولين في إدارته مع السفير الروسي في واشنطن سيرغي كيسيلياك. أول هؤلاء المسؤولين كان مستشار ترامب للأمن القومي مايكل فلين، الذي أُرغم على الاستقالة، والآن جاء دور وزير العدل جيف سيشنز، الذي يشغل كذلك في الولايات المتحدة منصب المدعي العام، والذي كذب أمام الكونغرس، على رغم قَسَمه بأن يقول الحقيقة، ونفى أي اتصال مع السفير الروسي، فيما عثرت صحيفة «واشنطن بوست» على ما يؤكد لقاءه مرتين على الأقل بالسفير خلال حملة ترامب الانتخابية، وفي الوقت الذي كانت إدارة باراك أوباما تدرس عقوبات على روسيا بسبب تدخلها في أوكرانيا. وبدل أن يقف ترامب مدافعاً عن قانون بلاده الذي يمنع قيام أي مواطن أميركي، إذا لم يكن مسؤولاً، بمناقشة سياسة بلاده الخارجية مع أي شخصية سياسية أجنبية، قام بمهاجمة وسائل الإعلام لأنها استطاعت الحصول على تلك المعلومات، وبدأ المسؤولون في إدارته يدققون في هواتف الموظفين للبحث عما إذا كانوا أرسلوا رسائل أو أجروا اتصالات بصحافيين. لو كان ترامب يقرأ التاريخ جيداً، لتذكّر أن سلفاً له، اسمه ريتشارد نيكسون، خاض حرباً مماثلة مع الصحافة بسبب فضيحة «ووترغيت» التي بات اسمها مرادفاً له. لم يشفع لنيكسون نجاح سياساته الخارجية ولا انفتاحه التاريخي على الصين، ولا سحبه الجيش الأميركي من مستنقع فيتنام، ولا اتكاؤه على هنري كيسنجر، أشهر وزير خارجية عرفته الولايات المتحدة. كل ما يذكره التاريخ الآن أن نيسكون خرج ذليلاً من البيت الأبيض على يد شخصين اسمهما: بوب وودوورد وكارل برنستاين، وصحيفة اسمها «واشنطن بوست». – See
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الحياة” اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى