مقالات مختارة

هل يستحق ترمب كل هذه الشتائم؟

ممدوح المهيني

هجوم شعبي عاصف ومقاطعة سياسية واسعة وحرب إعلامية يواجهها ترمب لم تنقطع منذ شهور وحتى هذا اليوم الذي سيقسم فيه على أن يكون زعيم أميركا ورئيسها رقم 45. لحد الآن أكثر من 50 عضواً في الكونغرس أعلنوا أنهم لن يحضروا مراسم التنصيب وآخرون اعترضوا بأسلوب غريب وبنبرة انقلابية تشبه ما يحدث في دول العالم الثالث أنه رئيس غير شرعي على الرغم من أنه فاز حسب الأصول الدستورية. عدد كبير من نجوم هوليوود والمؤثرين في الإعلام وكبار القيادات في الاستخبارات ومواطنون غاضبون، كلهم يقفون بوجه ترمب ويصفونه بالمهرّج والتافه والمتحرش وقائمة طويلة من الشتائم.

لكن هل يستحق ترمب كل هذا الهجوم العنيف الذي وصل إلى حد السخرية بشكله والاستنقاص من عائلته؟
جزئيا هو مذنب ويستحق بسبب سلاطة لسانه ورعونته وشخصيته المثيرة للجدل وتسجيله المخجل الفضائحي، ولكنه أيضا تعرض للظلم والإجحاف من قبل أطراف كثيرة استطاعت أن تكون ماكينة إعلامية وشعبية هائلة لا تقبل من أي كاتب أو معلق إلا أن يهينه ويشتمه بدون أن يذكر بعض الإيجابيات والحقائق. ترمب يستحق النقد لردعه على الأقل ولكن لا يعني هذا المشاركة في كورس اغتيال الشخصية التي وضع لحنها خصومه اليساريون والمتعاطفون معهم ويريدون من الجميع الرقص عليه.
في قصص كثيرة وقع على ترمب الحق وخصوصا التغريدات الليلية ولكن في القضايا الكبيرة يبدو أنه مصيب بنسبة كبيرة. في قضية التقرير الاستخباراتي الأخير الذي قيل إن الروس يبتزونه بتسجيل فضائحي جنسي مع عاهرات، أثبت أنه كان محقاً في غضبه من الاستخبارات التي تداولت تقريرا هو عبارة عن “زبالة” كما قال محقا الصحافي الشهير بوب وودوورد مفجر فضيحة وتر غيت التي أطاحت بالرئيس نيكسون. مجرد تداوله في أعلى السلطات يعني إعطاءه شرعية وفي الحقيقة هي طعنة غادرة بظهر شخص سيكون رئيس أميركا بعد أيام. أخطأت الاستخبارات في تسريبه وزادت على ذلك وسائل الإعلام التي تبنته مثل موقع “بزفيد” ومحطة “سي أن أن” ولهذا السبب تلاسن ترمب مع مراسلها في المؤتمر الصحافي. هل كانت الاستخبارات ووسائل الإعلام الليبرالية ستنشر مثل هذا التقرير غير الموثق والمليء بالمعلومات المغلوطة والأخطاء الإملائية لو كان المتهم بالفضائح الرئيس أوباما. مستبعد جدا!
سخرت الفنانة ميريل ستريب وخصصت خطابها محذرة بعيون دامعة من خطورة عهده القادم وما أزعجها تحديدا أنه سخر من صحافي معاق ونيته طرد المهاجرين، وفي كلا الحالتين كانت مخطئة. لم يسخر من ذلك الصحافي وحديثه عن طرد المهاجرين كان يقصد فيه غير الشرعيين ومن لهم سجل إجرامي. ولكن من المضحك والمحزن بذات الوقت أن تسخر وتهزأ على مجرد تصريحات ولم تعترض على صمت وسلبية رئيسها المحبوب أوباما حيال المجازر التي ذهب ضحيتها السوريون وعلى أكبر الشاشات. مجرد دموع منافقة دوافعها إيديولوجية وحزبية لا أكثر. قبلها شتمه الفنان الشهير روبرت دينيرو ووصفه بالكلب والخنزير ومع ذلك لم يقل هذا الفنان الأسطوري أي كلمة اعتراضاً على حقوق الإنسان التي انتهكت خلال الـ8 سنوات الماضية في إيران والعراق وسوريا.
السؤال لماذا ننجرف ونصفق لميريل ستريب ونشارك في حفلة الشتائم والإهانات ولا نقف لحظة واحدة نسأل لماذا؟ السبب لأن الدعاية قوية وجارفة ومكارثية وأكبر من قدرتنا على الاعتراض حتى لا نتهم بالبطء الذهني والسذاجة السياسية والانحدار الأخلاقي ولكن هذا في رأيي مجرد خدعة تستحق أن تدرس في الجامعات.
لنستخرج بعض الحقائق وسط أكوام من الشائعات ونطرح على أنفسنا أسئلة بسيطة وإجاباتها أبسط.
هل ترمب مهرج كما يردد البعض ساخرين به؟
إذا كان ذلك صحيحا، فيكف لمهرج أن يراكم ثروة بمليارات الدولارات ويدير شركات يعمل بها الآلاف وأخيراً يرأس الدولة الأقوى في العالم. كيف لأضحوكة أن يختار لحد الآن شخصيات بارزة في حكومته بشهادة خصومه.
هل ترمب معاد للمسلمين وللمهاجرين كما يولول بعض الغاضبين محذرينا من نوايانا الطيبة وسذاجتنا البالغة؟
بعيدا عن التهويل، ترمب قال إنه معاد للمتطرفين من المسلمين وهذا ما نريده نحن قبل غيرنا لأن هؤلاء المتطرفين بالإضافة إلى أعمالهم الهمجية اختطفوا ديننا كما تختطف الطائرات. أما المهاجرون فترمب تحدث عن غير الشرعيين منهم وخصوصا ممن يملكون سجلا إجراميا. لماذا عليّ أن أتعاطف مع المجرمين والمنحرفين فقط لأن ترمب طالب بإبعادهم من بلاده. إذا كان ذلك صحيحا لماذا لا أتعاطف معهم في بلادي إذن! .
هل ترمب عنصري ضد السود؟
الحادثة الوحيدة المذكورة عنه هي عدم رغبته التأجير للسود ولكنها حادثة لم تثبت. العنصري البغيض سيعيد سلوك العنصرية والازدراء ولن يقول جملة واحدة ويسكت بقية العمر ويخفي سلوكه البغيض. إذا كان ذلك صحيحا لماذا إذن يعمل السود في شركاته واستثماراته.
هل ترمب متعصب مسيحي؟
لا، لا علاقة له بالدين لا من قريب ولا من بعيد ولا يحفظ مقطعا بسيطا من الإنجيل.
هل ترمب فاشي وديكتاتور؟
سيكون ذلك صحيحا لو كان يحكم كوريا الشمالية وليس أميركا بلد الدستور المقدس والمؤسسات المستقلة.
اليوم علينا أن نحذف كل ما قيل عنه من مديح وشتائم في سلة المهملات. اليوم سيستلم منصبه وسنعرف قريباً رؤيته السياسية ونظرته لمنطقتنا التي عانت كثيرا في عهد الرئيس أوباما.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موقع العربية نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى