أخبار ليبيا

هل كان 2021.. عام قراءة الروايات والقليل من الشعر؟

218| خلود الفلاح

هنا مجموعة متنوعة من الكتاب القراء، من جغرافيات مختلفة، لكنهم ينتمون إلى عالم الكتب الذي يصنع عالمًا واحدًا، يجد فيه القارئ مكانه المحبب في وقت تشهد فيه البشرية حروب ونزاعات وجائحة كورونا.

في هذا التقرير تحدث الكتاب القراء عن الكتاب الأبرز من قراءات العام 2021، وهل هناك كتب دون غيرها تركت أثرًا في النفس؟

التركيز على قراءة الروايات

يقول القاص الليبي جمعة بوكليب: الخوف من الإصابة بالفيروس الوبائي اللعين، حتم على الناس الوقاية، بالالتزام بالحجر الصحي، والبقاء في البيوت، تجنبا للاختلاط. ولأن الفيروس، في بداية حلوله، كان قاتلًا لمن يصيب، خصوصًا من كبار السن، قضيت معظم شهور العامين 2020 -2021، رهين جدران البيت طوعًا. وللتغلب عن العزلة القسرية، لجأت إلى القراءة عمومًا، وقراءة الروايات بشكل خاص، وشكرًا لموقع أمازون الذي تكفل بتوصيل ما أحتاج إليه من كتب وروايات إلى بيتي، ونظرًا لطول فترة الحجر؛ استعنت بما توفر على رفوف مكتبتي المنزلية من روايات وكتب لم يتح لي الوقت في السابق قراءتها، التركيز كان أكثر على قراءة الروايات، ربما لتعويض ما أفقدني الحجر الصحي من التحام يومي بالحياة، وهذا لا يعني أنني لم اقرأ كتبًا في موضوعات أخرى.

 

وتابع: كتاب الروائي هشام مطر (شهر في سيينا – A month in Siena)، كان أهم ما قرأت لتميزه، وتلاه كتابان آخران للكاتب الصحفي المصري المرحوم صلاح عيسى (حكايات من دفتر الوطن) و(هوامش المقريزي) ومؤخرا قرأت (أشتات الذات) للكاتب القاص عمر الككلي.

وتحدث جمعة بوكليب عن الروايات التي قرأها هذا العام وكان في مقدمتها “تمر وقعمول” للروائي محمد الأصفر، و”حطب سراييفو” للجزائري سعيد خطيبي، و” في غرفة العنكبوت” للمصري محمد عبد النبي، و”خبز على طاولة الخال ميلاد” للروائي الشاب محمد النعاس، و”الهروب إلى جزيرة اوستيكا” للروائي صالح السنوسي. كما أعاد قراءة رواية “الكتاب الأسود” للتركي أورهان باموق، ورواية أولى للكاتب الليبي الشاب محمد التليسي بعنوان “أراك في كل مكان”، وباللغة الانجليزية قرأ روايتين الأولى لكاتب فرنسي سنغالي اسمه ديفيد ديوب بعنوان “في الليل كل الدم أسود”، وأخرى لكاتب ليبي يعيش في هولندا اسمه كمال بن حميدة بعنوان “تحت سماء طرابلس”. الرواية كتبت في الأصل بالفرنسية وترجمت إلى اللغة الإنجليزية.

وأضاف: “القراءة المكثفة والمتواصلة لابد أن تترك وراءها اثرًا إيجابيًا. ويكفي أنها عوضتني عما افتقدته من حياة خارج البيت، وأمدّتني بطاقة إيجابية هائلة ساعدتني على تجاوز الهموم والمخاوف في النفس، وما تركه الفيروس الوبائي من انعكاسات سلبية وإحباطات في القلب”.

وفي ختام حديثه؛ بين القاص جمعة بوكليب أن أهم الفعاليات الثقافية المميزة بالنسبة له في العام 2021، كان المعرض الذي أقيم في لندن بمناسبة الذكرى الأولى لوفاة الفنان حسن دهيميش (الساطور) تحت عنوان “مقاومة، تمرد، ثورة”.

كتب وطدت علاقتي بالفن الروائي

يشير الروائي التونسي محمد عيسى المؤدب، إلى ثلاث روايات نالت إعجابه هذا العام وهي بلا ترتيب: “عيد ميلاد أسمهان” للروائي إبراهيم جابر إبراهيم، فرغم أنها لا تنشغل بالقضايا الكبرى؛ فإنها استطاعت أن تبني عالمها من تفاصيل الإنسان الصغيرة التي يهملها الكثيرون ولكنها جوهر الذات في صمتها وضجيجها وصدق اعترافاتها.

الرواية الثانية هي “تغريبة القافر” لزهران القاسمي التي صاغت بجمالية وإمتاع رحلة مقاومة من العطش إلى الارتواء، فكأنها رحلة أسطورية نحو اكتشاف الماء وإعادة الحياة للإنسان.

أما الرواية الثالثة التي أبهرتني وأفادتْ قناعاتي في علاقتي بالفن الروائي فهي “المائدة الربانية” للروائي الأمريكي دونالد ريْ بولوك، ترجمة مهدي سليمان وصدرت مؤخرًا عن دار مسكيلياني للنشر والتوزيع.

تنشغل هذه الرواية بالمجتمع الأميركي في زمن الحرب العالمية الأولى من خلال سيرة مزارع مع أبنائه الثلاثة. سرد بولوك بشكل ساخر هرولة المجتمع نحو تشييء الإنسان وتأليه الآلة حتى تطغى عليه همجية الشهوة والجريمة. واستطاع أن يحلل تناقضات الطبائع بجماليات سردية مبهرة بلا تعقيد أو ثرثرة.

الشغف بالكتب الغير معروفة

تنوعت قراءات اللبنانية هدى مرمر مؤسسة نادي القراءة Bookoholics في بيروت، حيث قرأت كتبًا بمختلف اللغات العربية والفرنسية والانكليزية في الأصل، بالإضافة إلى المترجم إليها. واستطردت: “كان شغفي بالكتب غير المعروفة أو القديمة بحثًا عن جواهر أدبية نادرة لم يسلط النقاد أو دور النشر أو القراء أو الجوائز الضوء عليها، خاصة في الآونة الأخيرة. وجدت في ذلك متعةً وحريةً أكبر من محاولة مواكبة أبرز ما اهتم الوسط الأدبي بترويجه والثناء عليه بمختلف مستوياته خلال العام الحالي، جنحت بقراري هذا إلى حد الامتناع عن قراءة كتاب ما اقتنيته أول إصداره بعد أن وصل للوائح الجوائز وخاصة البوكر العربية التي لي معها تجارب متناقضة”.

وتتابع: من أكثر الكتب التي نالت إعجابي هذا العام جديد الكاتبة مها حسن “قريناتي ـ دار المتوسط” وهي رواية لا تقرأ دفعةً واحدةً بل على جرعات لتدوم متعتها ويغوص القارئ في متاهتها.

اكتشفت قلم الكاتب خوسيه كارلوس ليوب “ملف شتاين ـ دار هاشيت أنطوان”، وآمل أن أقرأ المزيد من إبداعاته، استمتعت برواية “جسور وشروخ وطيور لا تحلق” للكاتب أنور حامد (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) الذي لا يخذلني قلمه،كما لمست إبداعًا في باكورة ديما عبدالله الروائية “أعشاب رديئة”، ورواية “الصبار” لسحر خليفة (دار الآداب)، ورواية “ريا النهر” لجبور الدويهي (دار الساقي).

أما أكثر كتاب أثّر بي؛ فهو “منزل لايسي” لجوان غراهام (“Lacey’s House”- Joanne Graham By Legend Press) ) وهو رواية عذبة وملهمة ترتكز على التقاءٍ بين امرأتيْن وحدهما الألم في فقدان طفلهما في زمنين مختلفين، فشاء القدر أن تتكامل تجرباتهما وتجابها ماضيهما بحزمٍ وبراءة وحب لا محدود يدًا بيد.

وترى هدى مرمر، أن الإقبال الكبير على معرض الكتاب العربي في إسطنبول في أكتوبر الماضي لافتٌ للانتباه، وكأن العرب والأتراك الملمون بالعربية كانوا بانتظاره ليرووا ظمأهم حيث بلغ عدد الزوار 108,201 زائرًا.

في الكتب حياة

يقول المترجم العراقي عماد العتيلي أن العجيب في أمر الكتب بمختلف أنواعها أنها لا تترك القارئ كما كان قبلها، بل تغيره وتؤثر فيه. كل كتابٍ يقرؤه المرء يؤثر فيه بطريقةٍ ما، حتى الكتاب الذي يراه القارئ رديئًا وتافهًا. وربما كان لأستاذنا العقاد في هذا الباب رأيٌ أتبناه، وهو أن الكتب التافهة لا تخلو من نفع، وأن على القارئ ألا يقتصر في قراءاته على الكتب المنتقاة؛ لأنه يكون بذلك كالمريض الذي لا يأكل سوى الأطعمة المنتقاة. ولذلك، أجدني لا أقرأ كتابًا إلا وأنتفع وأتأثر به، ربما كنت فيما مضى حين أقرأ كتابًا “رديئًا” أسارع إلى نقده وتقريع كاتبه والذين سولت لهم أنفسهم الإعجاب به، بيد أنني حين أنظر إلى نفسي الآن، أجد تلك الكتب قد ساهمت في صقلي وتكويني في الصورة التي أنا عليها اليوم، وأخال هذه حال جميع زملائي وزميلاتي من القراء.

وواصل: هناك كتابان نالا إعجابي هذا العام، كلاهما مترجم. أما الأول، فإلياذة هوميروس بترجمة الأستاذ الكبير الراحل سليمان البستاني.طبعًا هذه ليست قراءتي الأولى للإلياذة، بل هي الثالثة أو ربما الرابعة. وسر إعجابي بها هو كونها ملحمةً غاصةً بالدروس والحكم. فأجدني كلما قرأتها أدركت حكمةً جديدة وأفقًا واسعًا لم أره من قبل. قرأتها أول مرةً في أثناء دراستي الجامعية، وقد رشحها لنا آنذاك أستاذي الدكتور ثائر القاضي. وأذكر أني تتيمت بها فقرأتها بعد ذلك مرات. وهذا العام تعثرت بترجمة البستاني لها، فقرأتها وذبت فيها، ووجدتها أجود نسخةٍ من الملحمة. وربما تفوقت عندي بجمالها على النسخة الإنجليزية. فقد ترجمها البستاني نظمًا، وجعلها قصيدةً طويلةً متنوعة البحور.

أما الثاني، فهو كتاب قصة حياتي لهيلين كيلر. بترجمةٍ ماتعةٍ لصديقي الأستاذ باسم محمود. وهو كتابٌ مؤثرٌ بحق، فيه قصة كفاحٍ وجهادٍ ضد المعوقات وأمواج الحياة. وفيه قصةٌ إنسانيةٌ بامتياز كانت كالمرآة أبصرت فيها صورًا مني، بخاصة لما فوجئت بالسيدة هيلين إذ تصف ملحمة الإلياذة قائلةً: “حين أقرأ أرقى المقاطع من الإلياذة، أعاين إحساسًا روحيًا يسمو بي ويرفعني عليا فوق أحوال حياتي الضيقة المقيدة …”. حفزني هذا الكتاب وبث في طاقةً غامضة للإنجاز والنظر إلى الحياة بتفاؤل، فاحتل مكانًا مستحقًا في قائمة مفضلاتي.

هذان كتابان أنصح كل من لم يقرأهما بالإسراع إلى قراءتهما، فعلى الرغم من ضخامة حجمهما (فالإلياذة تقع في نحو ألفٍ وثلاثمائة صفحة، وقصة حياتي يقع في نحو ستمائة صفحة)، فإنهما يستحقان كل دقيقة، وكم يحتاج الإنسان في هذا العصر السريع إلى ساعةٍ يسكن فيها إلى كتابٍ يقرؤه ببطءٍ ويذوب فيه، بعيدًا عن صخب الحياة!

لا أخطط لقائمة معينة من القراءات خلال العام

يقول الصحفي والكاتب اليمني أحمد الأغبري، أن العام 2021، كان حافلات بقراءات لعددٍ من الكتب المهمة، وبخاصة في مجالي السياسة والأدب، ومن أهم الكتب التي نالت إعجابي أذكر منها مذكرات الرئيس اليمني الراحل القاضي عبدالرحمن الأرياني الذي حكم اليمن الشمالي خلال الفترة 1967- 1974، والتي صدر منها جزاءان، وقد أعجبت بها كل الإعجاب، واقتربت من خلال هذه المذكرات من شخصية يمنية تمتلك روحا إنسانية ووطنية عالية ونزاهة وأخلاقًا عالية قلما نجدها اليوم، على ما في رؤيته السياسية من ثغرات تحسب عليه، وما شهدته فترة حكمه من هفوات وحوادث ومشكلات يتحمل مسؤوليتها.

ويضيف: “من أهم كتب الأدب التي قرأتها خلال العام، رواية (زهر الغرام) للكاتب اليمني أحمد قاسم العريقي، وهي أفضل ما قرأته على صعيد معالجة معاناة فئة المهمشين في اليمن”.

وتحدث أحمد الأغبري عن أهمية القراءة بالنسبة له، كفعل يومي لا ينقطع؛ وبالتالي فهي فعل متواتر، لكنه عنده ليست فعلاً مخططًا له، واستطرد: “لا أخطط بداية العام لقائمة معينة من القراءات خلال العام؛ لاسيما ونحن في بلد يعيش حربا وحصار، وبالتالي ما نحصل عليه من الكتب الجديدة هو من خلال السوق السوداء التي توفر لنا نسخا مزيفة، بالإضافة إلى ما نحصل عليه من خلال المكتبات الالكترونية عبر شبكة الانترنت. أقول دائمًا إن شخصية القارئ بعد قراءة كتاب يفترض تكون مختلفة عما كانت عليه قبل قراءته، وخاصةً على صعيد المواقف الإنسانية”.

زينب والحداثة والقرآن

واعتبر الكاتب العراقي إبراهيم رسول، أن معارض الكتب هي ظاهرة ناجحة، وذات فائدة ثقافية ومعرفية في عملية التواصل الثقافي والمعرفي بين شعوب العالم. إذ يطلع كل شعب على ثقافة ووعي الآخر، إذ شهد العراق معارض للكتاب متنوعة ومنها ثلاثة كانت مميزة جدًا: معرض البصرة الدولي، ومعرض النجف الدولي، ومعرض بغداد الدولي.

تميزت هذه المعارض بالمشاركات الدولية الكبيرة، وقد انتفعت شخصيًا من هذه المعارض إذ حصلت على أحدث الكتب التي أصدرتها دور نشر رصينة عربيًا وعالميًا.

ويواصل: من أعمق الكتب التي كان لها صدىً واسعًا في معرض الكتاب الذي أقيم في مدينة البصرة والنجف وبغداد هو كتاب “الحداثة والقرآن” للمفكر المغربي سعيد ناشيد الذي أخضع كتاب القرآن للبحث العلمي وراح يبحث وينقب ويتساءل ويُسائل القرآن! وهذه جرأة علمية قلما شهدتها في بحوث كثير من الذين بحثوا في القرآن بروح علمية منهجية!

أستطيع القول: إنه كتابٌ نافعٌ لمن يرغب أن يركض وراء العلم ليحقق غاياتٍ إدراكية ومعرفيةٍ، لا جدال في أن الوهم الديني خدّر العقل كثيرًا وما يزال يهيمن الخطاب الديني على العقل البشري! ولكن أوهام المادة أقل خطرًا من وهم الأديان التي أصبحت بيد رجالات يكيّفونها حسبما شاءوا!

الكتاب هو نقد لحالة الجمود الفكري وكسر هيمنة المقدس وإخضاعه للبحث والدرس العلمي. فخرج لنا بنتائج تكاد تكون مبهرة في الدرس القرآني الذي لم نألفه من قبل وهذه سمة البحث العلمي الفلسفي الذي لا يأخذ إلا بالنتيجة التي تنتجها تجربة البحث العلمي الصرف!

وقال إبراهيم رسول، إن رواية “زينب” للكاتب عارف الساعدي أخذت مساحة واسعة من النقد والانتقاد. والغريب أن نقاد هذه الرواية لم يقرأوا سطرًا منها حتى! وهذه مفارقة معروفة!

قرأتها كاملةً لمرتين متتاليتين لم أتركها إلا وأنا منبهرٌ بجاذبية الشد والجذب في السرد أنه كسرٌ للسائد المشهور فهي قصة لم نتخيلها ولم تشتغل عليها سرديات الحداثة وما بعده، إذ إن الثيمة الرئيسة للرواية كانت جديدة كل الجدة وطريقة الصوغ السردي كانت غاية في الإبداع، وكان الشاعر متألقًا في سرده الأدبي وليس الصحفي التقريري وهذه ميزة لا يتقنها إلا كوكبة من الأدباء المبدعين، فهو يسرد قصة عائلةٍ يهوديةٍ تسكن في مدينة كربلاء (احدى مدن العراق الدينية) ليكتشفوا فجأةً أنهم يدينون بالديانة اليهودية التي حسب معتقد الديانة أن الأطفال يكونون على دين الأم وليس الأب! إذ كانت أمهم من عائلة يهودية والأب شيوعي من مدينة الناصرية (مدينة في جنوب العراق) الرواية نسوية وخطابها نسوي ولغتها السردية لغة نسوية، البطلة الساردة هي (زينب) التي تتشابه مع والدها في صفة التمرد على الأديان، فوالدها تمرد حتى على أهله الذين رفضوا أن يتزوج امرأة يهودية! فقرر أن يتركهم ويمضي مع حبيبته التي أخلصت له كل حياتها!

كان الروائي ناقدًا لحالة عدم قبول الآخر التي تهيمن وتسيطر على عقول كثيرٍ من الناس على اختلاف أديانهم، فالروائي ينتقد حالة عدم قبول الآخر، وأعطى مثالين:

الأول: في والد محسن الذي رفض أن يتزوج ابنه من يهودية!

الثاني: في رفض والدة أشيرا (اليهودي) تزويج ابنته من ابن محسن بحجة أنه مسلم!

فمسألة عدم قبول الآخر هي صفة يشترك بها اليهودي والمسلم (في هذه الرواية)، وهذا نقد واضح لحالة تكاد تكون سبب المشكلات الكبرى التي تعاني منها الشعوب اليوم! هذان الكتابان من أروع ما قرأت في هذا العام 2021.

روايات ربيع جابر وعبد الرحمن منيف

تشير الناقدة والمترجمة الجزائرية سارة سليم إلى أنه مهما حاول الواحد منا الحديث عن الكتب الجيدة التي قرأها خلال سنة معينة، لا يفلح، لأن أي كتاب قرأه ساهم بطريقة ما في تشكيل ذوقه وقدرته على التمييز، وهنا، تحديدًا، يمكن القول إن كل الأعمال لها قيمتها المعرفية سواءً استشعرنا ذلك أو أنكرناه عن دراية، ذلك أن القارئ الراسخ في فعل القراءة، والذي تمثل له القراءة وجودًا قائمًا بذاته وعالمًا موازيًا، لا يمكن إلا أن يقرأ ويقرأ فحسب، وسأستعير من ربيع جابر مقولته “بالنسبة لي القراءة مثل الكتابة هي وسيلتي الوحيدة لأتأكد أنني موجود”.

وتواصل، أرى أنه حتى التخصيص في الحديث عن أعمال بعينها سيكون مجحفا، إذ لا تجوز أحيانا المقارنة بين الكتاب، لا يكتب الواحد منهم مثل الآخر من ناحية الموضوع، على الأقل بالنسبة لي، لأنني أقرأ بمعدل خمس ساعات يوميًا، لكن معياري لرواية ما أنها جيدة، عندما لا تنقل لي الواقع كما هو، ولا تأتيني بخيال لا أصدقه، وانطلاقا من هذا تحديدًا، تمثل رواية “في الطريق إلى برلين” للروائي السوري الإيطالي يوسف وقاص معياري للرواية الجيدة، وذوقي في القراءة حاليا، فهي كتبت كما يجب للرواية أن تكتب، كفن له شروطه وقواعده، إذ إنها العمل الوحيد الذي أستطيع أن أقول عنه، أنني قرأت رواية تضاهي الغرب فيما يكتبون، وتُعيد الأمل في قدرة الكتاب العرب على صناعة روايات تنافس الآداب العالمية؛ لأن أغلب من يكتب الرواية حاليا يعتقد أنه بمجرد أنه يعرف اللغة العربية وقرأ الكثير يمكن أن يصبح روائيًا، لذا نجد هذا التراكم الرهيب من الإصدارات كل سنة، ومع هذا؛ فأنا مؤمنة بأن الوقت كفيل بالتصفية، ولا نجاح إلا للأدب الجيد ولو بعد حين، وبحسب سارة سليم، تأتي رواية “رام الله” للروائي الفلسطيني عباد يحيى.

وتضيف: “لم أقرأ بعد روايات ربيع جابر وروايات عبد الرحمن منيف، عملا فيه حكايات تاريخية تنطوي على فلسفة المدينة كما قرأت في رام الله، وكإنصاف لهذا العمل دون مقارنته بغيره، فإنه جاء بـ 730 صفحة برغم أنه موجه لقارئ عربي (حيث أن مستوى القراءة عربيا ضعيف فما بالك قراءة عمل ضخم)، وهذا ما يوضح أن عباد يحيى في هذه الرواية كتب عملا للتاريخ، ورواية تقدم فلسطين بشكل مختلف دون البكاء على الأطلال الذي انتهجه البعض كوسيلة ليصبح مخبرًا عن بلده لدى الآخر الذي يتلهف لسماع كل ما هو غريب عن البلدان العربية.

هذه الرواية؛ انتصرت للإنسان العادي دون أن تسقط في فخ التقرير، وأهم شيء أنه أجاد بذكاء إذابة قراءاته داخل المتن الروائي، وهو الذي كتب في آخر العمل عناوين الكتب التي اطلع عليها كي يكتب هذه الرواية الضخمة، ما يحيلني إلى رأي أمبرتو إكو: في هذا الصدد، إذ يقول “إن المؤلف يكذب عندما يقول لنا إنه يشتغل تحت تأثير إلهام ما، إذ لا يشكل الإلهام سوى 20 في المائة، في حين يشكل المجهود 80 في المائة”.

صدقًا، إن قرأ هذه الرواية أربعون قارئًا عربيًا؛ تكون بالفعل انتصرت للرسالة التي قدمتها، كما أتوقع لها الكثير في الزمن القادم.

سعدت أيضًا، هذه السنة، باكتشاف كتاب يكتبون الرواية بطريقة مبهرة كالروائي المغربي محسن الوكيلي وروايته “أسير البرتغاليين”، والروائي اللبناني فايز غازي وروايته “أزهار الموت” حيث أعتبر فايز غازي قبل أن يكون كاتبًا، فهو واحد من القراء الذين نفخر بوجودهم في المشهد الثقافي العربي، والروائي اللبناني أحمد محسن وروايته “السماء ليست معنا”، دون نسيان “لهو الإله الصغير” للروائي السوداني طارق الطيب، هذه الرواية تحديدًا تجعل القارئ يفكر بشكل مختلف، ورواية “ماكيت القاهرة” للروائي المصري طارق إمام، إذ انتصرت “ماكيت القاهرة” للفن بطريقة مدهشة.

وبخصوص الرواية الجزائرية، تقول سارة سليم: “قرأت الكثير من الروايات الجزائرية لأسماء أدبية جديدة كانت تجربة قراءتها تستحق، أذكر منها رواية “مايكيلا” للروائي الجزائري سليم بن عمارة، رواية مختلفة استطاع الكاتب من خلالها أن يوظف أدواته بشكل ممتاز.

هناك أيضًا رواية “هاوية المرأة المتوحشة” للروائي الجزائري عبد الكريم ينينه هذه الرواية ولدت كبيرة شأنها شأن الأعمال الأدبية الحقيقية، إذ أتوقع لها الكثير، علما أنها أول تجاربه.

وبطبيعة الحال، كل الأعمال الأدبية التي تحدثت عنها، لكتاب أقرأ لهم للمرة الأولى، لذا أحببت الحديث عن هذه الروايات دون غيرها.

وأوضحت سارة سليم، بخصوص الأعمال المترجمة، لا يمكن حصر قراءاتي كما ذكرت سابقا في عمل أو اثنين، ولعل أفضلها بالنسبة لي من ناحية الموضوع، الأسلوب، وحتى الترجمة: رواية “الزمن الحسي” لجورجو فاستا، و”أكاذيب الليل” لجزوالدو بوفالينو، و”لا جديد في الجبهة الغربية” للروائي إريك ماريا ريمارك.

قرأت كذلك كتبًا تاريخية مهمة أذكر منها كتاب “أكبر سجن على الأرض” لإيلان بابيه، وأعدت قراءة كتاب “حرب الجزائر حرب سلام ووحشية” أليستير أورن .

بالنسبة للشعر، فأنا متحفظة جدًا في إبداء رأيي. لنتفق، في الشعر، إما أن تكون شاعرا أو لا تكون، وأعتقد من قراءاتي لهذه السنة، الوحيد من وجهة نظري من كان في الشعر كما يجب للشعر أن يكون، الشاعر السوري أمارجي في ديوانه “فيلولوجيا الأزهار”.

وأحببت أيضًا ديوان “نصف كيلو من السعادة” للشاعر الفلسطيني المغترب فخري رطروط.

أما رأيي في التظاهرات العربية والعالمية فيما يتعلق بالكتاب؛ فلا أملك إجابة صادقة تعبر عن وضع الكاتب عربيًا، وذلك بسبب نقص التوزيع وغيرها من الأسباب، وجاءت جائحة كوفيد 19 لتلحق هي الأخرى أضرارا بهذا القطاع، بيد أنني أرى أن الجوائز وأبرزها جائزة “البوكر” خلقت نوعًا من التنافس بين الأعمال؛ مما حفز القارئ للاطلاع عليها، وهذا أمر إيجابي بالفعل، لكنه لا يكفي وحده.

وفي ختام حديثها، بيّنت الناقدة والمترجمة سارة سليم، أن هناك احتفاءً عالميًا كبير بالكتاب؛ ذلك أن الكتاب بالنسبة لهم مثل الغذاء، ولم تمنع الجائحة القارئ الغربي من ممارسة شغفه.

لا أحب سياسة جلد الذات، لكنني أتمنى واقعًا أجمل وأفضل.

وكمتابعة لصفحات القراءة على مواقع التواصل؛ ألاحظ وجود قراء عرب حقيقيين يشجعون على القراءة، كما أن هناك مبادرات رائعة للقراءة كمبادرة صيدلية الكتب، نادي صناع الحرف، جسور من ورق، وغيرها من المبادرات الجميلة التي تستحق التثمين.

في الأخير؛ يمكن القول إن القراءة على رأي “أرنو”، “هي تجربة تغزو الوجود كله بشكل غير مرئي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى