أخبار ليبيااهم الاخبار

هل حقّا.. ما يحسّ النار إلا اللي عافس فيها؟

خاص 218
أحلام المهدي

عندما نسمع عن انقطاعٍ للكهرباء يمتدّ بالساعات، واختفاءٍ للنقود من البنوك والجيوب لشهور، وأسعارٍ تقفز للأعلى دون هوادة، وطقسٍ مُتآمر ترتفع فيه درجات الحرارة إلى ما فوق الأربعين في مدينةٍ جبلية عُرِفت بطقسها الحاني على ساكنيها، فهل من الممكن أن يشعر بهذا مَن يعيش في “أوتاوا” مثلا؟

حيث لم تبرح الكهرباء يوما منزله، وحيث يحصل على ما شاء من نقود من نافذةٍ مُشرَعةٍ في معظم الشوارع والمباني، حتى الطقس ليست له أيّة سطوة في “أوتاوا”، لأنك ستشكّله كما تشاء بكبسة زر، داخل كل مكان تتواجد فيه.

أسئلةٌ كثيرة قد نطرحها، لنحصل على إجابةٍ مفادها أن ساكن “أوتاوا” سيختلف شعوره حتما باختلاف جنسيته، أو لنَقُل باختلاف جذوره، وأين تمتدّ هذه الجذور.

في “أوتاوا” أو “هلسنكي” أو حتى في “مراكش”، سيتجاوز الليبي المُقيم هناك كل ما يعاني منه الليبيون اليوم من ظروف قاسية، لكن هذا لن يجعله أبدا بمنأى عن “النار”، ولا يتهمني أحدٌ بالمبالغة أو الإفراط في العاطفة، لأن هذا يختلف باختلاف شعاع “الإنسانية” المنبثق من الرّوح، وهو حتما لا يتوهّج عند الجميع، فقد تؤلمك نظرةٌ من عينيّ طفلٍ جائعٍ في “الهند”، وقد لا تنتبه حتى إلى الخبر المتعلّق به رغم مشاهدتك لنشرة الأخبار، هذا تماما ما يحدث في الحالة الليبية، فقد يعيش أحدُنا مُرفّها في أكثر مُدن العالم أمنا وجمالا، لكن الصور والأخبار القادمة من الوطن، ستجعل هذه الرفاهية شيئا من عبءٍ نفسي مُرهِق، رغم أن علم النفس وبعض العلوم الحديثة التي تعتمد “الذّبذبات” التي قد يجلبها المرء بمشاعره فقط، تنهانا عن هذا، لكنها طبيعة الإنسان التي ليس من اليسير تغييرها أو تجاوز ما يحدث في دهاليزها.

فمن يعيش خارج الوطن قد تكون له أم تطلّ كل صباحٍ على عين النار، لتضاعف حَرّ النهار فقط لتصنع أرغفة “التنّور” الطازجة التي تُجنّب بها بقيّة إخوته تسوّل الخبز الرديء من أمام المخابز، وسيكون له أب أو إخوة ينخرطون في طوابير الحاجة المنتشرة أمام البنوك أو أسواق السّلع المدعومة، وقد تكون له أخت لازالت طفلة، يعجز عن أن يرسل إليها بعض الألعاب والهدايا بسبب ظروف البلاد.

وبالعودة إلى السؤال، هل حقا ما يحسّ النار الا اللي عافس فيها؟

أقول نعم، لكن لـ”العفس” على النار عدّة صور، فآلام الوطن ستجتاحك إذا كنت فيه وتعيش داخل حدوده، لكنها أيضا لن تبرحك، لأنها تطال أباك وأمك وإخوتك، تطال جيرانك وكل من يهمّك أمرهم، تطال أبناءك الذين قد لا يجدون في المستقبل القريب وطنا يُلملم أحلامهم الكثيرة، آلام الوطن لن تبرحك، وستشعر أينما كنت ب”تسطير” الجرح الغائر في جسد الوطن الليبي على امتداده.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى