مقالات مختارة

نستطيع أن نقوم

محمد حمودة

بعد مرور ثلاثة وعشرين عاما على إحدى أبشع و أكبر الجرائم التي ارتكبت في تاريخنا المعاصر من قبل أناس يشتركون ذات البلاد و العرق و الدين، إبادة مليون هوتسي من قبل الهوتو أمام مسمع ومرأى المجتمع الدولي اتحدث

تلقيت دعوة من الاتحاد الأفريقي لحضور المؤتمر الرابع للهيئات الانتخابية على مستوى القارة السمراء الذي تحدد عقده في مدينة كيجالي عاصمة روندا.

ذهبت الى كيجالي و أنا أحمل في ذهني صور الحرب و المجازر و خطابات كوفي عنان و هو يعترف بفشل الأمم المتحدة في منع أو حتى إيقاف الكارثة التي حلت برواندا، وعليه تهيأت للساعات الطويلة التي سأقضيها داخل أروقة الفندق دون الخروج و زيارة المدينة لدواعٍ أمنية، كما هو حال الأجانب في بلدي اليوم.

و منذ وصولي إلى مطار كيجالي بدأت في ملاحظة ومراقبة كل ما تقع عليه عيناي و مقارنته بالصورة النمطية التي أحملها، كان مطارهم متواضع، العاملون فيه منضبطون بقيافة كاملة و أسلوب لبق يتحدثون الإنجليزية و الفرنسية بطلاقة وهدوء ملفت ، أخذت تأشيرة الدخول بسلاسة و قمت بدفع قيمتها ببطاقة المصرف، خرجت و وجدت مجموعة من الشباب و الشابات المسؤولين عن استقبال وفود المؤتمر ليرحبوا بنا و ينقلوننا إلى أماكن الإقامة.

سررت بما رأته عيناي حتى هذه اللحظة و لكن الشكوك لازالت تراودني في ما إذا كان هاذا هو الوجه الحقيقي لهذه الدولة ذات التاريخ المظلم, ركبت السيارة متجها إلى الفندق وسط هدوء الساعات المتأخرة من الليل و أنظر من خلال الزجاج إلى طرق معبدة نظيفة متعرجة تتمايل مع المرتفعات محاطة بمبان جديدة و أخرى قيد الإنشاء.

سألت السائق هل طرق المدينة بأكملها هكذا ؟ قال لي نعم فكيجالي تسمى بمدينة الألف هضبة .

اكتفيت بالإجابة إلا أنني قصدت هل الطرق كلها نظيفة و بهذا النسق أم نحن في الجانب المشرق من المدينة , حيث كما جرت العادة عندنا , أفضل الطرق هي المؤدية من المطار إلى قصور الضيافة و قاعة المؤتمرات.

وصلت إلى مكان إقامتي وأنا متشوق إلى أن أخرج في الصباح للإجابة عن سؤالي هل هاذا هو الجانب المشرق من المدينة أم أنه ( صالون البيت )

أشرقت الشمس على مدينة الألف هضبة, و أصبحت أجمل مما كانت عليه في الليل حيث المسطحات و الأشجار الخضراء الناصعة و الموضوعة بدقة على الأرصفة و بجانبها السيارات الواقفة التي تتخللها خوذ من يقودون الدرجات النارية جميعهم منتظرين الانطلاق من جديد فور انقشاع الإشارة الحمراء. كان هاذا المشهد علامة واضحة عن احترام القانون.

لم يكن لدي الكثير من الوقت لمعرفة الكثير عن روندا فقررت الذهاب إلى بيوت الذاكرة, المتاحف و دور الفن و كذلك البرلمان الحالي الذي توجد به أعلى نسبة تمثيل للمراءة في العالم , هاذا البرلمان الذي كان يتمركز فيه الجناح العسكري لحزب الجبهة الوطنية الروندي و الذي أصبح رئيسه لاحقا رئيسا لرواندا حتى يومنا هاذا و الصورة المرفقة هي لبول كيجامي الرئيس الروندي الجدلي الذي يراه الكثيرون بأنه يسعى لأن يكون مثل ( لي كوان يو) رئيس الوزراء الأول لسنغافورة خاصة وأن روندا تحتل المرتبة الثانية من ضمن أفضل الدول الأفريقية للقيام بالأعمال , و لكن تضل الديمقراطية و حقوق الإنسان أقل أهمية لديه حسب آراء آخرين. .

الحديث سيطول و يطول عن التجربة و المقارنات و لكنها زادت من ثقتي بأننا نستطيع أن نقوم على حطام الثورة و الحروب الأهلية وأن نبني دولة إن شاء الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى