مقالات مختارة

نتذكر السادات!

حسين شبكشي

انتهيت للتو من قراءة كتاب مثير للجدل بعنوان «الملاك»… «الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل» تأليف الكاتب الإسرائيلي يوري بارجوزيف الذي يدعي فيه أنه تم تجنيد أشرف مروان ليكون جاسوساً لإسرائيل، إلا أن الكتاب يفشل تماماً في إقناع القارئ بأن القيادة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية نجحت في التعاطي بجدية مع تاريخ الضربة العسكرية من المصريين في حرب 1973 رغم كون العميل المصري، بحسب ما يقول الكاتب، قد أخبرهم مسبقاً بذلك.

أعتقد أن أنور السادات قد نجح في خداع إسرائيل وفاجأهم بضربة استباقية ماكرة مكنت العرب من الحصول على نصر مهم على إسرائيل بعمل عسكري وسياسي واقتصادي كان فيه قدر من الإعداد والتنسيق والتخطيط والكتمان بشكل مدروس وغير مسبوق، ولم تكن هذه الضربة الوحيدة التي نجح السادات في توجيهها ضد إسرائيل، فقد نجح أيضاً في معركة السلام واستعادة كامل أراضيه وقضى تماماً على مستقبل مناحيم بيغن السياسي بعدها، الذي دخل في مرحلة من الاكتئاب العميق لأنه كان دوماً يشعر بأن السادات «خدعه» و«ضحك عليه» كما كان يصرح بذلك للدائرة المقربة منه دوماً.

السادات كانت لديه قرارات «استباقية» مهمة في شخصيات دفع ثمن مواقفها العالم العربي الغالي والنفيس. شخصيات مثل صدام حسين والعقيد معمر القذافي وحافظ الأسد والخميني. لقد كان من أوائل الناس الذين حذر من شرورهم وخصوصاً من المشروع الطائفي للنظام السوري ودوره المريب في لبنان واحتلاله له، وكذلك الأمر، كان يرى العلاقة التجارية العميقة والتنسيق السري الهائل بين نظام الخميني وإسرائيل رغم الشعارات الفارغة والمضللة التي كان الخميني رفعها لنصرة فلسطين وتحرير القدس.

اكتشف السادات كل ذلك مبكراً ولكن كان يتم تخوينه من العامة لأن أبواق القومجية كانت تشن حملات التشكيك والتخوين في حقه بقيادة محمد حسنين هيكل الذي اقترب كثيراً من الخميني ومجّده في كتبه ومحاضراته ومقابلاته بشكل مريب وغريب جداً، ومن المعروف، وليس بالسر، حجم الغيرة التي كان يحملها هيكل للسادات لأنه كان يرى نفسه أجدر منه بمنصب رئيس مصر.

اليوم يرى العالم صدق قراءة السادات الاستباقية تجاه نظام الأسد وأفعاله ضد شعبه وجيرانه ونظامه الطائفي الإقصائي البغيض، وكذلك الأمر بالنسبة لنظام الخميني الذي استغل عواطف العرب إزاء قضيتهم الأولى فلسطين ودغدغ مشاعرهم حتى تبين لهم اليوم أن الميليشيات التي شكلها نظام الخميني هي في الحقيقة لم تكن إلا مشروع فتنة وتخريب في العالم العربي ندفع ثمنه يومياً بشكل مؤسف وحزين.

أنور السادات كان شخصية مثيرة للجدل واختار قرارات صادمة بناء على شجاعة وقراءة خاصة لما هو «مختلف» وغير تقليدي، ولكن قراءته السابقة لأوانها لم يستمع إليها الحكماء وقتها وكان للغوغائية الحظوة الكبرى، وهي الحظوة التي كلفت المنطقة العربية أرتالاً من الخسائر وخيبات الأمل المهولة، لا تزال آثارها باقية حتى اليوم.

………..

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى