مقالات مختارة

نابليون وحاشيته

خالد القشطيني

لم يكن نابليون بونابرت إمبراطوراً وقائداً بارعاً وحسب، بل كان أيضاً رجلاً على قسط كبير من البلاغة والظرف. رويت عنه قفشات وطرائف كثيرة، استشهدت ببعضها بين الفينة والفينة. ولكن كانت هناك أيضاً طرائف وقفشات جرت على حسابه كذلك. إن من صفات الظرف أن يكون صاحبه مستعداً لأن يأخذ مثلما يعطي.

روي عن الإمبراطور الكبير أنه اعتاد على أن يبدأ الأسبوع باستعراض جميع العاملين في القصر، ومخاطبتهم والتحدث إليهم بسؤال أو ملاحظة. بالطبع، تجري معظم أسئلته في إطار الأسئلة التقليدية عن الصحة والعائلة والأولاد، وهلم جرا مما أخذ يتكرر على الأسماع بشكل رتيب. وكان بين رجال البلاط حاجب لوذعي دأب على سماع الأسئلة العائلية نفسها: هل أنت متزوج؟ نعم، يا سيدي. هل لديك أولاد؟ نعم، يا مولاي. كم لديك من الأولاد؟ ثلاثة، يا سيدي.

يأتي أسبوع ويمضي أسبوع والأسئلة تتكرر، ومعها تتكرر الأجوبة. سأل الإمبراطور ذلك الحاجب: كم لديك من الأولاد، فأجاب: تسعة. فقال: ولكنك أخبرتني في الأسبوع الماضي أن لديك ثلاثة أولاد فقط؟ فأجابه بكل هدوء وموضوعية: «نعم، يا سيدي الإمبراطور. ولكنني خشيت أن أثير الملل في نفس جلالتكم»!

تذكرنا الحكاية بمدى ما كان لنابليون من ذاكرة قوية. ولكن ورغم كل ما قيل عن رباطة جأشه، فقد كانت له أيضاً نوباته من الغضب، مما يتصف به سائر الحكام المستبدين. أثار غضبه بصورة خاصة الثوار الإسبان في بسالتهم ومقاومتهم لجيوشه الفاتحة عام 1811. واجه ذلك بصورة خاصة في هجومه على مدينة إشبيلية التي صمدت بعناد، فأثارت نوبة من نوبات غضبه، فقال لأحد ضباطه: «إذا لم تستسلم إشبيلية خلال الأربع والعشرين ساعة المقبلة، فسأهدم كل شيء في المدينة، وأحلقها عن بكرة أبيها».

أجابه الضابط قائلاً: «كلا، يا سيدي الإمبراطور، لا تفعل ذلك، فلو كنت في محلك لما فكرت في ذلك مطلقاً». سأله نابليون: ولم ذلك؟ فقال: «يا مولاي، إنك إمبراطور كل الفرنسيين وسيد أوروبا، فهل ترغب أن يضاف إلى هذين اللقبين لقب (حلاق إشبيلية)»!

تكمن طرافة الجواب في الإشارة إلى الشخصية الكوميدية في أوبرا روسيني الشهيرة «حلاق إشبيلية»!

ضمت حاشية نابليون عدداً من الشخصيات التي مقتها الشعب مقتاً شديداً. من هؤلاء كان السيد روديرد، بيد أن الإمبراطور كان معجباً به إلى حد أن أنعم عليه بوشاح جوقة الشرف. في هذه المرة، تلقى الجواب الساخر من عموم الشعب. فما سمع الجمهور بما حدث، حتى نظم الظرفاء بيتين من الشعر ذاعا بسرعة في عموم فرنسا:

يقولون إن روديرد قد نال الوشاح الأكبر

يا من تقوم بتعليقه حول رقبته.. شدد وشدد الخناق أكثر وأكثر!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى