اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

مواجهتي مع أحمد إبراهيم (3)

عمر أبو القاسم الككلي

دخل أحمد إبراهيم وجلس على كرسي الصالون، المنخفض، الواقع أمامي مباشرة.فصرت أطل عليه من علٍ!. وهذه حالات ذات تأثير نفسي خفي لا يستهان به.

جلس صامتا في ارتباك واضح. بادرته:

– تفضل يا أحمد. شن تبيني؟!.*

– انت شخص مش كويس ورجعي!

قلت له:

– اسمع، مش حنجلس هنا قدامك وتقعد تقرع فيَّ وانى ساكت!. ما فيش ما يجبرني على الاستمرار في هذه الجلسة!. يا تقول كلام مسؤول يا نطلع!.

– احنى عندنا عليك معلومات. انت مصنف أنك ماركسي. ورجعي، مش ثوري.

قلت له:

– ما يهمنيش شن مصنفيني. اِلِّي يبي يصنفني هو حر. ما دخليش بيه. ومسألة الثورة هاذي خيار باطن يخصني. مش قاعد اراجي في تزكية منك!.

كنت حريصا على ألا يحولني إلى متهم ويجعلني أدافع عن نفسي. وقد وُفقت في ذلك بشكل حاسم.

– انت كان المفروض تكون مسجون مع أصحابك. أصحابك كلهم في السجن.

– انى لا أتنصل من صداقاتي. هم أصدقائي بالفعل. لكن ما يربطني بيهم مجرد صداقة. إذا كان عندهم نشاط خفي فهذا أمر يخصهم. لا علاقة لي به.

– انت ذُكر اسمك في التحقيقات.

– لا علم لي بهذا. المسؤولية تقع على من ذكره، ومش عارف تحت أي ظروف ذكره!.

دخل عامل المقصف ووضع أمامي فنجان قهوة. (فعلا تمسك أحمد بواجب الضيافة!). أخذت فنجان القهوة وأعدته للعامل قائلا:

– للأسف!. ما نشربش في القهوة!. نشرب شاهي. لو ممكن تجيبلي شاهي وامية!.

قال له أحمد إبراهيم:

– جيبله شاهي، وجيبلي انى شاهي بحليب.

ثم قال لي:

– انت كان المفروض تعتقل، لكن فيه ناس اِدَّخلوا لصالحك!. [يبدو لي أن هذا صحيح فعلا. أظن أن مبروك القايد تدخل لصالح علي الرحيبي وصالحي، دون أن يخبرنا].

قلت له:
– ما تلبطش من حد يدِّخل لمنع اعتقالي. وإذا صح هذا الكلام، فأنا أشكرهم من كل قلبي. وجميل ما ننساهولهمش.

كان أحيانا يحتد ويسبني، لم أرد عليه السباب طبعا. قلت له:

– انت شن تبي تثبتلي؟!. إذا كان تبي تثبتلي أنك تقدر تطردني من الجامعة وتحبسني وحتى تقتلني، فهذا مسلملك بيه. مش محتاج تثبتهولي.

من ضمن التهم التي ساقها ضدي قصة “القفزة” التي كانت قد نشرت بمجلة الثقافة العربية قبل ذلك بأشهر عديدة!. فقلت له أنها نشرت في مجلة رسمية تصدر في ليبيا. قال:

– هي رسمية فعلا!. [يقصد أنها غير ثورية].

في إحدى المرات التي هددت فيها بالخروج، قال أحمد النويصري:

– وين تطلع!. احنى جبناك هنى لحمايتك!. لو نخلوك تطلع الجماهير المحتشدة برا تعدمك!.

رددت بهدوء:

– ما عنديش مانع نطلع وتعدمني الجماهير!. إذا انى العقبة الوحيدة الي ما زالت في طريق تحررها، مستعد نطلع ويعدموني ونضحي بنفسي في سبيل تحررها!. بس تتحرر!.

لم يعلق أحمد إبراهيم.

كان أحيانا يرد على كلامي بالقول:

– ما تحاولش تخدعني!. راهو حتى انى طالب فلسفة زيك!. راني مش غبي!.

قلت له:

– انت تقول أنك تعرفني وعندك عليَّ معلومات تعامل فيَّ على أساسها. انى ما عنديش عليك معلومات. ما عنديش عليك معلومة أنك انت غبي، حتى نعاملك على أساس أنك غبي!.

أعاد القول أنني “مش كويس”. فقلت له:

– هذا كلام لا يعني شيئا. انى عندك مش كويس قولي: انت مش كويس للأسباب التالية: واحد، اثنين، ثلاثة، خمستاش!.

قال لي:

– واحد: انت حزبي!.

افتعلت قهقهة!. قلت له:

– هاذا كلام مش بسيط!.

التفت إلى أحمد النويصري:

– وانى قلتله هاذا كلام بسيط!. ماني عارف أنه مش بسيط.

قلت له:

– هذا كلام مش بسيط. إذا عندك أدلة على كلامك، فيه جيهات معنية بتتبع مثل هذه النشاطات، ما عليك إلا ترفع ملفاتك وتقدمهملهم. أما إطلاق الكلام على عواهنه فكل حد يقدر عليه. انى نقدر نوجهلك نفس التهمة: يا أحمد إبراهيم، انت حزبي!. شن ترد؟!.

– قلتوها!.

– انى قلت عليك أنك حزبي؟!.

– تقولوا علينا أنتينات!.

– قلتلك قبل أنك أنتينا؟. جى حد قالك أنى قلت عليك أنك أنتينا؟.

ظل صامتا. قلت له:

– رد عليَّ!.

– إيه!.

قلت له متعجبا ومتعمدا:

– لا إله إلا الله!.

صاح:

– محمد رسول الله!. والله ما كنت نحسابك تقولها!.

في مجرى الحوار وفي نوبة احتداد قال لي:

– أنت لا تعلم أننا احنى متجاوزينكم بألف وخمسميات سنة!.

قلت له:

– هذه أجهلها فعلا!. قسما بالله العلي العظيم يا أحمد إبراهيم أنا أجهل أنك انت متجاوزني بألف وخمسميات سنة!.

فقال:

– تجهلها وهي واقع، مش لأنها غير قائمة!.

– المهم أني أجهلها!.

* هذه المواجهة مر عليها حوالي أربعين سنة. لذا ليس من الممكن أن أتذكر حرفيا كل الكلام الذي دار فيها. كما لا يمكن أن أتذكره متسلسلا. لكن ما أثبته على أنه كلام مباشر قريب جدا من الحرفية. الكلام الآخر أذكره بالمعنى.

إقرأ أيضاً:

مواجهتي مع أحمد إبراهيم (1)

مواجهتي مع أحمد إبراهيم (2)

مواجهتي مع أحمد إبراهيم (4)

مواجهتي مع أحمد إبراهيم (5)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى