أخبار ليبيااهم الاخبار

من هو الملياردير المصري الذي انتقد الدبيبة؟ وما علاقته بليبيا؟

أثارت تغريدة لرجل الأعمال المصري نجيب ساويرس موجة من ردود الفعل على صفحات التواصل الاجتماعي، بعد أن انتقد ساويرس تمسك رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة بالسلطة قائلاً: “سيذكر التاريخ أن الدبيبة وقف في طريق استقرار وطنه من أجل مصلحته الشخصية.. فضّل المنصب عن مصلحةً ليبيا”. تغريدة أردفها بالتأكيد على أن ما دفعه للحديث في الشأن الليبي هو محبة ليبيا وليس لأي دافع آخر، مشيراً إلى أنه لا يملك أي نشاط في ليبيا ولن يعمل فيها حتى تتخلص من المليشيات وتعود للاستقرار.

ولكن من هو نجيب ساويرس؟

يُعد نجيب المولود في يونيو 1955 أحد أبناء رجل الأعمال المصري الراحل أنسي ساويرس، والذي يُشكل مع إخوته ناصف وسميح واحدة من أثرى العائلات المصرية وأكثرها حضوراً في النشاط الاستثماري الداخلي، والأولى على الصعيد الأفريقي بثروة تجاوزت 14 مليار دولار، ورغم اشتغال الأشقاء الثلاثة بترؤس الشركات متعددة النشاط بمجموعة أوراسكوم التي تملكها العائلة، فإن نجيب ظل الأكثر حضوراً والأكثر مساهمة في دعم التنمية الداخلية بمصر بوجهيها الاستثماري والخيري، حيث حافظ على استثماراته ووسع من دائرة أعماله في وقت مرت فيه مصر بتحديات أمنية واقتصادية هددت بهجرة رؤوس الأموال.

أدار نجيب شركة أوراسكوم للاتصالات وأوراسكوم للتكنولوجيا، واستثمر في الإعلام المصري وساهم في إثراء الحياة الفنية والثقافية في مصر عبر مهرجان الجونة السينمائي الذي يشرف عليه بالشراكة مع عائلته، في محاولة لتحسين صورة مصر الخارجية وبعث الثقة في رأس المال الأجنبي، بالإضافة لدعمه القوي للسياسات الحكومية المصرية الموجهة لدعم الاقتصاد وتحسين مستوى الدخل، بعد أن تصدر قائمة رجال الأعمال المصريين الأكثر تبرعاً لصندوق “تحيا مصر” بنحو 3 مليارات جنيه مصري، وتعد مجموعة أوراسكوم أكبر مؤسسات القطاع الخاص في مصر وأكثرها تنوعاً، كما أنها تمتلك أكبر حصة رأس مال في بورصتي القاهرة والإسكندرية.

نجيب سايروس: “تحيا ليبيا”

لم يكن ارتباط نجيب وعائلته بالشأن الليبي مستحدثاً أو لافتاً، فليبيا فتحت ذراعيها لوالده الراحل أنسي ساويرس عقب تأميم شركة “أنسي ولمعي” التي يملكها ويديرها الأخير عام 1961، مع اتجاه النظام المصري بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر نحو النزعة الاشتراكية وتأميمه للعديد من شركات القطاع الخاص، حيث مثّل حدث التأميم ضربة قاسمة للعائلة التي فقدت رأس مالها وأصولها التي تحولت للملكية العامة، ليتجه ساويرس الأب عام 1966 إلى ليبيا التي كانت تشهد طفرة إنشائية وتنموية مع اكتشاف النفط والانفتاح على الرأس المال الخاص إبّان العهد الملكي، حيث أعاد تشكيل ثروته والفوز بعقود عقارية مستغلاً خبرته في هذا النوع من الأعمال، لتظل ليبيا بلد المهجر صاحبة الفضل في إعادة ساويرس لصدارة المشهد الاقتصادي.

 

في منتصف السبعينيات عاد ساويرس إلى مصر بعد أن حلت العقلية الاشتراكية في ليبيا، والتي بدأت تحاكي ما عاشته مصر عبر سياسة التأميم والتضييق على رأس المال الخاص، بالمقابل شهدت مصر تغييراً سياسياً ينتهج سياسة الانفتاح في عهد الرئيس أنور السادات، ليساهم رأس المال الذي جمعه ساويرس في ليبيا بتأسيس شركة أوراسكوم للمقاولات العامة والتجارة والتي توسعت فيما بعد لتشمل أنشطة عقارية وسياحية وتكنولوجية، وتصبح بفعل السياسة الحكومية المصرية الداعمة للقطاع الخاص عبر السنوات أضخم الشركات المصرية.

محطة ليبية فارقة في تاريخ الأسرة، فلم تكن ليبيا بالنسبة للعائلة القبطية الثرية مجرد ساحة للعمل وتنمية رأس المال فحسب، بل كانت بلد مهجر وإقامة لنحو 10 سنوات شهدت خلالها ليبيا نهضة عمرانية وتنمية متسارعة مع تعدد الجاليات الغربية التي شكلت نموذج تعايش فريد في المنطقة، جعلتها مكاناً مميزاً لجذب رأس المال ودعم الطموح الصاعد، قبل أن تنحرف بوصلتها في منتصف السبعينيات، وهي تجربة وضعت بصمتها في العائلة التي لطالما كانت تعتبر ليبيا نقطة انطلاقة رئيسية لنشاطها الاقتصادي، وهو ما جعل انخراط نجيب في الشأن الليبي مستساغاً تدعمه علاقة الجوار والعمق الاستراتيجي الذي تغذيه علاقات اجتماعية متشابكة بين البلدين.

كلام عن محبة لليبيا وليس لدافع آخر

لعل انخراط نجيب ساويرس في الشأن الليبي لم يكن سياسياً فقط، فالرجل اختبر ككل الليبيين الهالة الدعائية التي صنعها الدبيبة منذ توليه مقاليد رئاسة الحكومة، والتي كانت تقوم بشكل رئيس على الإيهام بإطلاق حزمة من المشاريع تحت عنوان “عودة الحياة”، ليكتشف الجميع أن عجلة التنمية في البلاد مازالت تراوح مكانها وتتحول العقود الإنشائية لهوة فساد سحيقة، لم يرَ الليبيون أي وجود لها على أرض الواقع.

وسبق لشركة أوراسكوم للإنشاءات المملوكة للعائلة أن وقّعت عقوداً مع حكومة الوحدة، شملت إنشاء محطة مليتة الغازية بقيمة عقدية تجاوزت مليار يورو، بالإضافة لدخولها كطرف في تحالف مع شركات مصرية أخرى لتنفيذ مشروع الطريق الدائري الثالث بالعاصمة طرابلس بقيمة 4.28 مليارات دينار ليبي، وعقود لصيانة طرق صحراوية تربط المدن الليبية، وهي مشاريع لم تبصر النور وفشلت حكومة الدبيبة في توفير الضمانات اللازمة لمباشرة الشركة العمل في ليبيا، ما دفع الشركة الكبيرة لصرف النظر عن السوق الليبية، وهو ما أكده نجيب ساويرس في تغريدته التي نفى فيها وجود شركته في ليبيا، رابطاً مباشرة العمل بالتخلص من المليشيات التي تحكم البلاد: “ليس لي أي نشاط في ليبيا ولن أعمل في ليبيا إلى أن تتخلص من المليشيات ويعود الاستقرار بعون الله” وأضاف: “ليس لديّ طموحات اقتصادية.. لقد حققتً ما أردت والقناعة كنز لا يفنى وأتكلم عن محبة لليبيا وليس لدي دافع آخر”.

عائلة ساويرس وعائلة الدبيبة نموذجان متناقضان

لطالما كانت عائلة ساويرس المصرية تتعمد الابتعاد عن المناصب العمومية أو التعاقدات التي يمكن أن تشوبها شبهات فساد، حيث شكلت العائلة ثروتها بالعمل بعيداً عن القطاع العام المصري، فأضرت بها السياسات الحكومية المصرية خاصة في عهد الرئيس عبد الناصر أكثر مما أفادتها، وأثبتت العائلة حضورها اللافت في الأعمال الخيرية والمجتمعية وهو ميدان تصدرته بلا منازع بعد أن قدّمت 3 مليارات لصندوق تحيا مصر، وأنشأت مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية التي أخذت على عاتقها تبني مشاريع التنمية المستدامة في مصر، حيث ورد اسم العائلة في قوائم الأثرياء بينما لم تلاحقها شبهات فساد كما لم تسجل حضوراً في قوائم الملاذات الضريبية.

أما عائلة الدبيبة فكانت على العكس تماماً فهي لم تفارق المناصب العمومية وتصدرت بلا منازع فساد المال العام الليبي، عبر ترؤس الدبيبة وأقربائه مؤسسات عامة تقاضوا من خلالها رشاوى وعمولات من شركات أجنبية نظير تنفيذ مشاريع في ليبيا، وهي اتهامات عززتها منظمات دولية وتقارير صحفية استقصائية أثبتت امتلاك العائلة لحسابات بنكية في دول الملاذات الضريبية، التي يلجأ لها المسؤولون الحكوميون لتغطية عملياتهم البنكية غير الشرعية مجهولة المصدر، كما تواجه العائلة انتقادات شعبية بعد بروز أسماء من عائلة الدبيبة في ملفات ابتزاز لمؤسسات عامة، ووسط كل هذه الاتهامات والفوارق الجلية بين العائلتين اختار الدبيبة اللهجة الشعبوية في معرض رده على تغريدة ساويرس بقوله: “يبدو أنك قد أخطأت العنوان.. هذه ليبيا التاريخ بلد الأسود وموطن الحشمة وليست مهرجاناً للتعري”، في إشارة لتبني عائلة ساويرس لمهرجان الجونة السينمائي الذي يُعد واجهة فنية نجحت في استقطاب نجوم السينما في مصر والعالم، في مناسبة أسهمت في صناعة صورة إيجابية لمصر التي تأثرت بسنوات من عدم الاستقرار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى