اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

من قال إن الإرهاب لا دين له ؟!

سالم العوكلي

في نيجيريا قام الإسلاميون بأعمال تخريب بعد سماعهم بأن مسابقات ملكة جمال العالم ستقام في بلدهم. أحرقوا الكنائس والمحلات التي يملكها كاثوليك ، وجرحوا وقتلوا أكثر من خمسمائة شخص، بالطعن بالسكاكين أو تعليق إطارات مشتعلة في أعناقهم. كانوا يتراكضون في شوارع كادونا هاتفين : “الله أكبر، ويسقط الجمال”.

من كتاب يوميات القراءة لـ ألبرتو مانغويل ـ ترجمة: عباس المفرجي

** ** ** ** **

عام 1948 وعام 1967، لم يفرق المسلمون في البلدان العربية بين اليهود الذين يسكنون معهم منذ مئات السنين وبين عصابات الصهاينة المتطرفة التي استباحت أخواننا الفلسطينيين في أرضهم. فنكلوا باليهود المواطنين وأجبروهم على الهجرة من بلدان العرب، والآن نطلب من المسيحيين في أوروبا أن يفرقوا بين المسلمين المقيمين في أوروبا منذ عشرات السنين وبين عصابات داعش وأخواتها التي تروعهم في أوطانهم . يبدو أن الأمر صعب .

مثلما عانينا على مدى طويل ومازلنا من اليهودوفوبيا، سيعاني الآخرون من الإسلاموفوبيا، لأن العقل الشعبي من طبيعته التعميم والأحكام المسبقة.

** ** ** ** **

أنتج إسلام السنة الوهابي، إبان الحرب الباردة مع الخمينية، تنظيم القاعدة، لكنه، وبسبب التباس لغوي، بدل أن يحارب الشيعية ذهب لمحاربة الشيوعية في أفغانستان، ثم خرج عن السيطرة ووجه حربه صوب الغرب و”الصليبية” ، فتدخلت مختبرات السي أي آي في العراق المحتلة وتلاعبت جينيا بهذا التنظيم ليخرج منه مسخ آخر اسمه داعش مصوبا بنادقه ومفخخاته صوب المسلمين، المسلمين السنة خصوصا، مستفيدين من أشهر تجربة إرهاب في تاريخ الإسلام المتمثلة في جماعة الحشاشين بدولة القرامطة.

المثير للدهشة، الآن، أن الحديث عن تنظيم القاعدة أصبح أكثر مهادنة ودبلوماسية بعد ظهور داعش ، بل أن البعض أصبح يسمي تنظيمات القاعدة ب “مجالس شورى للثوار” كما لدينا، أو يسميها فصائل ثورية معتدلة كما في سوريا.

** ** ** ** **

تفجير أو إطلاق رصاص على الأبرياء، الجثث والأشلاء في مكان الحادث، ويظهر المسؤولون أو سائل الإعلام علينا بقول: لم يتم التأكد من أن هذا العمل عملٌ إرهابي. استغرب وأتساءل : ما المقصود بالعمل الإرهابي؟ هل لابد أن تصرح جماعة إسلامية بالمسؤولية حتى يصبح عملاً إرهابيا؟ هل توصيف الإرهاب متعلق بهوية الجاني أم بهوية الضحايا ؟

** ** ** ** **

في عام 2016 حدثت حوالي 57 ألف حالة إطلاق نار في أمريكا، ترتب عنها حوالي 15 ألف قتيل، منهم 662 طفلاً، وحوالي 30 ألف جريح. رغم ذلك تسافر أساطيل أمريكا وحاملات طائراتها إلى أقصى العالم من أجل محاربة الإرهاب وحماية الأمريكيين كما تعلن. هذه الإحصائية تشكل أضعاف الأرقام المترتبة عن العمليات الإرهابية في أمريكا وأوروبا طيلة العقد الماضي. فماذا تعني هذه الأرقام في قاموس الإرهاب أو المجازر أو القتل الجماعي؟.

** ** ** ** **

تدخل أمريكا في دول الشرق الأوسط، بحجة محاربة الإرهاب وحماية مواطنيها، مجرد ذريعة ليستمر تواجدها، بل أن استمرار الإرهاب في هذه المنطقة يخدم مصالحها القريبة والبعيدة. وأي استعانة بأمريكا لمحاربة الإرهاب غباء، وخدمة لأغراضها الخاصة المرتبطة بهذه الحرب التي تخوضها وهي تتمنى أن لا تنتهي. أمريكا تسعى لتقليم أظافر الإرهاب لكن ليس في صالحها القضاء عليه.

** ** ** ** **

أكبر تنظيم إرهابي على وجه الأرض هو لوبي السلاح في أمريكا الذي يعمل ليل نهار من أجل أن تستمر الحروب، ومن أجل أن تكبر الجماعات الإرهابية، كي تروج سوق السلاح وتحقق أرباحا كل سنة بمئات المليارات، السلاح سلعة إستراتيجية، والسلعة تحتاج إلى سوق، وسوق السلاح تحتاج إلى حروب ونزاعات دائمة، لأن فكرة السلام تعني إفلاس أكبر تجارة في العالم.

وهم يفرضون على شركات التبغ تحذير الزبائن من المحتوى القاتل، ولا يضعون هذا التحذير على صناديق السلاح ذات المحتوى الفتاك .

** ** ** ** **

بغض النظر عن الملايين من المدنيين الذين قتلهم الغزو الأمريكي خلال النصف الثاني من القرن الماضي، في شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها، وبغض النظر عن عشرات الألوف من الأطفال الذين ماتوا في العراق، جراء الحصار الذي فرضته أمريكا بعد حرب الخليج الأولى، فإن القصف الأمريكي ، وفق المعهد الدولي للإحصاء، قتل بعد أحداث سبتمبر ما يقارب العشرين ألف مدنيا، أكثر من نصفهم أطفال، ومعظمهم في العراق وأفغانستان، لكن أمريكا وبشكل إنساني استخدمت في قتلهم القنابل الذكية والصواريخ الموجهة، وهي تحتج على القتل حين يكون بالأسلحة الكيميائية فقط لأنها أسلحة غبية، باعتبار القتل بالأسلحة الذكية نوعاً من الموت الرحيم.

** ** ** ** **

من قال أن الإرهاب لا دين له !!؟

محاكم التفتيش، والحروب الصليبية، ومجازر البوسنة، وغيرها، تمت تحت رايات مسيحية خفاقة.

الإرهاب الصهيوني، وما ارتكبه ويرتكبه من مجازر، رايته يهودية، ويستمد شرعيته من التلمود.

مجازر الأرمن في تركيا، وما يرتكب من أعمال إرهابية الآن في العالم تم، ويتم، تحت رايات إسلامية.

وكلهم وجدوا في تأويل نصوصهم المقدسة، وفي تراثهم الفقهي، ما يبرر إرهابهم باعتباره جهادا في سبيل الله وتقربا منه.

** ** ** ** **

“لم يقتصر شوبنهور على وصف الواقع وعلاقتنا به، بل كانت له أيضا رؤى حول الكيفية التي ينبغي علينا العيش وفقها. ما أن ندرك أننا كلنا جزء من قوة طاقة واحدة، وأن الأفراد من البشر لا يوجدون إلا على مستوى العالم كتمثل، حتى يغير هذا من سلوكنا. عند شوبنهور، إلحاق الأذى بالآخرين نوع من إلحاق الأذى بالنفس. هذا هو أساس كل أخلاق. إذا قتلتك، فإنني أدمر جزءا من قوة الحياة التي تجمعنا معا. حين يلحق شخص ضررا بآخر، فإن هذا شبيه بعض ثعبان ذيله دون أن يعرف أنه يغرس أنيابه في لحمه. ولذا فإن الأخلاق الأساسية التي يعظ بها شوبنهور هي الرحمة. حين أفهم الآخرين كما يجب، سوف أكتشف أنهم ليسوا خارجين عني. إنني أهتم بما يحدث لك لأنك بطريقة ما جزء مما نكونه نحن جميعا: العالم كإرادة.”.

من كتاب: تاريخ موجز للفلسفة. تأليف: نايغل وربروتن . ترجمة: نجيب الحصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى