حياة

من القرية إلى المدينة ( الجزء الرابع)

رمضان كرنفودة

أقلعت الطائرة من مطار الملك إدريس متوجهة إلى مدرج حقل الحمادة الحمراء، أحد الحقول النفطية في الصحراء الليبية، خلال تلك الرحلة لم يكن يتوقع صالح ورفاقه يوما أن يحلقوا في الهواء وتلامس أعينهم السحاب و تدق نبضات قلوبهم من هذا الارتفاع الشاهق..

فى حياتهم حتى الآن كان أعلى مكان صعدوا إليه هو شجرة النخيل للتنظيف أو جني التمر،  فى صعودهم يرددون كلمة ” بسم الله .. بسم الله”، وكذلك فعلوا عندما تهتز الطائرة بسبب المطبات الهوائية.

جبريل، رفيق مسعود خرج عن صمته منذ انطلاق الحافلة الصغيرة من  ميدان 9 أغسطس وقال لرفاقه:  تمنيت أمي واقفة عندما صعدت الطائرة حتى تزغرد لي. قضيت أغلب وقتي فى القرية بركوب الحمار، أول وسيلة نقل فى حياتي أذهب عليه إلى المزرعة عندما أقوم بمساعدة والدي فى السقاية بالمرجع، لم يراودني  أو أحلم يوما من تلك الأيام أن أركب طائرة .. ضحك الجميع من حديث جبريل.

عم الصمت بين صالح و رفاقه و الطائرة تتابع رحلتها نحو حقل النفط  فى الصحراء، تَحمل بداخلها كمية من اللحوم المثلجة و الخضروات و الفواكه الى الشركة النفطية. أثناء ذلك الصمت أصبحت الطائرة تخفف من سرعتها، تحدث أحد الركاب وهو موظف بشركة التموين إلى صالح نحن على وشك الوصول، استغل صالح حديث ذلك الموظف فرد عليه بسرعة ” الحمد لله إن شاء الله نهبط بسلام” و طرح صالح سوال:

لمن هذا التموين  يا أستاذ ؟!

إجابه: هذا لمهندسين و فنيين وعمال الشركة، وكذلك أنتم.

بدات الطائرة بالهبوط على مهبط الحقل النفطي، صالح يخمن كيف تهبط الطائرة وأصبح الخوف ينبعث بداخله، حتى موظف شركة التموين لاحظ ذلك وأدرك أن صالح و رفاقه فى حالة خوف .. حاول التخفيف من الاضطراب لديهم: هكذا الطائرات تهبط، لا تقلقوا كل واحد منكم يغلق عينيه و بصمت داخل نفسه يقوم بالعدّ من رقم واحد الى ان تهبط .

تبسم صالح وقال إن شاء الله نصل بسلام، وبدأ بقراءة بعض آيات القرآن الكريم واستمر فى القراءة حتى شعر أن شيئا ما قد هز الطائرة، فتح عيناه وتبسم موظف شركة الشحن وقال لقد هبطت بنا الطائرة بسلام. صوت الطائرة مرتفع جداً, لحظة الهبوط، تمسكوا بالمقاعد جيدا حتى توقفت الطائرة تماما …

استعد الجميع للنزول، صالح و رفاقه في ترقب و صمت، فُتح باب الطائرة، نزل الجميع. جاءت سياراتان، لاندروفر صالون استقلها موظف الشركة و صالح و رفاقه، و أخرى لنقل التموين. شقت الاندرفور المهبط ثم إلى طريق ترابي، تذكر جبريل أغنية شعبية تقول ” يا لاندروفر يا زينه يا خاشه الصحرا بينا”..

توقفت السيارة أمام مخيم صحراوي و ترجل الجميع منها و توجهوا إلى تلك الخيمة فى بداية الموقع. هى عبارة عن إدارة بها مكتب يجلس خلفة موظف، رحب بصالح و رفاقه و مندوب شركة التموين، وأرشدهم إلى خيمتهم لكي يستريحوا .. ثم غير رأيه وصاحبهم الى خميتهم فى وسط تلك الخيام إلى أن وصل رقم 15، فتح الخيمة، دخلوا .. وجودا فيها اربعة افرشة نوم واغطية. أشار اليهم انه في آخر المخيم هناك دورات المياه  والاستحمام والغسيل ، وحذرهم: ممنوع اشعال النار داخل الخيمة. يدق جرس قبل موعد الوجبات، الإفطار و الغداء و العشاء و عليكم بالراحة اليوم و غداً الساعة 9 صباحا عليكم بالمجيء الى المكتب و غادر على الفور الخيمة ..

قام صالح و رفاقه بترتيب الخيمة بوضع الأفرشة فى مكانها، كل اثنين فى جهة، وضعوا ثيابهم كل واحد تتدلى فوق راسه. قال صالح انني جائع جدا ولا نعرف متى الغداء. أخرج سعد بعض التمر الجاف، مسحوق يقال له (المدقوق)، سفوا منه قليلا بعد لحظات سمعوا صوت حركة و إناس يتحدثون وجرس يقرع , عَرَفَ صالح انه وقت الغداء ..

خرجوا، شاهدوا عدد من العمال بعضهم يدخل خيمته وآخرون الى المطعم، توجه صالح ورفاقه إلى المطعم، دخلوا واصطفوا فى الطابور، الجميع ينظرون إليهم مبتسمين، تقدم رجل منهم و قال: أنتم من فزان !!

رد صالح بنعم،  تبسم الرجل و هز رأسه، حتى أنا من فزان بعد أن تكملوا من الغداء سوف أتحدث معكم. كم رقم خيمتكم ؟! إجابه صالح ( خمسطاش) .. رد الرجل تمام سوف اقوم بزيارتكم بعد الغداء ..

جلسوا إلى الطاولة يتناولون تلك الوجبة الدسمة، أرز مع خضروات و لحم و عصير إلى جانب فاكهة التفاح. كانوا فى حالة شديدة من الجوع، أكملوا كل الطعام، خرجوا من المطعم الى خيمتهم والعمال يحيونهم الحمد لله على سلامتكم، ربي ايعاون إن شاء الله .. في الخيمة بعد الغداء شعروا أنهم بحاجة الى النوم، لكن تذكروا موعدهم مع الرجل الذي قابلوه فى المطعم .. تمدد الرفاق الأربعة على الأفرشة، حتى ” حم حم” ذلك الرجل أمام باب الخيمة، صاح صالح قائلاً:  تفضل بالدخول.

يتبع الجزء الخامس قصة كتبت بقلم عكاز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى