أخبار ليبياخاص 218

مليارات القذافي المُهرّبة.. طائرات في الظلام وعمليات قتل لكتم سرّها

كشف تحقيق تلفزيوني للمخرجين ميشا ويسل وتوماس، كان له دوي واسع النطاق في هولندا، عن مصير مليارات الدولارات من الأموال الليبية المسروقة، وأماط اللثام عن معلومات مثيرة تتعلق بـ 179 طائرة تجارية ليبية نقلت في الظلام مليارات الدولارات الليبية إلى جنوب أفريقيا عام 2011، بعد أن تبين لمعمر القذافي وقتها جدية الثورة، التي أطاحت به ونظامه بعد أشهر قليلة.

جاء ذلك بعد أكثر من ثلاثة سنوات من تتبع خيوط عديدة حول العالم، من ضمنها حقائق وصفت بالخطيرة قدمها الفيلم التحقيقي “البحث عن مليارات القذافي”، والمعروض مؤخرًا، على شاشة التلفزيون الهولندي الرسمي.

وقال التحقيق: القذافي لم يثق بالبنوك الدولية أو الشيكات المصرفية، وكان يجمع الدولارات الأمريكية، والتي وزع كميات منها عندما اشتدت الأزمة في ليبيا على بلدان عدة، منها جنوب أفريقيا، حيث يقدر المال الذي وصل إلى هذا البلد الأفريقي وحده بـ 12,5 مليار دولار.

وبحسب التحقيق، أشار مقربون من “القذافي” إلى أنه لم يكن ينوي الهروب مع نقوده خارج ليبيا؛ بل كان يخطط لمواصلة الحرب على معارضيه من الخارج إذا اضطرته الظروف لترك ليبيا، وكان يتوقع أن الحرب ستطول، وأنها تحتاج للمزيد من الأموال، التي ظلّ يخفيها لسنوات في مخابئ خاصة في ليبيا، قبل أن يقرر أن يهربها لدول تمتع على أرضها بالكثير من الأصدقاء والنفوذ.

ووفق ما أظهره التحقيق؛ ليس من المعروف حتى اليوم مصير الكثير من هذه الأموال، حيث إنها جمعت في حاويات خاصة حال وصولها، ونقلت إلى مكان مجهول في جنوب أفريقيا، وتم حذف أي معلومات رسمية عن وصول الطائرات الليبية الخاصة من سجلات الطيران المدني، وضاع الكثير من الخيوط التي يمكن أن توصل إلى مكان المال الليبي المفقود.

ويوجّه الفيلم اتهامات الاستيلاء على الأموال الليبية لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في جنوب أفريقيا، حيث تكشف كافة المؤشرات عن دوره في اختفاء هذه الأموال، والتي ربما تحتاج إلى جهد دولي لعودتها إلى مكانها الطبيعي في ليبيا، البلد الذي يئنّ مواطنوه تحت وطأة أزمات اقتصادية طاحنة.

وشرح المخرجان أسباب اهتمامهما بالمال الليبي المفقود، بالقول: القصة بدأت عندما كان توماس بلوم في ليبيا من أجل تصوير برنامج سفر للتلفزيون الهولندي قبل سنوات، حيث شاهد الفقر الكبير في البلد الغني بالموارد الطبيعية.

وأشار إلى أن “بلوم” سمع وقتها شائعات تتعلق بمصير الأموال الليبية، التي هربها القذافي قبل مقتله، ولا يعرف مكانها، وبدأ السؤال يكبر، وأضافا: عندها قررنا أن نحقق بأنفسنا في مصير هذه الأموال.

وخلال الفيلم، تظهر شخصيات من جنسيات متعددة، بعضها جدلية وذات ماض إشكالي، وهي تبحث عن المال الليبي في جنوب أفريقيا طمعا في المكافأة، التي أعلنت عنها الحكومة الليبية قبل سنوات، والتي وعدت بنسبة 10% للشخص أو المؤسسة التي تعيد الأموال إلى ليبيا.

وكان لضخامة المكافأة، التي بلغت مئات الملايين من الدولارات، تأثير في جذب مجموعة من الشخصيات، منها من كان مقربًا من النظام الليبي السابق، أحدهم رجل تونسي يدعى إريك جويد، كان وسيطًا في صفقات سلاح سابقة لهذا النظام.

وأوضح المخرجان أن هناك من بدأ في جنوب أفريقيا نفسها جهودا داخل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، للضغط من هناك على الحكومة لإرجاع المال طمعا في المكافأة، رغم أن هذه الحكومة لم تعترف، حتى اليوم، بأن المالي الليبي قد وصل إلى أراضيها.

ورغم أن السرية التامة تحيط وصول المالي الليبي في جنوب أفريقيا؛ إلا أن هناك من نجح في التقاط صور فوتوغرافية لـ”حاويات خشبية ليبية” وصلت جنوب أفريقيا، وتحوي داخلها دولارات أميركية، وقام بإرسال هذه الصور لمجموعة أشخاص منهم جاسوس صربي يعيش في جنوب أفريقيا.

وقد تمكّن الفيلم من لقاء هذا الشخص الصربي، والذي كشف عن صور فوتوغرافية للمال الليبي، الذي وصل إلى جنوب أفريقيا، غير أن هذا الجاسوس قٌتل بعد أيام من تلك المقابلة على يد مجهولين.

وعثرت الشرطة الصربية على جثة رجلين، يرجح أنهما للقاتلين، بدون أن تتوصل الشرطة لأي أجوبة تخص عمليات القتل.

وحول أسباب التستر على مصير المال الليبي المسروق في جنوب أفريقيا، قال “بلوم” إن كافة المؤشرات توضح أن جاكوب زوما، رئيس جنوب أفريقيا بين عامي 2009 و2018، هو المسؤول عن قرار الاحتفاظ بالمال الليبي، وأن على الحزب الحاكم القيام بتحقيق شفاف في القضية؛ لأن هذا وحده هو الذي سيظهر الحقيقة.

ولفت المخرجان إلى أن المسؤولين في جنوب أفريقيا رفضوا الظهور في الفيلم، كما أن كافة المستويات في بلادهم تنكر تهريب الأموال الليبية إليها.

وتحدث المخرج الهولندي “بلوم” عن أن وعد الحكومة الليبية بمكافأة لمن يعيد المال المنهوب إلى ليبيا قد عقد عمليات البحث عن الأموال وصعبها، وقال: إحلال السلام في ليبيا هو الأهم اليوم، وبعد ذلك يمكن أن يتوجه وفد رسمي من ليبيا إلى جنوب أفريقيا للمطالبة بالمال الليبي، وعلى الحكومة الليبية ألا تعتمد على الباحثين عن المكافآت المالية.

ويعيد الفيلم الهولندي إلى الأذهان تاريخ العلاقات الطويلة بين القذافي وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، حيث كان زعيم الحزب الراحل نيلسون مانديلا، بمثابة إلهام لـ”القذافي” لسنوات. كما أنهما التقيا بعد خروج “مانديلا” من السجن.

ورفض “مانديلا”، في أكثر من مناسبة، انتقادات “غير منطقية” طالت صداقته بـ”القذافي”، حتى وصف الذي ينتظر من صديقه أن يكون عدوًا لعدوه بـ”الغباء السياسي”.

وقد ساهم “القذافي” ماديًا في مساندة حملات حزب المؤتمر الوطني في انتخابات جنوب أفريقيا، وتمتّع بنفوذ ضخم على مستوى العملية السياسية، ورغم تضاؤل هذا النفوذ في ظلّ حكم الرئيس ثابو مبيكي “2008-1999″، الذي رفض تدخلات “القذافي” للحصول على لقب ملك أفريقيا؛ إلا أن حضور “القذافي” بنفوذه عاد مجدّدًا خلال فترة حكم “زوما”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى