مقالات مختارة

مقال جديد.. للتفكُّر !

د. زيد حمزة

في الشهر الماضي وتحت عنوان (الشعوب البيضاء مجرد اختراع ! ) كتب حميد دبشي Dabashi Hamid استاذ الدراسات الايرانية والادب المقارن في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة مقالاً اقتطف منه ما يلي: ليس هناك شيء اسمه شعب ابيض أو شعب اسود ، ليس هناك سُمْر وحمر وصفر، أنها مجرد اوهام جرى تخليقها اجتماعياً ثم اصبحت ذات نتائج اجرامية مرعبة وأدت في العديد من الحالات الى التطهير العرقي او الابادة الجنسية والى معاناة كتل بشرية كبيرة لأنها صُنِّفت حسب الوانها السوداء أو الحمراء أو الصفراء أو السمراء.
وهذا التصنيف في الواقع هو تقسيمٌ على اساس عنصري هدفه الخفي (فرّق تسّد )، وقد تم ذلك بناء على تشريعات معينة وبتفعيل قوانين خاصة فالأصل ان الناس جميعهم يولدون سواسية لكن يجري تقسيمهم بعد ذلك حسب الطبقات والاجناس وانواع الجندر، وقديماً قالت سيمون دي بوفوار في كتابها Sex Second The )) الواحد لا يولد بل يصبح رجلا أو أمرأة)) ويمكن التوسع في قولها الى (… بل يصبح اسود أو أسمر أو أبيض ) حسب التصنيفات السائدة اجتماعياً..!
يبدو أن أمرين مهمين اثنين دفعا الاستاذ دبشي لخوض هذا الموضوع ، اولهما كما ذكر في مقاله: المشهد المقيت للارهاب العنصري في شارلوتزفيل في الشهر الماضي والانحياز المخجل من قبل الرئيس الاميركي دونالد ترمب لجانب النموذج الفاشي المتمثل في دعاة التفوق العنصري الأبيض وهو ما وضع المشهد في بؤرة اهتمام الرأي العام العالمي فعاد لينظر الى الولايات المتحدة كبلد مازال يحتضن التمييز العنصري البشع حيث فئة قليلة تسمى نفسها ( الوطنيين البيض) وتعني الاسياد المتفوقين تزداد عدداً وقوة مع الوقت وتصرخ في المظاهرات وتحمل مشاعل مثل الكوكلاكس كلان وترفع الايدي بالتحية النازية وتطلق شعاراتها المعادية للاجانب واللاسامية في شوارع شارلوتزفيل، وهو أسوا ما حدث في اميركا منذ مذابح السكان الاصليين من الهنود (الحمر) والاستعباد الجماعي للافريقيين الاميركيين (السود)، كدليل على ان الولايات المتحدة لم تشف قط من دائها المتأصل في تاريخها العنصري الاجرامي، بالرغم من أنها ظلت طوال الوقت تخفيه تحت غلالة خفيفة من النفاق الليبرالي والاتيكيت البرجوازي داخل الوطن، لكنه في الخارج ما انفك يبرز على حقيقته العارية استجابة لدعاة الحروب التي شُنت في كوريا وفيتنام وافغانستان والعراق، بالاضافة لاحتلال بلاد أخرى بدافع الكراهية العنصرية، أما الأمر المهم الثاني الذي دفع الكاتب لهذا الحديث فهو القضية الفلسطينية إذ قال: إن الاحتلال الاسرائيلي وسرقة اراضي فلسطين ما هو إلا فصل آخر من فصول هذه السياسة وامتداد للرابطة العنصرية بين الولايات المتحدة واسرائيل، فعقيدة الهيمنة والسيطرة لدى الاستعمار الاسرائيلي الاستيطاني كانت موجودة لدى البيض من الاوروبيين والاميركيين وثابتة مؤكدة وبين الصهيونية فاسرائيل اليوم هي النموذج الموحي لهؤلاء المؤمنين بتفوقهم العنصري المعادين للسامية لكنهم في نفس منذ قرون في ثقافتهم الاستعمارية العالمية في آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية ، كما أن هناك جاذبية خاصة تجمع بين النازيين الجدد الوقت صهيونيو الهوى، وتلك حقيقة تفتح عيون اليهود الاميركيين على ما يذهلهم اذ يجدون أنفسهم على مفترق طرق ويرون ان نضالاتهم السابقة ضد العنصرية وكراهية الاجانب واللا سامية تضعهم وجهاً لوجه امام اسرائيل بعقيدتها العنصرية التي شكلت قاعدة انشائها، وهي الآن دولة ليس لها صدقية اخلاقية على الاطلاق فلا تستطيع مثلاً ان تستنكر النازية الجديدة في شارلوتزفيل التي تنوي ان تفعل في الولايات المتحدة ما فعله الصهاينة من قبل في اسرائيل ألا وهو التطهير العرقي للفلسطينيين، وما مجزرة ديرياسين والمجازر الأخرى الا علامات صهيونية بارزة لما يأمل النازيون الجدد بل يسعون لتقليده وتطبيقه في الولايات المتحدة ، وبالاضافة لذلك فان الرابطة العسكرية الاميركية الاسرائيلية هي اليوم النسخة الجديدة المقلدة للتفوق العنصري للبيض عبر الأطلسي التي تريد ان تستمر في الترويج للخرافة الاجرامية القائلة بان البيض يريدون تمدين العالم ! أن الصهاينة هم الشاهد الحي على ان الكراهية.
العنصرية يمكن اصطناعها واستخدامها كوسيلة للسيطرة السياسية، فتعبير (العربي الاسرائيلي ) الذي اخترعته اسرائيل للفلسطينيين في وطنهم هو المثال الصارخ على العنصرية الاوروبية حين بلغت نهاياتها الاستعمارية الفاحشة.
وبعد.. يستخلص دبشي مايلي: أن النضال من اجل العدالة الانسانية ينبغي ان يبدأ وينطلق من المعرفة الكاملة بأن التقسيم العنصري قد تم اصطناعه اجتماعياً وجرت إدامته سياسيا، ومن الاقرار مسبقاً بأن الاحاطة بالتاريخ الاجرامي للعنصرية في الولايات المتحدة واوروبا هي الخطوة الاولى على طريق تفكيكه وفضح علاقته بالراسمالية الحديثة، كما ينبغي كشف الفرية الاجرامية المسماة (الشعوب البيضاء) حتى يمكن قصم ظهر هذه الايديولوجية العنصرية التي ابقت الاستعمار الاستيطاني في السلطة وموقع السيطرة والحكم زمنا طويلاً جداً !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى