مقالات مختارة

مقابلة متواضعة مع عضو برلمان متواضع!

عبدالرؤوف طريش

كانت الساعة تقارب الحادية عشر صباحا حين دخلت مبنى حزب المحافظين البريطاني بالمدينة التي كنت اقطن بها. كان ذالك في أحد أيام صيف 1984. عند دخولي المبنى وقف السكرتير من كرسيه على مقعد الإستعلامات، وقابلني بإبتسامة، عرفت من خلالها أنه كان يتوقع قدومي وربما بشيئ من الفضول ليضع وجه لذالك الأسم الأجنبي المدون في سجل المواعيد الذي امامه. كان شاب في مقتبل العمر، أبيض اللون، اصفر الشعر وازرق العينين، نحيف الجسد يميل إلى الطول. قمت بتحيته ثم عرفته بنفسي وأخبرته بأن لي موعد لمقابلة السيد “هاورد”. نظر السكرتير إلى السجل ثم قال لي “آه، السيد طريش، تفضل بالجلوس في هذه الغرفة”، وأشار بيده إلى غرفة مجاورة. إتجهت إليها ودخلت ولم يكن احد هناك سواي. كانت الغرفة بسيطة جدا في حجمها واثاثها. بها مجموعة من الكراسي التي تفي بغرض الجلوس لوقت قصير. كانت هناك بعض إطارات الصور معلقة على الحائط لكني لم اعد اذكر الصور التي كانت تحملها.
.
كان “مايكل هاورد” عضو البرلمان الممثل للمنطقة التي كنت اقطنها، ووزير للبئة في حكومة السيدة “مرجريت ثاتشر” ومن بعد رئيس حزب المحافظين البريطاني. السيد هاورد شخصية مرحة وجدي في عمله. كان معروف للكثير من السكان على مستوى شخصي ومحبوب جدا من قبل الجميع. ربما لانه كان عضو فعال في المجتمع وكثير التفاعل مع المواطنين، وخاصة في المناسبات العامة والرسمية. كان في فترات الإنتخابات يدق على ابواب المنازل في جميع المنطق الغنية والفقيرة بدون تمييز ليحثهم على التصوت لصالح حزبه في الإنتخابات. كما كان يسأل عن أحوالهم وعن مجرايات امورهم وإن كانوا في حاجة يستطيع المساعدة فيها. بالنسبة لأعضاء البرلمان في هذه البلاد يعد ذالك أمر طبعي، بحكم أنه النائب عنا والمعني بحقوقنا في البرلمان.
.
الأمر الذي احببت أن أنقله للقارء الكريم لا يتعلق بالغرض من زيارتي للسيد هاورد، ولكن كيف تعامل السيد هاورد معي عندما أدهلته بالمفاجئة التي تمثلت في وجودي بمكتبه. بعد دقائق قليلة من الإنتظار دخل السكرتير وقال لي بان السيد هاورد في إنتظاري. رافقته إلى المكتب ففتح لي الباب ودخلت ثم أقفله ورائي وعاد لعمله. دخلت وحييت السيد هاورد الذي رد التحية مع إبتسامته العرضة المعهودة وصافحني وطلب مني الجلوس. جلست، وبدأت بتعريفه بنفسي ووضعى في البلاد. وهناك كانت الصدمة بالنسبة له، والتي رغم رباطة جأشه وقوة تمالكه لنفسه إلا أنه لم يستطع إخفائها. الصدمة هي أن المكان الذي أخبرته بأنني أنتمي إليه، الا وهو بلادنا الحبيبة ليبيا، على صفحات الاخبار وعناوينها الرئيسة كأول دولة مصدرة للإرهاب في العالم. ثم أن دم الشرطية الإنجليزية الشابة “إفون فلتشر” التي ارداها أحد مجرمي النظام الليبي قتيلة أمام سفارته في لندن لم يجف بعد. كان سبب تواجدها لتحمي الليبيين من شرور الليبيين!
.
كانت فعلا صدمة بالنسبة للرجل، فبمجرد أن ذكرت له موطني الاصلي إعتقد أنني بصدد إغتياله. لكنني سرعان ما تداركت الموقف وبينت له سبب طلبي مقابلته والذي لا علاقة له بالسياسة. حينها بدأت عليه علامات الإرتياح بعد أن أوجس في نفسه خيفة مني. وبعد أن ذهب عنه الروع شرح لي ما وجب علي القيام به لحل المشكلة التي قابلته من أجلها، وإتصل بي عدة مرات لاحقة ليستفسر عما إذا كانت المشكلة قد إنتهت، وطبعاً ليذكرني بالتصويت لصالح حزبه فيما بعد. الجذير بالذكر أنه حالما قتلت الشرطية الإنجليزية، أصدرت السيدة ثاتشر أمر سري إلى وزارة الداخلية تأمرهم فيه بمعاملة الليبيين معاملة خاصة ومنح كل ليبي طالب للجوء في بريطانيا حق اللجوء بدون تأخير. وقد إستمرت تلك المعاملة الخاصة للبيين في بريطانيا دون الإعلان عنها رسميا، حتى لا يشجع الكثيرين لمغادرة بلادهم، إستمر إلى مقتل القذافي وحينها ثم الإعلان عنه وإلغائه منذ ذالك الوقت.
.
اللهم ألهم أعضاء برلماناتنا الإثنين وحكوماتنا الثلاث ومسؤلينا الذين لا يحصوا ولا يُعدّوا، اللهم الهمهم شيء من التواضع ليعودوا بشرا أسوياء.
.
أسعد الله أوقاتكم بكل خير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلا عن صفحته الشخصية- فيسبوك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى